سوابق في ضمير العدالة
مثُل حسونة حسن وشعبان حافظ وفاسيلى كوتى أمام القضاء بمدينة الإسكندرية بتهمة نشر أفكار ثورية مغايرة لمبادئ الدستور الأساسية في المملكة المصرية علنا. وذلك بطبع منشورات ثورية وتوزيعها في ليلة أول مايو 1930 ولصقها على حوائط المدينة في الشوارع العامة يحبذون فيها نظام الحكم السوفيتي. ويحضون العمال على اعتناقه على أنه أفضل النظم الاجتماعية التي تكفل سعادتهم.
وحوى المنشور بيانا عن تاريخ الاحتفال بأول مايو باعتباره عيدا للعمال. وأردف المنشور أنه لابد لطبقة العمال في مصر أن تحتفل بهذا العيد العالمي مقدمة فيه مطالبها كسن تشريع للعمال والاعتراف بنقابتهم. وتحديد ساعات العمل والضمان ضد الشيخوخة والأخطار ومساواة أجور العمال الوطنيين بالأجانب. وحرية الاجتماعات والسماح للعمال بدخول المجالس النيابية. وأن “الدولة الوحيدة في العالم التي تحتفل بأول مايو هي الحكومة السوفيتية. وهي المثل الأعلى لطبقة العمال في العالم وأن الحكم السوفيتي هو النظام الوحيد الذي يقضى على النظم الرأسمالية. والأزمات الاقتصادية والفوضى في الإنتاج ويقضى على العطل الموجود في العالم وكذا الحروب الاستعمارية وما ترتب عليها من الآثار السيئة وتيتم الأطفال وترميل النساء.. إلخ. وليحيى الحكم السوفيتي في العالم وليسقط المجتمع الرأسمالي”.
آنذاك، ارتأت المحكمة أن النشر لتغيير مبادئ الدستور بالقوة أو الإرهاب أو الوسائل غير المشروعة لم يدر بخلد واضعي المنشور. وأن ما جاء بالمنشور من تحبيذ إنما هو من باب الإشادة بنظام يراه الكاتب أملاً في الإصلاح يتطلع إليه ويرجو تحقيقه تدريجيا بالوسائل التي تضمنها المنشور. والتي يستشف منها أنها تؤدى إلى صلاح حال العمال وتسمح لهم بدخول المجالس النيابية والسيطرة عليها.
***
اتهمت النيابة العمومية في نوفمبر 1910 عبدالرحمن على، وتوفيق مصطفى، ومحمد صادق، وآخرين من طلبة مدارس طنطا الثانوية بالتجاوز في إهانة موظف عمومي ممثلاً في سعادة مدير الغربية. بسبب أدائه خدمة عمومية والتطاول عليه في ميدان البوليس والهتاف (فليسقط المدير…. فليمت المدير). فحكمت المحكمة بتقديم عبدالرحمن على ومحمد خيري منجى خمسمائة قرش لكل منهما. وتقديم محمد صادق وتوفيق مصطفى ومحمد فخر الدين مائتي قرش لكل منهم. وتغريم على عبدالله البراد مائة قرش.
اتهمت النيابة العمومية محمد بك فريد رئيس الحزب الوطني ومقيم بمصر، بأنه حسَّن كتاب “وطنيتى” للشيخ القاياتى. والذي طبع ونشر في العام 1910 والذي هو في حد ذاته مشتمل على جملة أمور معاقب عليها قانونا. فامتداحه للكتاب بمقدمة تحمل توقيعه تحت عنوان “تأثير الشعر في تربية الأمم” يمثل تحريضا للناس على كراهة الحكومة والازدراء بها والعيب في حق ذات ولى الأمر. وتحسين جريمتي دنجرا والورداني وإهانة ناظر الحقانية بصفته موظفا عموميا. غير أن المحكمة ارتأت أن المدح نفى وجود جريمة، فلم يعمد إلى تهييج عام في النفوس.
***
في 19 ديسمبر 1932، مثَل إبراهيم عمر أمام القضاء متهما بانتهاك حرمة الآداب والأخلاق علنا. حيث عرض للبيع كتبا تحوى عبارات وصورا مخلة بالحياء غير أن المحكمة أفادت بأن تلك الروايات مألوفة لدى الغربيين الذين سكنوا في الديار المصرية. وأن الأخلاق في مصر تطورت تطوراً كبيراً. وأن الكتب المضبوطة لا تزيد من حيث الآداب عما يعرض في دور السينما من مناظر. وعما يجرى في المراقص العمومية وعلى شواطئ الاستحمام. فضلا عن أن إدارة الأمن العام لا تمنح ترخيصا للمطبوعات التي ترد من الخارج وأن لكل شخص الحق في استيرادها تحت مسؤوليته. وبمطالعة تلك الكتب وجدت أنها لا تحوى سوى أقاصيص باللغة الفرنسية موضوعه لبيان ما تفعله العاهرات في التفريط في أعراضهن. وكيف يعرضن سلعهن وكيف يتلذذن بالرجال ويتلذذ الرجال بهن.
وفي عام 1910 مثل العربجي على مكرم مقيم بفم الخليج وآخرين أمام المحكمة بتهمة استحسان عمل الورداني قاتل بطرس باشا غالى بواسطة الغناء “يا ميت صباح الخير على الورداني”. ورغم أن المحكمة أقرت بأن المتهمين أشخاص لم يكن لهم أقل علاقة شخصية بالجاني. إلا أنها قررت تغريم كل من المتهمين الأربعة غرامة قدرها خمسون قرشا.