«سوهاج».. العرابة
ارتبط تاريخ سوهاج بأبيدوس، فهنا في أبيدوس كانت بداية الرحلة، وكتابة الفصل الأول من تاريخ مصر القديمة، موكب الحجاج مركزه هنا، في ساحة أوزيروريس، لذا كان ارتباط سوهاج بأبيدوس بديهيا لعراقة تاريخها وأصله. ورحلة الذهاب إلى أبيدوس ممتعة وشيقة، فالطريق الذي تمتزج فيه رمال الصحراء الصفراء مع خضرة الأراضي الزراعية مبهر إلى حد لا يوصف.
أبيدوس
في عرابة أبيدوس عدد كبير من المعابد والمنشآت التذكارية التي أقامها عدد كبير من ملوك مصر القديمة. فهي فرصة مهمة لتوثيق اسم الملك في التاريخ هنا، عند إله الموتى وحاكم العالم الآخر الإله أوزوريس، الذي صحبهم جميعا في مقابرهم بمنظره الأنيق بلونه ناصع البياض.
أما معبد سيتي الأول فهي درة التاج في العرابة، فهو أحد أجمل المعابد المصرية في تاريخها كله. فعلى قدر عبقرية البناء، جاء المعبد كذلك دقيقا في تفاصيله الفنية، رائعا في نقوشه التعبدية، المعبد الذي بناه سيتي الأول وأكمله ابنه الملك رمسيس الثاني.
تدخل إلى المعبد عبر ساحته الواسعة الذي تضفي على المعبد مهابة بهدوئها، ثم إلى قاعات المعبد الداخلية. وأخيرا إلى المقاصير السبعة لأهلة مصر القديمة “أوزوريس – إيزيس – حورس – آمون رع – رع حوراختي – بتاح” ومقصورة خاصة بالملك صاحب المنشأة الملك سيتي الأول. لكن أكثر ما يلفت الانتباه في هذا المعبد، لوحة الملوك التي تضم 76 ملكا كتبت أسماؤهم بالهيروغليفية، بطريقة منظمة ابتداءً من مينا “نعرمر” حتى الملك سيتي الأول مؤسس المعبد.
وليس انتهاءً بالمعبد فالعرابة تضم معالم أخرى، بدءا من معبد الملك رمسيس الثاني ابن الملك سيتي الأول، والذي يقع بجانب المعبد الرئيسي في المنطقة، ثم معبد شونة الزبيب. الصرح المعماري الذي بناه خع-سخموي من الأسرة الثانية. بطبيعة الحال فقدسية أبيدوس تجعل من مسألة البناء فيها وحولها أمرا ضروريا لدى الحكام في مصر القديمة.
أخميم
على مقربة من مدينة سوهاج نفسها، تقع أخميم، تلك المدينة التي تستقبلك بتمثال العروسة كما يطلق عليه الناس. وهو تمثال “مريت آمون” ابنة رمسيس الثاني، وهو أضخم تمثال لسيدة في التاريخ. التمثال الذي يقف على مدخل المدينة كأنها حارسها. كان هذا التمثال جزاءً من معبد بناه رمسيس الثاني لمعبود المدينة الإله مين، المعبد الذي يعتقد بأنه أكبر من معبد الأقصر ذاته. يمكنك رؤية بقاياها على الناحية الأخرى من الطريق حيث تقع بشكل منخفض عن الأرض. امتدادا ناحية الغرب المقدس من أخميم، تقع مقابر الحواويش، المقابر التي تصعد إليها بسلم طويل ومرهق، تضم 800 مقبرة نحتت في الصخر بشكل عبقري معتاد.
تاريخ المحافظة لا يتوقف، ففي كل حقبة يمتلك نموذجا فريدا دون غيره. ففي مكان ناء في الصحراء الغربية، يقع دير الأنبا شنودة أو كما يطلق عليه أيضا الدير الأبيض. يطل هذا النموذج المعماري وكأنه قلعة قديمة أو معبد مصري قديم، والإحساس لا يخطئ. فالاعتقاد التاريخي فعلا أنه أحد المباني المصرية القديمة التي أعيد استخدامها عن طريق الكنيسة.
المعبد الذي تدخل إليه عبر بوابة صغيرة جدا لا تتناسب أبدا مع كثرة المباني داخله وضخامتها، يبدو فعلا وكأنه قلعة. وهو ما يمكن فهمه في سياق تاريخ المبنى الذي أعيد استخدامه في فترة الاضطهاد. حيث كانوا يصدون الهجمات وهم بداخله.
أديرة القديسين
وعلى مقربة منه يقع دير القديس بشاي والأنبا بيجول، الشهير باسم الدير الأحمر. وتلك التسمية ترجع إلى لون الحجارة فيه، وهذا الدير يعتبر أحد أعلى درجات الفن والعمارة في الفترة القبطية. فصور النقوش والرسومات التي تصور السيد المسيح مع تلاميذه في صورة هادئة وخاشعة أنيقة جدا. ولكي تكتمل الصورة عليك بزيارة القرية التي تجاوره، والتي قامت تيمنا به. فهناك تستطيع أن تفهم العلاقة بين الناس وبين ما يعتقدونه عن طريق ارتباطهم بالدير.
المساجد
لا يمكن بأي حال من الأحوال زيارة سوهاج دون زيارة جرجا، المدينة التي تبتعد قليلا عن عاصمة المحافظة تحفل بحياة تاريخية وحضارية لا تقل أهمية عنها. تمتلئ بالمنشآت التجارية التي تبرز قيمتها في العصر العثماني. فلقد كانت أحد أهم المدن التجارية في العصر العثماني في الصعيد، تدخل القيسارية التي ما زالت تحمل نفس الاسم القديم، فتجد المحلات التجارية والدكاكين القديمة التي ما زالت تحتفظ ببعض عاداتها القديمة كما كانت. ولكي تكتمل الصورة فعلى مقربة منها تقع مساجد مختلفة ترجع إلى العصر العثماني.
أشهر تلك المساجد هو المسجد الصيني، وهو اسم عجيب فعلا أطلقه الناس على المسجد نسبة إلى القيشاني الأزرق الذي يزين جدار القبلة. فأطلقوا عليه هذا الاسم نسبة إلى الصيني. وهذا المسجد يشبه إلى حد كبير المسجد الأزرق في القاهرة مسجد آق سنقر. والذي أطلق عليه أيضا الأزرق نسبة إلى القيشاني داخله، لكن فارق التسمية يبرز فارق الثقافة.
وليس انتهاءً بمسجد علي بك الفقاري أحد الأمراء العثمانيين الذين حكموا جرجا، ومسجد الزبدة. وهي أحد الأسماء العجيبة واللطيفة أيضا في المدينة. حيث أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى سوق الزبدة الذي يقع بجانب المسجد. فكان الناس يخرجون من المسجد عند الصلاة فيشترون الزبدة، ولذا أطلق عليه هذا الاسم.
وتاريخ المحافظة مع المساجد لا يتوقف عند جرجا. فأخميم تحمل أيضا نماذج مميزة، مثل مسجد الأمير محمد المعروف بمسجد السوق. ومسجد الأمير حسن، الذي يحتفظ بصورته القديمة وسط عدد من البيوت القديمة. وليس الأمر بعيدا عن برديس التي تقع بالقرب من أبيدوس، والتي تنسب إليها الجملة التاريخية “إيش تاخد من تفليسي يا برديسي”. التي رددها الناس ضد الأمير المملوكي البرديسي بسبب جباية الضرائب. يوجد في تلك القرية التاريخية مسجد عرف بمسجد حميد أبو ستيت عمدة ناحية برديس قديما والذي اهتم به وجدده.