سرايا المحمودية.. طراز رومي يتحول إلى مخزن كتب
كتب : دينا حسن
تصوير: مصطفى حسن
وقف محمد علي باشا عام 1807 ميلاديًا مزهوًا بمشروعه الملاحي الضخم، الذي يبدأ من نهر النيل مارًا بمحافظة البحيرة وصولا إلى البحر المتوسط في الإسكندرية، تحت مسمى “ترعة المحمودية”، لتسهيل حركة التجارة الملاحية، وسط مباركة من الشعب المصري ومهندسي وعلماء عهده، ذلك المشروع الذي أقام على شرفه محمد علي ثالث سرياه الملكية بالإسكندرية “سرايا المحمودية”، عقب سراي رأس التين والقباري.
داخل قلب منطقة محرم بك حاليًا، على إحدى ضفاف ترعة المحمودية، قرر محمد علي تشييد سرياه “المحمودية” ضمن القصور الملكية التي تركتها الأسرة العلوية في الإسكندرية، وأرجع الباحثون أن محمد علي بناه على الطراز الرومي، الذي ساد في تصميم القصور الملكية في عهده في القرن التاسع عشر الميلادي، لتأثره بنظام البناء الذي كان عليه بيت محمد علي في قوله، والذي يجمع بين الطراز التركي للمساكن وطابع الإنشاء في اليونان.
قصر رأس التين
أوكل محمد علي إنشاء سراي المحمودية إلى المهندس المعماري “بترو افوسكاني” إيطالي الجنسية، أثناء إقامته في مصر، والذي وضع بصماته من قبل في بناء البوابة القديمة بسراي رأس التين، والبوابة الخارجية الحالية لسراي المحمودية، وكذلك مسرح زيزينيا ومبنى بورصة مينا البصل.
يتماثل بناء سراي المحمودية مع قصر محمد علي باشا في شبرا من حيث التصميم العام، فقد بُنيت تلك السراي على نمط القصور الملكية، التي تعتمد في فكرتها التصميمية على بناء وحدات سكنية متناثرة داخل حديقة واسعة؛ يحيط بها سور تتخلله ممرات تصل المنشآت والوحدات ببعضها، وقد آلت ملكية تلك السراي إلى الأمير محمد علي توفيق بطريق الإرث الشرعي بعد والده 1893، وفق مرجع “قصور الأمراء والباشوات في مدينة القاهرة في القرن التاسع عشر” للدكتور عبدالمنصف سالم، وكتاب”التطوير العمراني والمعماري بمدينة الإسكندرية”، لرسالة الدكتوراة للدكتور أحمد سعيد بكلية الآثار جامعة القاهرة.
مخازن كتب
بالعودة إلى المشهد الحالي يطل سراي المحمودية في بداية مساكن طوسون بمنطقة محرم بك، كمبنى قديم ذو واجهة متهالكة، وقد اختفت من معالمه رمزية الجمال، وإن احتفظ بقدر من شموخه القديم، والحفاظ على نقوش البوابة الأصلية له، وحول سور السراي، تم تعليق لافتة “مخازن الكتب المركزية – مديرية التربية والتعليم”، القائمين داخل مبنى السراي، رفضوا دخول محرر ومصور “ولاد البلد” إلا بتصريح من مديرية التربية والتعليم، لأن تلك السراي ومحيطها الداخلي هي أرض دولة، وتستخدم في تخزين الكتب الدراسية، منذ عقود طويلة، وفق حديثهم.
بالمرور عدة خطوات حول السور الذي تم بناءه حول السراي كُتب عليه إعلانات بمواد طلاء لمراكز تجارية، أقيم في بدايات بوابته الأصلية ورش لغسيل السيارات، أحد العاملين في تلك الورش قال: إن “الأهالي التي سكنت في تلك المنطقة في بدايات الستينيات من القرن الماضي، تعلم أن تلك السراي ملكية، ولكن بمرور الحال تم تحويلها إلى مخزن الكتب الدراسية”.
حديقة السراي تتحول إلى مساكن
في عهد جمال عبدالناصر أحد الأهالي داخل المنطقة يدعي عامر عزت، أشار في حديثه إلى أن تلك السراي كان يجاورها قصر عمر طوسون باشا، وقد تم هدم تلك القصر، وبني بدلًا منه مساكن لأهالي المناطق العشوائية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في سنة 1965، وأن تلك القصر أهدى اسمه إلى المساكن لتسمى إلى الآن “مساكن طوسون”.
عامر يتذكر من خلال الروايات التي توارثها، أن “أرض تلك المساكن قد كانت جزء من الحديقة الواسعة حول قصر طوسون والسراي، وقد كان يحيطها بوابة حديدية كبيرة، إلا أنه تم إزالة الحديقة والبوابة الحديدية، لإقامة المساكن ونقل سكان منطقة عشوائية تدعى “المجرية” قديما، للعيش فيها، وأنه تم الاحتفاظ بسراي المحمودية كمبنى، حتى تم هجره وتحويله إلى مخزن كتب دراسية، وبعض من المساحات الخضراء داخل المساكن، السراي خارج تعداد الآثار”.
وسُجلت ضمن التراث
محمد متولي، مدير عام الآثار الإسلامية بالإسكندرية، يقول إن تلك السراي لا تتبع وزارة الآثار ولا تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، وغير مشكلة في تعداد الآثار في منطقة الإسكندرية والساحل الشمالي والآثار الإسلامية والقبطية، معللًا ليس كل ما هو قديم يستحق أن يكون في تعداد الآثار، لكن المباني القديمة مسجلة في تعداد المباني التراثية، ولا يجوز هدمها، وتخضع لقانون 144 لسنة 2006.
خضوع مبنى قديم إلى الآثار
ويوضح متولي “يجب أن يكون عالي القيمة جدا، ويخضع للعديد من الشروط، أقل منه يكون يتبع التراث مثل الفيلات والقصور القديمة في الإسكندرية، والتراث يكون له من القانون ما يحميها من محاولات الهدم، إلا بحكم قضائي، وذكر أنه لا يعيب مبنى أن يكون في التراث وليس في الآثار، لأن قانوني الآثار والتراث لكلا منهما أدواته القانونية في الحفاظ على منشآته، فالمبنى إما يكون تراث وله شروط القانونية، والآثار لديه أحكامه التي تكون مشددة، لتكون ضمن الآثار، إما ندرة المناطق التي تكون ضمن التراث العالمي التابع لليونسكو.
الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة التراث بالإسكندرية، يشير إلى أن تلك السراي تتبع التراث، وأن مديرية التربية والتعليم تستخدم مبنى السراي، لكي يكون مخزن كتب، وأنه لا يوجد حلول لتلك السراي، منوهًا بأن تلك المنطقة كان يوجد بها سراي الأمير عمر طوسون وهدمت، وأقيم مدرسة بدلًا منها.
ويتابع: أن “تلك الأرض التي بُنيت عليها المساكن كانت تتبع قصر”عمر طوسون”، تم الاحتفاظ فقط بمنبى السراي، وتلك السراي قد تم بنائها خلال حفر ترعة المحمودية في عهد محمد علي باشا، وحول الحالة التي تعرض عليها، علق الدكتور محمد عوض “لا يوجد حفاظ على البلد كلها، حتى يكون هناك حفاظ على تلك السراي”.
تعليق واحد