شباب يحيون التراث الصعيدي بـ”المندرة” في القاهرة
عند دخولك المكان، ستشعر بعبق الجنوب حيث محافظات أسوان، وقنا، والأقصر، وسوهاج، وأسيوط، جميعهم في هذا الركن الهادئ أو “المندرة”، ستشرب شاي العصاري متكئًا على “الدكة”، وتأكل “الشريك”، و”الفايش” من قلب بلدتك أو قريتك الصغيرة.
تفاصيل أخرى تلفت انتباهك مثل الديكور الذي لم يغفل تفصيلة بسيطة مثل “الطرومبة”، وهي أداة منتشره في كل منزل صعيدي وجنوبي قديمًا، كما ستشعر بروحي الأبنودي وأمل دنقل بصورهما المعلقة في غرف تحمل اسم كل منهم.
وتستطيع أيضًا حضور الندوات الشعرية بأنواعها، والأمسيات الثقافية، والعروض الفنية المتنوعة لكل المواهب من كل أنحاء الجمهورية، فضلا عن غرفة السينما التي تعرض بها أفلام منتقى للكبار والصغار.
من محطة مترو محمد نجيب، وشارع محمد فريد قلب القاهرة، لأعلى مبنى البريد المصري المقابل لبنك مصر، في الدور الرابع تحديدًا، حيث ثاني شقة على اليمين هنا “المندرة”، وهي مصطلح معروف عند أهل الجنوب “أي محافظات وجه قبلي”، يصاحبه صورة ذهنية موازية عن شكلها وبروتوكول الجلوس بها يحفظه أبناء الجنوب عن ظهر قلب، ويمتلئ أبناء العاصمة والمدن الكبرى بالشغف لمعرفة الكثير ورؤية ما يسمعون عنها.
أحمد جمال مدني، من محافظة الأقصر، وحبيبه الزين، من أسوان، ومؤمن حسني، من محافظة قنا، مركز فرشوط، شباب في العشرينات من عمرهم، أصحاب فكرة إنشاء المندرة التي تُحيي تراثهم وثقافتهم الصعيدية أو بالأحرى الجنوبية في قلب القاهرة.
“المكان شبهنا وشبه روحنا وريفنا، المكان ينتمي لكل ما هو جنوبي” هكذا بدأت حديثها مع “باب مصر” حبيبه الزين، إحدى المشاركات في فكرة إنشاء “المندرة”، طالبة في آداب فلسفة من أسوان، وتضيف أنه على الرغم من كوننا من محافظات مختلفة، إلا أننا ننتمي إلى نفس الجنوب، محملين بثقافته وفلكلوره التراثي والشعبي، والذي يجذبنا الحنين إليه مثلنا مثل آخرين من أبناء الأقاليم وخاصة محافظات الصعيد، أثناء تواجدنا في القاهرة لأسباب متباينة.
“أنا وشركائي في الفكرة يجمعنا أيضًا الفن والأدب” فأحمد جمال مدني، شاعر ومخرج ومعد أفلام كارتون ومراجع لغة، ومؤمن حسني ممثل، وأنا شاعرة، جمع بيننا أيضًا الإيمان بفكرة نشر ثقافتنا وتراثنا الجنوبي بمعناه الأوسع ليس فقط الصعيدي أو النوبي، وإنما محافظات الجنوب بشكل عام، وتعريف أبناء الأقاليم الأخرى عليها كنوع من الترابط والتقارب بين أبناء الوطن الواحد من أقاليم مختلفة.
وشرحت “حبيبه” أسباب عدم تخوفهم من فكرة تقبل أهالي القاهرة لفكرتهم، راوية ” الفكرة لديهم من زمان على الورق، وأحد أهم العوامل الأساسية التي شجعتنا على تنفيذ الفكرة، هو فضول وشغف باقي الأقاليم للتعرف على البيئة الجنوبية الصعيدية، كيف هي بيوتنا، فنوننا، فضلاً عن حنيننا كأبناء الجنوب في القاهرة لبيئتنا التي تشبهنا”.
ونوهت الزين، بأن المشروع ساهم في تنفيذه آخرين شركاء له ليسوا من الجنوب، ولكن من أقاليم مختلفة من أصدقائنا على سبيل المثال من الشرقية لإيمانهم بالفكرة، وانها ليست حكرًا على أحد، المكان يستقبل الجميع فجميعنا ننتمي لنفس الطين والريف.
وسردت الزين، كانت هناك تحديات بين تحديد المكان، وترتيب وتجهيزها كما حلمنا، ولكن استطعنا التغلب على كل هذا في خلال شهرين تأهيل المكان وذلك بفضل إيماننا بوجهات نظر بعضنا البعض وبالفكرة.
وتعمدنا تجهيز أماكن لإقامة حفلات شعر وندوات وأمسيات، وغرف للورش أو فرق ترغب في عمل بروفات، بالإضافة لنادي السينما مرحبة بأي أفكار جديدة ومؤكدة على تنظيم الموضوعات بشكل جيد جداول ثابتة دون عشوائية.
لم يكتف شباب المندرة بالعمل بها بأنفسهم، بل بعضهم يعمل في مجالات أخرى ويساعد في المكان للمساهمة في نجاحه، وحول عدم سلكهم طريق السفر للخارج كأغلب الشباب خاصة في الصعيد للحصول على الأموال وتكوين أنفسهم، عبر أحمد جمال الشاعر ومؤمن حسني، بأن أحلامنا لم تقف كثيرًا عند الأموال وإنما طموحاتنا وأحلامنا ممزوجة بفكرة الوطن والطين الذي كثيرًا ما نحاول التعبير عنه في أشعارنا ومختلف الفون التي نمارسها.
ويرى شباب المندرة أن ما يميزهم هو محاولاتهم تحقيق أحلامهم التي تبدو للوهلة الأولى شاعرية مغايرة للواقع، وإنما بإيمانهم استطاعوا تحقيقها، مؤكدين أن ما يميز المكان هو استقبال الجميع كل من لديه موهبة أو فكرة تقدم في الشعر والأدب والفنون.
“المندرة” مكان جنوبي خالص، الديكور نعبر من خلاله عن أشياء تحدث في المندرة في الصعيد أو الريف عمومًا، ولكن المكان مفتوح لكل الناس ممن لديهم مواهب حقيقة.
ويطمح شباب المندرة في أن تكون المندرة من أهم الأماكن الثقافية داخل مصر وخارجها، وعلامة من علامات الثقافة في الوطن العربي كله ومن أهم المؤسسات، لافتين لتخطيطهم لاستقبال فنانين وأدباء وشعراء من كل أقطار الوطن العربي في المستقبل.
اقرأ أيضا