حروب المجاز: هل كانت «كليوباترا» سمراء؟
في ظلّ تزايد الجدل الثقافي والسياسي حول قضايا العرق والتنوع الثقافي في العالم. يُشعل فيلم وثائقي جديد من إنتاج منصة “نتفليكس” النيران بين مؤيدين ومعارضين بسبب تجسيد الملكة كليوباترا ببشرة سمراء. يرصد الفيلم الوثائقي الجديد الذي تقوم ببطولته الممثلة البريطانية السمراء أديل جيمس حياة الملكة المصرية الأسطورية. ويفتح بابًا جديدًا للنقاش حول جذورها وهويتها العرقية.
وتسود حالة من الانقسام بين المثقفين والمشاهدين حول ما إذا كان تصوير كليوباترا بلون بشرة سمراء يعكس الواقع التاريخي. أم أنه توظيف سياسي لقضايا الهوية والتنوع الثقافي. في حين يرى البعض أن هذا التجسيد يكرّس العدالة التمثيلية ويسلط الضوء على الجذور الإفريقية للملكة. ينتقد آخرون الفيلم بأنه يسيء للتاريخ ويقدم صورة غير دقيقة عن شخصية كليوباترا.
الحديث عن لون بشرة كليوباترا بداية الخيط في القضية الكبرى للقرن الحادي والعشرين. والتي تتمثل في مطالب المركزية الإفريقية في الحق في الأثر. بعدما تبنى هذا الفيلم فكرة غير مألوفة، عن ملكة مصرية من أصول بطلمية ببشرة سمراء. كيف خطرت لنتفليكس الفكرة ولماذا تبنتها متجاهلة كل الآثار والنقش المصري القديم الذي يمثل شكلها بملامح مختلفة.
شكل كليوباترا
في البداية سنتطرق لمعرفة ما هو شكل كليوباترا. وكيف نتوصل إلى شكل شخص تاريخي لم يُترك وصف دقيق للون بشرته. وسياسة نتفليكس لتبني هذه الأفكار والدافع وراءه وكيفية الرد عليه. وما إذا كانت الأعمال الفنية تشكل خطرا على الحضارة نفسها.
وفي حالة الملكة كليوباترا – واحدة من أقوى حكام مصر – لم يتم توثيق شكلها في الواقع لكنها تشتهر بكونها جميلة. وواصل المؤرخون وعلماء الآثار البحث في بقايا حضارتها، ليكتشفون المزيد من القطع في أحجية حضارتها وشكلها.
التصوير الروماني لكليوباترا
الرسومات وأعمال النحت تعد دليلا ماديا واضحا على شكل أصحابها. وعن كليوباترا هناك عملات رومانية ترجع للفترة من عام 37 قبل الميلاد إلى 33 قبل الميلاد تصور وجوه كليوباترا ومارك أنطوني.
تشمل هذه العملات نظريتان، الأولى أنه قد لا تكون هذه العملات الأكثر دقة، وبحسب مجلة “ديسكفر” أشار العديد من المؤرخين إلى أن الوجوه الموجودة على تلك العملات كانت صورًا فنية تهدف إلى مساعدة المواطنين الرومان على قبول حكامهم الجدد.
لم يكن المواطنون الرومانيون سعداء بفكرة أن يكون الشخص الأعلى في السلطة من بلد آخر. لهذا حاولت الحكومة الرومانية تصويرها بملامح تابعة لهم، مثل جعل شعرها مجعدًا ورسمها بفك بارز وأنف معقوف وشفاه رفيعة.
أما الرأي الثاني، فيؤكد أن الأسلوب الذي تم إتباعه في تصميم العملات المعدنية لمارك أنتوني وكليوباترا. ويعتقدون أن التصوير الروماني لكليوباترا قد لا يكون بعيدًا عما كان يمكن أن تبدو عليه في الحقيقة، ووجد علماء الآثار عملات معدنية أخرى تحمل صور والد كليوباترا وبالتالي هي أقدم من عملات كليوباترا.
واتسمت هذه العملات بتصوير بطليموس الثاني عشر بشكل مشابه لكليوباترا، بأنف طويل معقوف وجبهة مائلة وشفاه رفيعة تماما مثل كليوباترا. وهو ما يؤكد الرأي الثاني أنه من المحتمل أن تكون هذه السمات حقيقية لأفراد عائلة كليوباترا.
كيف رسم المصريون القدماء كليوباترا؟
لم تكن العملات المعدنية هي الدليل الوحيد على شكل الملكة كليوباترا. بل تم تصويرها في التماثيل والجداريات المصرية عبر رسمها مثل الآلهة، ويعتقد المؤرخون أنه من هنا انطلقت فكرة أن الملكة كليوباترا جميلة جدا.
يرجع رسمها كالآلهة في مصر القديمة، لأن كان أفراد العائلة المالكة المصرية يربطون أنفسهم بالقوى الإلهية لإثبات أنهم قادرون على الحفاظ على السلام والعدالة وطريقة الحياة الطبيعية.
وعرّفت كليوباترا نفسها بإيزيس، وكانت إيزيس إلهة حامية تمثل العرش وإلهة السحر والشفاء، وبعد سنوات من العبادة، أصبحت إيزيس تجسيدًا للنظام الكوني.
بالنسبة لقدماء المصريين، سيطرت إيزيس على القدر، ولكي تحصل كليوباترا على هذه القوة العالية ساعدت المصريين حتى أنها أرشدتهم للنجاة من الحرب والمجاعة. وجسدت كليوباترا دورها باعتبارها إيزيس، وتم رسمها وهي ترتدي رداء إيزيس الاحتفالي، وشعر مستعار أو غطاء رأس في صورة نسر.
كليوباترا.. جمال ساحر
بخلاف حياتها السياسية، اشتهرت كليوباترا بكونها جميلة وساحرة. ويأتي وصف شكل كليوباترا من كتابات الرومان في القرون التي تلت وفاتها.
وترجع بداية التحول من وصف حياتها السياسية إلى جمالها، إلى “أغسطس” أول إمبراطور لروما، بعد الحرب الأهلية احتاج لتبرير العنف الذي شنه ضد الرومان ووجد في “كليوباترا” كبش فداء. وبحسب موقع “الرؤى الأكاديمية لجامعة أكسفورد” صدق الجميع أنها استغلت جمالها لإقناع قيصر بالحرب.
واستمرت الكتابات لاحقا عن جمال كليوباترا. وكتب المؤرخ الروماني “كاسيوس ديو” عن كليوباترا في كتاب “التاريخ الروماني”: “تعرف كيف تجعل نفسها جذابة للجميع، امرأة تتفوق على الجمال، وعندما كانت في شبابها لفتت انتباه الجميع”.
وهذا الوصف مشابه لما دونه “بلوتارخ” في كتابه عن حياة “أنطونيوس”: “جمالها كما قيل لنا، لا مثيل له على الإطلاق، جذب كل من رآها، والتحدث معها كان له سحر لا يقاوم، ووجودها… كان له شيء مثير، صوتها به عذوبة كلما تحدثت، كانت تتحدث العديد من اللغات وكانت موهوبة بكل الطرق”.
ووفقا لما كتبته المؤرخة الأمريكية “سارة بوميروي”: “كليوباترا ركبت الخيل، ومارست الصيد. وكانت في المنزل وفي ساحة المعركة، شهد بلوتارخ على ذكاءها وجمالها، ووصف ويليام شكسبير في مسرحيته أنطوني وكليوباترا مهارة قيادتها وقال إنها ماكرة”.
الخلفية العرقية لكليوباترا
لكن رغم وصف جمال كليوباترا الساحر، تعددت التخمينات والنظريات حول الملكة. التي ماتت منذ أكثر من 2000 عاما في وقت قبل ظهور الصور أو الفن الواقعي، ولا توجد إجابات واضحة على شكل كليوباترا.
تقتصر المعلومات عن شكلها على التكهنات، وما دونه المؤرخون عن كليوباترا. وواحدة من هذه الحقائق هي أن والدها بطليموس الثاني – حاكم مصر قبل أن تتولى أو أخوها العرش – لم يكن من مصر.
جاء بطليموس إلى مصر مع الإسكندر الأكبر من مقدونيا اليونان. وبحسب هذه المعلومة فإذا كان والدا كليوباترا من اليونان، فإن لون بشرتها أفتح من المصريين. لكن رغم ذلك لا يعرف أحد حقا الخلفية العرقية لكليوباترا، فعلى الرغم من امتلاك والدها الكثير من الوثائق عبر التاريخ، لكن لا يوجد توثيق لعائلة والدتها لمعرفة أصولها أو لون بشرتها.
خلفية عرقية
في دراسة لدوان دبليو رولر المؤرخ وعالم الآثار والأستاذ الفخري للغة اليونانية واللاتينية في جامعة أوهايو، ونشرت عام 2010 بجامعة أكسفورد. يسرد فيها الخلفية العرقية لكليوباترا عبر تتبع ثمانية أجيال.
ويقول في الدراسة: “الأمر معقد، ولدت كليوباترا في أوائل عام 69 قبل الميلاد، وهي سليل الملوك المصريين في سلالة تعود إلى 250 عامًا. أسس جدها بطليموس الأول، رفيق الإسكندر الأكبر، ترجع السلالة إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد”.
كان بطليموس من أصل يوناني مقدوني (نشأ في البلاط الملكي لوالد الإسكندر في مقدونيا، الجزء الشمالي من شبه الجزيرة اليونانية)، وأثبت نفسه ملكًا لمصر في السنوات التي تلت وفاة الإسكندر. ويوجد له ستة خلفاء من البطالمة حتى الوصول إلى والد كليوباترا.
لذلك كليوباترا على بعد أكثر من ثمانية أجيال من كونها يونانية مقدونية خالصة، لكن ماذا عن الأمهات؟ يصعب دائمًا العثور على النساء، حتى في السلالات الملكية. وهنا أثيرت أسئلة حول خلفيتها العرقية.
بالنسبة للأجيال الستة الأولى، جاءت زوجات البطالمة الحاكمة من نفس العائلة المقدونية مثل أزواجهن. لذلك حتى وقت الجد الأكبر لكليوباترا، كان التكوين العرقي للسلالة لا يزال يونانيًا مقدونيًا خالصًا. لكن تزوج اثنان من أخواتهم، مما أدى إلى تعزيز العرق المقدوني.
تتطور الشكوك مع جد كليوباترا. على الرغم من أنه كان لديه زوجتان من خلفية مقدونية تقليدية، يبدو أنه كان لديه زوجة واحدة على الأقل من أصل غير مؤكد، والتي ربما كانت جدة كليوباترا. لكن هذا ليس واضحًا. وتشير بعض المصادر إلى أنها كانت أخت زوجها، وبالتالي مقدونية خالصة.
أصل يوناني
ومع ذلك، بافتراض أن جدة كليوباترا لم تكن من أصل يوناني مقدوني خالص. فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما كانت عليه. تشير المصادر إلى أنها إذا لم تكن مقدونية، فربما كانت مصرية. لذا بحلول زمن أجداد كليوباترا، ربما كان هناك عنصر مصري في الأصل العرقي.
كان لوالد كليوباترا أيضًا عدة زوجات. كانت إحداهما أخته. ولكن هناك دليل على أن بعض أطفاله الخمسة أُنجبوا من أمة، ومع ذلك، فإن الجغرافي سترابو – أحد المصادر المعاصرة القليلة لحياة كليوباترا – كتب أن جميع زوجات والدها كن من النساء ذوات المكانة الهامة، مما يستبعد أي عبيد أو نساء ليسوا يونانيات.
ويجعل من الممكن أن تكون والدة كليوباترا من أصل يوناني مقدوني. لكن ربما لم تكن هذه هي الحقيقة، لتظل والدة كليوباترا لغزا حتى الآن، ويحتمل أنها إما يونانية أو مصرية، وأشار إلى أنه هناك ثلاث مسائل أخرى تستحق الدراسة.
إحداها أن كليوباترا كانت الحاكم الوحيد في سلالتها الذي عُرف. بالإضافة إلى لغتها الأم اليونانية وحديثها باللغة المصرية الذي يشير إلى علاقتها القريبة بمتحدثة مصرية، ربما والدتها. ثانيًا، كُرمت ابنة كليوباترا، التي أصبحت ملكة موريتانيا، واختلطت عرقيًا. لأن والدها كان رومانيًا، وبحسب دراسته انتقال النخبة الدينية المصرية- في الجزائر الحديثة – أمر منطقي إذا كانوا جزءًا من عائلة أجدادها.
وثالثًا، وهو أمر مهم بشكل خاص في هدم أي اقتراح بأن كليوباترا لديها دم إفريقي أسود، أنها لم تُظهر تمثيلاتها في الفن اليوناني والروماني والعملات المعدنية. أي شيء بخلاف العرق المتوسطي التقليدي، على الرغم من أن الفنانين كانوا قادرين تمامًا على إظهار مجموعات عرقية أخرى، وبالتالي لا تحمل دم إفريقي أسود.
لماذا يختلف شكل كليوباترا في الفن
على الرغم من عدم معرفة ملامح كليوباترا، لكن تم رسمها مرات لا تحصى. وتختلف صورها من امرأة بشعر أسود إلى امرأة شقراء، والسبب في وجود العديد من الصور المختلفة لكليوباترا أنه يستخدم الرسامون مخيلاتهم الشخصية من أجل تحديد كيفية رسم ملامح شخص لم يروه من قبل ولم يعرفا وصفا دقيقا لملامحها.
بدأت فكرة رسم كليوباترا، في القرن الثامن عشر الميلادي، لمحاول تجسيد اللوحات قصة قيام كليوباترا بإجراء منافسة على إقامة أفخم حفل مع مارك أنتوني.
وفي اللوحات، يمكن رؤية كليوباترا بملابس مستوحاة من أوروبا. وهي اللوحات التي اعتمدت عليها هوليوود في تقديم أفلام عن كليوباترا، تحديدا لوحة زيت على قماش لجان ليون جيروم. وفي اللوحة التي تحمل عنوان “كليوباترا وقيصر” نظهر كليوباترا واقفة وتنظر إلى الوراء إلى قيصر، وترتدي ملابس بيضاء.
التراث الشفاهي والأثر المادي
الإشكالية الكبرى لا تتوقف عند حدود لون بشرة الملكة كليوباترا. بل هناك أزمة أو إشكالية أخرى يجب الالتفات إليها وهي نظرية «الأفروسنتريك» أو “المركزية الإفريقية” التي اعتمدت عليها نتفليكس في تقديم كليوباترا ببشرة سوداء، في عمل وثائقي وليس درامي. وهي سردية ثقافية لا تعتمد على الأثر التاريخي.
ويوضح خليل منون، باحث أنثروبولوجي في الثقافات الإفريقية، أن مشروع الفيلم الوثائقي يأخذ بالصيغة التاريخية لجماعة فكرية بعينها على أنها تراثية وليس بالضرورة أن تكون واقعية. ولنفهم الأمر علينا التوسع قليلا في كيف تنظر الشعوب والجماعات للتاريخ، وبناء هويتها التاريخية.
هناك إستراتيجيتان، الأولى وهي قديمة، لا تحتاج للحقيقة في بناء تاريخها عن نفسها، المصري القديم مثلا وهو يعبد الإلهة حتحور وغيرها لم يكن بحاجة لحقيقة لبناء هذا التاريخ. وهناك أيضا في الهند المعاصرة، عبادة الأبقار رغم غياب وجود دليل مادي على قدسية الأبقار، أو تاريخي عن البطل كريشنا.
ويقول لـ”باب مصر”، إن الشعوب إما تعتمد على التراث الشفاهي حتى تحقق إشباع وجداني وتاريخي وعلى أساسه يتم بناء الهوية. أو أنها تعتمد على الأثر التاريخي في دعم تصورها عن نفسها. وقد تعتمد الجماعة البشرية على الجمع بين وجهتي النظر في تصورها عن نفسها وتاريخها.
استبدال الخطاب الاستعماري الفرنسي بالإفريقية
وتبنت “الأفروسنتريك” هذا الصراع وأنتجت خطاب تراثي موازي ومضاد. ولم يكن لديها ضرورة على وجود دليل علمي بالمعني الدقيق لعلم الآثار. كان يكفيها قرينة من هنا أو دليل من هناك يخدم تصورها، لكي تخاطب وتجادل مع صراع أيديولوجي كان قائما في لحظة التحرر الإفريقي للرد على الفرنسيين تحديدًا والبنية الإمبريالية للفرنسيين. بادعاء امتلاك الحضارة والتي خصت الرجل الأبيض بالتفوق الحضاري دون غيره من شعوب الأرض. مدعوم بأثر حضاري قديم وحديث معاصر يدعم هذه النظرة المتعالية. ومن هنا استطاعوا السيطرة على العالم، وأن الإنسان الأبيض متفوق عرقيًا على كل البشر، أما باقي الشعوب فهي متخلفة وبربرية.
ويتابع منون لـ”باب مصر”: الأفارقة في لحظة زخم ثوري في الخمسينيات ما بعد الحرب العالمية الثانية. قدموا خطاب تراثي في لحظة استباقية قبل وجود «الأفروسنتريك» وبدأت مع المؤرخ السنغالي “الشيخ أنتا ديوب” الذي بدأ في نقد وتفنيد هذا الخطاب العنصري الغربي الفرنسي. وخلاصة رأي أنتا ديوب: “إذا كانت القضية لها علاقة بالحضارة فأقدم حضارة في العالم موجودة في مصر باعتراف فرنسا، ومصر إفريقية في النهاية”.
***
وأعاد “أنتا ديوب” إنتاج الخطاب الداخلي للمعرفة الفرنسية، مؤكدا على أن مصر هي الحضارة الأقدم في الكون. وإفريقيا هي أرض وشعب لأن المصريين بطبيعة الحال جزء من القارة الإفريقية.
ويضيف: “على مستوى التاريخ نحن جزء في شمال شرق إفريقيا” لهذا أخذ الأفارقة الخطاب الفرنسي وأعادوا إنتاجه بما يتوافق مع إعادة بنية تراث تاريخي إفريقي ومن هنا أتى انشغال “الأفروسنتريك” لإعادة بنية هويتهم على المعالم الحضارية المصرية.
وبدأ هذا الخطاب – الذي ليس بالضرورة أن يكون له دليل أثري واضح – أن المصريين كانوا غير متنوعين عرقيا. وهذا يمثل أزمة وإخفاقا كبيرا لـ”الأفروسنتريك”، في عدم مراعاتهم للتحقيب التاريخي. لأنه بحسب الأثر التاريخي وزيارة “هيرودوت” لمصر، كمثال. أوضح بما لا لبس فيه، أن الجانب الشرقي لمصر من نهر النيل هو جغرافيا جزء من آسيا حسب سردية هيرودوت والبر الغربي لنهر النيل بداية القارة الإفريقية بما نفهمه الآن. ويلي مصر أرض “ليبو” – ليبيا حاليا، وهذا ما أعتمد عليه المفكر الكيني علي مزروعي أن شرق نهر النيل كله من بدايته لمنتهاه كان جزءا من آسيا حتى ينشق البحر الأحمر ويفصل بين القارتين.
هل تعترف مصر بتصنيف العرق؟
للشعوب سرديات شعبية طوال الوقت عن نفسها. ويقول: “إذا قررنا الرد على هذا النقاش فمصر بطبيعتها كتفكير وبنية عقلية لا تنظر للعرق، بسبب الانفتاح التاريخي العالمي والذي ربطها بأغلب شعوب الشرق والغرب. وهناك الهجرات الشعبية الكبيرة التي وفدت واستقرت بمصر على طول تاريخها. والمصريين هنا وجهة نظرهم أن الثقافة هي المعيار وليس العرق على العكس من بعض الدول الإفريقية، التي تبنت خطاب مركزية الرجل الأبيض وتحول الخطاب معيدة إنتاجه ليصير مركزية الرجل الأسود”.
ويغيب عن هذه المجموعة بداهة بسيطة، ليس كل السود أفارقة، فهناك سود هنود أو سود من سكان جزر المحيط الهادئ. بل إن تصنيف أبيض وأسود حسب التطورات الفكرية التاريخية الغربية حتى بداية العصر الحديث كانت تصنف شعوب شرق أوروبا والإيطاليين في هجرتهم إلى أرض الأحلام – الولايات المتحدة – في مرحلة التأسيس. يتم تصنيفه من ذوي البشرة السوداء في بطاقات التعريف الرسمية. هذه واحدة من المفارقات الهامة، لكن يتم إزاحة كل ذلك معرفيا وعلميا ويتم الترويج لنفس الفكرة الأوروبية عن الرجل الأبيض. لكن هذه المرة عن الرجل الأسود، أو كما أشار المفكر فرانز فانون “جلد أسود وأقنعة بيضاء”.
لكن هل نتفاجئ في وقت ما بمطالب أصحاب السرديات في حقهم في الأثر. يجيب باحث الأنثروبولوجي في الثقافات الإفريقية: “المشكلة أنهم ليسوا بحاجة إلى حقيقة تاريخية، بل أفكار وتراث. وهناك الكثير من شعوب بنت تاريخها وحروبها على التراث الشفاهي والسرديات التراثية”.
التراث المصري
تكشف د. مونيكا حنا، أستاذة كلية الآثار والتراث الحضاري في جامعة أسوان وعميدة كلية الآثار والتراث بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، أن الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية، نهب 70% من التراث الإفريقي بالدم والمذابح وأصبح موجودا في متاحف غربية، ومن بينه التراث المصري القديم، وهذا هو السبب لتسميته Egyptian Antiquities أو Egyptian Archaeology وليس Egyptian Heritage، لوجود محاولة واعية من الغرب في الفصل بين المصري الحديث والمصري القديم. وعرض مصر القديمة هي أصل الثقافة الغربية من خلال تفاعلها مع الحضارة اليونانية الرومانية.
وترى أنه يجب على المصريين استعمال مصطلح التراث المصري، لأن التراث هو تأثير الماضي بكل مكوناته من الانفتاح الثقافي في الحاضر والمستقبل. وهذا ما رفضه الغرب مع بداية علم المصريات، وحتى خمسينات القرن العشرين فكانت أغلب الدراسات عن تاريخ إفريقيا – بدون مصر – تمثلهم بدون حضارة لعدم وجود طريقة للكتابة.
وتصف هذا المفهوم الآن بأنه قاصر عن الثقافات ولا يعتد به، خاصة مع الاستعمار والمذابح التي نفذها الغرب في إفريقيا واستيلاء المؤسسات الغربية على الحضارة المصرية القديمة.
وتقول: “هتلر على سبيل المثال رفض في آخر مرحلة لمفاوضات استرداد رأس نفرتيتي أنها تعود وطلب من أحد الباحثين يكتب أن نفرتيتي كان أصلها من الجنس الآري لا مصرية”.
المركزية الإفريقية
وتطرقت حنا إلى دور السنغالي “شيخ أنتا ديوب” في الخمسينات في باريس، باعتباره واحدا من الأفارقة القلائل الذين كانوا ممثلين في كتابة اتفاقية اليونسكو عام 1971 واخترع المركزية الإفريقية للحضارة المصرية القديمة كرد على المركزية الأوروبية التي كانت بعد الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر في البلاد الإفريقية. وبدأت أفكاره في الانتشار بين الأمريكيين من أصل إفريقي وكان تمسكهم بكلامه رد فعل على سرقة تراثهم واستعمارهم ونهب ثرواتهم، ولم يعترض على وجود الآثار الإفريقية في البلاد الغربية.
وفي عام 1987 نشر البريطاني “مارتن برنال” أستاذ الدراسات الشرقية كتابا يحمل عنوان “أثينا السوداء”. وشرح فيه لماذا يعد أصل الحضارة الكلاسيكية أسود بشكل كبير، لكن لاحقا تعرض هذا الكتاب لنقد واسع. وكان ولا يزال أول نقد حقيقي لنظرية المركزية الأوروبية للثقافة في البحر المتوسط.
موقف مصر من المركزية الأوروبية
بالنسبة إلى مصر، حتى عام 1952 أصبح كل موظفين مصلحة الآثار مصريين وعلى الرغم من ذلك ظل الإنتاج المعرفي عن مصر القديمة مقتصر على الدوائر الغربية. وتضيف عالمة المصريات: “إلا محاولات حثيثة مثل كتابة سليم حسن لموسوعة مصر القديمة. ولكن أغلب الإنتاج المعرفي والبحث العلمي الحقيقي كان في دوائر غربية”.
ومنذ أواخر السبعينات بدأت دول معادية لمصر في تعليم أمناء المتاحف في الغرب. وإجراء البعثات الأثرية التاريخية لإعادة كتابة التاريخ المصري القديم. من منظور المركزية الإفريقية وحتى المنح كانت تنشر بشكل رسمي. وعلى حد وصفها لم تأخذ مصر حقها كدولة أي إجراء حقيقي. مثل بدء إنتاج معرفة حقيقية عن الحضارة المصرية القديمة وبحث علمي حقيقي.
بالإضافة إلى منع أي بحث علمي عن DNA المصريين القدماء مع إن كل المومياوات والبقايا الآدمية في متاحف العالم يتم تدريسها يوميا. وبخلاف DNA الأبحاث الأنثروبولوجية التي من الممكن أن تتم على الاستمرارية الثقافية بين مصر القديمة ومصر الحديثة. مثل العادات والتقاليد والتراث المعنوي والسحر وتقاليد الموت وتداخلها مع الطبقات المختلفة.
الفراغ المعرفي عن مصر القديمة
وأشارت حنا إلى أزمة أخرى وهي الفراغ المعرفي عن مصر القديمة وعدم إتاحة المواقع الأثرية والمتاحف للمصريين بشكل جيد. مما أنتج جيل يود معرفة المزيد عن مصر القديمة باعتبارها الأمر الوحيد الذي يميزه في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة ويواجه حملات كبيرة جدا من أتباع المركزية الإفريقية الذين يروا أن مصر القديمة هي سبيلهم الوحيد لتكوين هوية ثقافية في ظروف العولمة الحالية.
وتضيف: “من هذا الجيل تشكلت حركة الهوية المصرية، ويهتموا بمحو أي طبقات تاريخية مرت على مصر مثل اليونانية والرومانية والبيزنطية والعربية ويعتبروهم احتلال. لكن الحقيقة أن التمسك بهوية واحدة ورفض الهويات الأخرى والتعددية الثقافية هو إفقار حقيقي لنا. لأن أغلب معلومات الشباب هي معلومات سطحية وليست مبنية على معرفة حقيقية من خلال أبحاث مُحكمة عن مصر القديمة”.
وفي الأغلب يكون توجه هذه الحركات يميني عنصري بشكل كبير ونادرا ما يتحدثوا عن المركزية الأوروبية أو المحاولات الصهيونية لإثبات أن اليهود بناة الأهرامات. بالإضافة إلى أن الأفروسنتريين وبعض علماء الآثار الذين يدعموهم لديهم بالفعل أجندة وخطاب عنصري يرتكز على اللون والنسب.
اللون الحقيقي لبشرة المصريين القدماء
وتطرقت أستاذة الآثار المصرية إلى الإجابة عن سؤال “ما هو لون المصريين القدماء؟”. موضحة أن هذا السؤال خاطئ لأن المصريين القدماء كان بهم كل ألوان البشرة، وضربت مثالين في الدولة الحديثة أحمس نفرتاري، زوجة الملك أحمس قاهر الهكسوس، ومريت آمون ابنة رمسيس الثاني، والملكة تي. فالمصري القديم لم يعط للون أهمية بقدر الثقافة والديانة واللغة.
الرد على كليوباترا السمراء ونتفليكس
ترى حنا أن الرد يكون من خلال إنتاج أعمال توضح السردية المصرية غير المتعلقة بالأوروبية أو الإفريقية، مشيدة بالمسلسل الأخير“أم الدنيا” للمخرج محمود رشاد.
وتقول: “يجب تقديم السردية المصرية في أكثر من عمل فني وأكثر من مسلسل وفيلم. والأدب المصري القديم ملئ بالحكايات التي من الممكن تجسيدها في أعمال فنية”.
وعن جنسية كليوباترا إذا كانت مصرية أو بطلمية، توضح أستاذة الآثار أن كليوباترا ولدت وعاشت في مصر وحكمتها لاحقا. وكانت أول حاكم تقرر تعلم اللغة المصرية القديمة لتفهم شعبها، لكن رغم ذلك لم تترك ما يوضح لنا كيف كانت ترى كليوباترا نفسها. “لا نستطيع تصنيفها مصرية أو بطلمية لأن مصر كانت ثقافة وليست عرق. من الممكن الاختلاف إذا كانت بطلمية أو مصرية مثل الاختلاف على شجرة الدر إذا كانت مصرية أو خوارزمية من وسط شرق آسيا. وفي النهاية لن يصل أحد إلى إجابة حقيقية لأنه لا توجد إجابة”.
ما الذي تحتكم إليه نتفليكس؟
المعرفة الإنسانية والنقاش الصاخب في الغرب هو ما تحتكم إليها “نتفليكس” لتقع تحت ظلال نقاشا دوليا محتدم بقاعات العلم للإجابة عن سؤال “هل البشر محكومون بالعرق؟ هل الطبيعة البيولجية؟ هل الثقافة؟” هي الأكثر تأثيرًا على الإنسان؟ أم أن الإنسان هو من يحدد هويته؟ وهي مدعومة بأفكار الصوابية السياسية.
وعن سبب تجسيد كليوباترا ببشرة سمراء، أوضح باحث الأنثروبولوجي، أن “نتفليكس” ليست سينما، بل هي أوسع انتشارا، فهي تدخل للبيوت، وما يشغلها هو أن تصل كل بيت قدر المستطاع. لهذا تحاول أن تنتخب جماهيرها لتحقيق مكاسب مادية، وقضية “الأفروسنتريك” وأفكارها منتشرة، مثل غيرها من القضايا الجندرية.
ومناقشة مثل “لون بشرة كليوباترا” ليست بعيدة عن نتفليكس، ويقول: “هنا يرى الإنسان نفسه أسود حتى لو لم يكن أسود أو يرى نفسه أشقر حتى لو لم يكن أشقر. وهي واحدة من القضايا الهامة والمطروحة في الغرب”.
وأشار إلى أن هذه القضية ليست وليدة هذا المنتج الوثائقي، بل مستمرة منذ بداية القرن الماضي، “من متفوق على من!”، وفي المدرسة الأنثروبولوجية الأمريكية لمؤسسها الألماني الأصل “فرانز بواس”. أوضحوا بالعلم أنه لا يوجد تفوق عرقي وأن العرق أكذوبة أيديولوجية، لكن هناك ألوان البشرة فقط وهي التي تختلف، من أبيض، وأسود، وأصفر، وبني.
والآن “نتفليكس” تعيد إنتاج خطابات قديمة ظننا أنه قد تم تجاوزها علميًا وشعبيا، في مراوغتها عبر تجسيد كليوباترا سوداء لتدعم السردية وليس الأثر الحقيقي.
ويضيف: “الجميع يعلم أن كليوباترا أصولها بطلمية وحسب التماثيل الموجودة لا توحي إلا أنها بحر أوسطية. وبالتالي هذا العمل يغذي جمهور لديه تراث تاريخي خاص أن كل ما هو مصري هو إفريقي زنجي حصرًا بالضرورة على مستوى التاريخ القديم”.
بر نوح وموسى العملاق
هذه ليست المرة الأولى وربما لن تكون الأخيرة التي يسرد فيها “الأفروسنتريك” قصصا وأساطير عن شخصيات من حضارات أخرى باعتبارهم – نيجرو – أو ببشرة سوداء. فهناك سرديتان شهيرتان عن حياة اثنين من الأنبياء وهما نوح وموسى – عليهما السلام.
بحسب الأساطير الشفهية في غانا كان أسبو أمنفي – موسى عليه السلام – عملاق فر من مصر مع شقيقه “فارني كويجيا” وله مظهر جسدي غير عادي لديه قوى روحية. وكان ملكا ومحاربا ومؤسس مملكة “أسبو” في غانا، وتقول الأسطورة إن أسبو العملاق قاد جيشا طارد أبناء إسرائيل أثناء الخروج.
عبرا بحيرة تشاد وتوجهوا إلى مدينة بنين واستقروا في مور. وبعد أن غرق رجاله لم يستطع العودة إلى فرعون حول المنطقة الساحلية لجنوب غانا. واشتق طريقه من ممفيس على طول الجزء الجنوبي من نهر النيل. وعاشوا على ضفاف النهر في تشاد إقليم يسمى “سابو” وبعد وصوله لجنوب غانا عبدوه كإله.
أما الأسطورة الثانية، فتقول أن مدينة “برنو” في التشاد هي “بر نوح”. وهي سردية شعبية تفيد بأن هذه المدينة هي البر التي رست فيها سفينة سيدنا نوح. وأطلق على البحيرة بر – نوح وأصبحت مع مرور الزمن “برنو”.
هل تنتصر القصص التراثية على الأثر الحقيقي؟
ولكن هل تشكل المركزية الإفريقية خطورة ما على الثقافة المصرية؟ وهل نواجه صراع “من يمتلك الثقافة؟” كلها أسئلة طُرحت بعد عرض المقاطع الدعائية لكليوباترا البطلمية ببشرة سوداء.
ويوضح الباحث المصري: “القضية في غاية الخطورة لأننا سندخل في صراع حول الثقافة، ومن يمتلك الثقافة. وبالتالي يحدث نزاع حول الهويات وهي مخاطر تتعلق بالتراث والتاريخ يتم إنتاجه بشكل محلي. وإزاحة متعمدة لمعرفة تاريخية أيضا واضحة بشكل صحيح لا لبس فيه ويمكن التحقق منه.
وفي حالة كليوباترا توجد آثار عنها وكتابات تاريخية وجدران موثق عليها بعض من تاريخها وكتابات رومانية، وفي النهاية هي مصرية بالمواطنة والثقافة. والمصريين يعوا بتغيير الجينات من فترة إلى أخرى حسب الحقبة الزمنية”.
وفي مصر يتم الاحتفاء بكل الجينات لأن المصريين منهم الأبيض بعيون زرقاء والأسود بشعر مجعد. لأنها مصر بوتقة الكوزموبوليتانية للعالم في كل شيء. وأما عن إفريقيا فهي تتضمن مراكز حضارية ومنها حضارة النوبة والحضارة الإثيوبية المعاصرتين للحضارة المصرية القديمة. وهناك حضارات شمال إفريقيا ومنها قرطاج وغيرها. بل إن العصور القديمة ما قبل التاريخ بفنون الكهوف في الصحراء الكبرى والجزائر لا تخفى على أحد.
الفن والصوابية السياسية
تعمل الصوابية السياسية على تحقيق هدف واحد وهو إقناع الجميع بالتفكير بنفس الطريقة. أو جعل الجميع يفكرون بالطريقة نفسها. ومؤخرا تم الاتجاه لتطبيق هذه الفلسفة من خلال الأعمال الفنية والسينمائية.
لا تزال مناهج التاريخ والعلوم الإنسانية الأمريكية تعتمد بشكل كبير على الأفكار الليبرالية للحرب الباردة حول الفرد. بحسب دراسة لمالكولم هاريس عن “الفن والصوابية السياسية” ودور الفن في تشكيل الوعي السياسي.
وأوضح أن الاتجاه الحالي هو دخول السياسية في مجالات أخرى مختلفة. أبرزها الثقافة والفن والأدب، وكتب: “حين تدخل الصوابية السياسية في مجالات لا تنتمي إليها تتفوق على الأحكام”.
في مقال نقدي نشر بمجلة “إيريش تايمز”. يوصف الفن بأنه الفرصة الوحيدة لعرض الأفكار والسيناريوهات الخلافية أو المشكوك فيها أو حتى الهجومية دون إلحاق الأذى. وقدم مثالا على ذلك قبل 4 أعوام. بأنه تتبني شبكة “نتفليكس” أعمالا يهيمن عليها النقد الأخلاقي ومناقشات الثقافات الشعبية. والتي طالب النُقاد بضرورة تصحيحها باعتبارها تتضمن تلميحات سياسية ومفاهيم غير صحيحة.
في العام الماضي، نشر مقال في الموقع الترفيهي الأمريكي “فولتش” عن ظهور حملات على وسائل التواصل الاجتماعي. تهدف إلى ضمان عدم صدور بعض الأعمال الإشكالية في الأدب أو المسلسلات أو الأفلام.
كليوباترا.. ملكة ظلمها التاريخ
توضح د. ميرفت عبدالناصر الطبيبة والباحثة المصرية ومؤسس هرموبولس الجديدة، أنها تعرضت لموقف خلال بداية عملها في إنجلترا. وتقول: “أذكر في بداية عملي في إنجلترا سألني يوما مريضا بعد انتهاء الجلسة العلاجية عن”أصلي”، فأجبت: “مصرية”. فاندهش وقال ولكنك لا تشبهين “إليزابيث تيلور”! وكان ردى عليه “ومن قال أن إليزابيث تيلور تشبه من قريب أو بعيد كليوباترا أيضا”.
على حد وصفها هذا هو المحور نفسه الذي يدور حوله كتاب “كليوباترا.. تاريخ وأحلام وتشوهات” للكاتبة (لوس هيوز –هاليت). والذي صدر منذ ربع قرن تقريبا. وتناول هذا الكتاب شخصية كليوباترا من جوانب عدة.
وتقول: “لا يزعم الحياد وإن راعى الدقة في تحري الحقائق ولا يهدف بالضرورة إلى تأهيل تلك الشخصية التي كثيرا ما ظلمها التاريخ”.
وتصف الكتاب أنه ليس عن كليوباترا بقدر ما هو عن أنفسنا وعلاقتنا نحن بالذاكرة. فتبعا “لبروست” نحن نرى الواقع بعيون الماضي من خلال ذاكرة إرادية نرتب بها دفاتر الحاضر. ونتناسى أو نستدعي جمال انتهى زمنه ولكنه مازال ضارب بجذوره في الذاكرة.
معانأة كليوباترا
وترى عبد الناصر أن معاناة كليوباترا ومعاناة التاريخ معها ترجع إلى حقيقة واحدة. وهي أنها كانت تملك الشجاعة أن تكون كل شيء في كيان بشرى واحد. كانت أنوثتها مستفزة طاغية ورجولتها امرأة متمكنة تحمل صفات الفوارس. وقيل عنها أنها جميلة ولم تكن! (أو على الأقل بمقياس الجمال المتعارف عليه) و لكن ما يجمع التاريخ عليه هو ذكائها النادر وسحر شخصيتها.
ذُكرت كليوباترا مجازا أنها ببشرة سمراء في الأدب، وبحسب ترجمة د. ميرفت عبدالناصر لنص جورج برنارد شو في “يوليوس قيصر وكليوباترا” بينما تتحدث عن نفسها وتقول: “جدتي الكبرى كانت قطة سوداء وكان النيل حبيبها. لهذا لا تجد شعري أسود مجعد وتراني دائما أفعل ما أريد، كل ما في الأمر أنه لا يوجد في عروقي دماء بل ماء هو مياه النيل”. وتفسر هذه الفقرة لـ “باب مصر”، وتقول: “لم يتخيل أحد كليوباترا سمراء فالكل يعلم أنها يونانية وبالتالي تكون بيضاء، وما كتبه جورج برنارد شو عنها استعارة أنها تتحدث عن نفسها بأنها مصرية لأنها كانت مستعدة أن تفعل أي شئ لتكون مصرية، والمسألة أنها مصرية الوجدان، أما الشعر المجعد والقطة السوداء فكل ذلك مجازا، هل كان حبيبها النيل؟”.
وأضافت أن هذه الصور مجازية، وعن تصويرها ببشرة سمراء، توضح أنها بسبب عملية التصحيح السياسي، وتقول: “سبق تجسيد دور ريتشارد الثالث ببشرة سمراء، وأوفيليا في هاملت سمراء، فالمسألة أن السود يمثلوا أدوار بيض في الحقيقة هي موضوع لا يرتبط بأنهم سود في الحقيقة ام لا”. وأشارت الباحثة المصرية إلى أن مسألة التصحيح السياسي وصلت إلى تصوير هاملت في مسرحية بأنه امرأة بسبب التصحيح السياسي وأن المرأة ظُلمت قديما.
اقرأ أيضا
هدم أم ترميم: مطالبات بالكشف عن مصير مئذنة مسجد «الغوري» بعرب اليسار