ستات البلد| عزة فهمي “إنك تروحي الشغل فرحانة.. زي ما تكوني رايحة تقابلي حبيبك”
في الوقت الذي اتجهت فيه أنظار العالم للحداثة وما بعدها، كانت عزة فهمي تستلهم من الأصول، فجاءت تصميماتها للحلي حميمة وجديدة لكن شديدة الأصالة.
يا “مفتح الأبواب” و”العمر السالم” ومقولات عربية وصوفية مشغولة بحس مرهف وفن عالي المقام، مغزولة بحكايات كثيرة عن تلك الفتاة التي دخلت تاريخ فن الحلي من أجمل أبوابه من ورشة “عم رمضان” الذي عملت عنده “صبيًا” وخرجت لتصبح عزة فهمي مصممة الحلي العالمية ومؤسسة أول ماركة عالمية للحلي المصرية والمجوهرات والقائمة تستمر.
بالتعاون مع مؤسسة المرأة والذاكرة نختتم سلسلة “ستات البلد” بسيدة الحلي الأولى ومسك الختام عزة فهمى.
عزة فهمي بنت سوهاج
من مواليد 13 يوليو 1944، وولدت في سوهاج بسبب عمل والدها كمدير لشركة تحضير القطن قبل تصديره إلى إنجلترا. والدها مصري لأم سودانية، ووالدتها مصرية ذات أصول تركية وهي الأخت الوسطى لأخوين وأختين. عاشت عزة 13 سنة من حياتها في الصعيد إلى أن توفي والدها وانتقلت إلى القاهرة.
في مقابلة مع مؤسسة المرأة والذاكرة، أجرتها الدكتورة سامية سراج الدين، في 3 فبراير 2005 تتحدث عزة فهمي عن والدها ووالدتها، وانفتاحهما الفكري، وأثرهما عليها، قائلة:
“قعدت لحد 13 سنة، قضيت طفولة ما أقدرش أقول لك سعيدة قد إيه لأنه أبويا وأمي كانوا ناس متفتحين فكريًا، عشت بجد… وكان الصعيد بيشتغل فيه أجانب كتير قوي، مجموعات من الإنجليز واليونانيين. عشت رفاهية المجتمع الصعيدي، أمي بأقول لك أفتكر أنها كانت بتلعب تنس في الأربعينيات، اللي هو مش موجود، وكان عندنا مثلًا حمام سباحة في البيت… أبويا اتربى تربية إنجليزي، كان في كلية كوردون السودان، هو مصري بس عنده الثقافة الأجنبية. بالعكس عشت طفولة سعيدة جدًا.”
“أحداث كانت سعيدة إن أبويا كان راجل قارئ، وكان عندنا مدخنة في البيت، وكل يوم بالليل لازم أقعد جنبه يقرأ لي حاجات، هو كان يقرا بالإنجليزي وكان بيجيب كتب كتير، وكان عندنا مكتبة رهيبة، كان دايمًا يطلعنا رحلات في محيط الصعيد، أبيدوس، ويشرح لنا المعابد، ويروح الأديرة، ويروح لأصدقائه من الأعيان، ونقعد مع الفلاحين، وعشت الحياة، وهو كان ما بيبصلهاش من منظور العلم، كانت عنده شخصية حلوة قوي، يمكن ده كمان انعكس عليا كفنانة وعلاقتي الاجتماعية بالناس. الرحلات، والحكايات، وقرايات أبويا ليا بالليل، لما أهداني كتاب مثلاً بتاع نهرو لبنته. نهرو كان كتب لأنديرا غاندي وهو في السجن، بيشرح لها كل تاريخ السياسة العالمية بس بمفهوم الطفلة. كان هو عامل لي إهداء ليها، كان أب مؤثر في تكوين شخصيتي.”
تصميم أغلفة الكتب
عقب وفاة والدها انتقلت عزة إلى القاهرة، والتحقت بمدرسة حلوان الثانوية، ثم بكلية الفنون الجميلة، وشغلت وظيفة في الهيئة العامة للاستعلامات عقب تخرجها، واستمرت بها لمدة ثمان سنوات، وتقول عنها:
“اشتغلت في الاستعلامات 8 سنين.. في النص الثاني من الستينات. وكان وقت غليان، كان وقت الناصرية والحرب وكنت أنا مسئولة عن النشرات السياسية اللي بتصدرها الهيئة. كان في طبعًا حركة مد وطني رهيب، والخطب بتاعت عبدالناصر والأغاني بتاعت عبدالحليم حافظ، إحنا جيل الستينات.”
“كنت باعمل أغلفة الكتب أنا من المسؤولين عنها، ويمكن كنت أشطر واحدة في القسم، مسؤولين عن النشرات السياسية اللي بتطلع عن مصر.”
كتاب غير لي حياتي
أرادت عزة أن تتعلم حرفة صناعة الحلي من صائغ محترف، وبالفعل تدربت في ورشة على يد صائغ في خان الخليلي. تحدثت عن الضائقة المالية التي مرت بها في تلك الفترة، وعن اضطرارها إلى التقشف، وبالرغم من ذلك شعرت بسعادة غامرة لعملها في الورشة والفن، فكما تقول:
“لا أنا ما قدمتش استقالتي إلا أما حسيت إن أنا بأحب حاجة، عندي حاجة في حياتي حاسة إن أنا عايزة أكمل فيها، كتاب غير لي حياتي… كتاب عن الحلى في القرون الوسطى في أوروبا، لأن ساعتها كنت بادور أعمل إيه. القدر لما حاجة تروح منورة في رأسك وتقولي هو ده. هو ده الصيغة، لأنه كان غير مطروح على أي مستوى ولا كان يجي في تفكيري إن أنا اشتغل صايغ، وإني اشتغل فنان، أعمل رسومات، أعمل كتب اللي أنا مكملة فيها، إنما إيه اللي يجي في رأسي إن أنا ست أقعد أدقدق في ورشة، ولا كان عمري تيجي في بالي. قدري طلع لي هذا الكتاب وقلت هو ده…. خدت الكتاب واشتريته بكل ماهيتي، وأنا ست من اللي بأدي جزء من فلوسي لأمي، وحريصة جدًا على فلوسي، وست عايشة متأزمة ماديًا في حياتها، وما عنديش رفاهية اشتري بكل ماهيتي، بس قد كده الإحساس الملح لما تشوفي حاجة وتعمليها… صحابي يقولوا لي أنتي اتجننتي يا عزة، تشتري كتاب بـ19 جنيه – كنت بأخذ 19.75- تقومي تشتري كتاب بـ19 جنيه، قلت لهم آه. فعلاً ساعات تحسي أنه قرار صح، بتبقي شايفة. دلوقتي لما ابتديت أعمل جلسات تأمل واقرأ في الفلسفة يقول لك كل شيء مرسوم وأنتي سوف تكوني محظوظة إذا عيشتي في عالم مرسوم لكِ.”
تسترسل عزة قائلة: “ابتدت مشكلة تانية، إن أنتي تدخلي في حرفة، أنا مش عايزة أبقى ست باعمل تصميم وأديه لحد، لا ده أنا عايزة أقعد أدقدق بنفسي، وأعمل خاتم زي ده. رحت ابتديت أروح فنون تطبيقية وأقول لهم علموني وأبص، قلت لا لما حسبتها، أنا دايمًا ست أحسبها بشكل بسيط، بإحساسي. قلت هو اللي بيشتغلوا نجارين بيروحوا يتعلموا، ما النجار ده يجيب له صبي يعلمه، يقول له يا أسطى أعمل الدولاب ده إزاي، اشتغل صبي صايغ. قلت اشتغل صبي صايغ، وواحدة صاحبتي قالت لي، ابتديت أدور في أصحابي يا جماعة حد يعرف صايغ، قالت لي فيه واحد بيعمل لي حاجات، كل واحد عنده صايغ، قلت لها خديني لرمضان، خدتني قلت له تشغلني عندك؟…. أنا ست، ومن 30 سنة، واحدة ست جامعية تقول له شغلني عندك صبي، أعتقد لأن أنا كنت ست، قبل على طول، اشتغلت سنتين في كذا ورشة، لحد ما اتعلمت كل المبادئ الحرفية، إن أنا ألحم، إن أنا أعمل…. اليوم اللي قعدت في ورشة رمضان، رحت الساعة 3، وخرجت الساعة 11 بالليل حاسة إني طايرة من الأرض….. أكيد الحرفة دي مرسومة لي.”
عالم ورشة رمضان
ذكرت عزة ولعها الشديد بالعمل والمكانة العالية التي يحتلها لديها، ووصفها له بحبها الأول، وكيف بدأت ببيع إنتاجها الفني بين صديقاتها، أو من خلالهن، ثم كيف تطور عملها إلى أن أصبح لديها معرض خاص لعرض منتجاتها، وعن تلك الفترة تقول:
“أتعلم وأنزل. كنت باشتغل في الاستعلامات لسه. وقد كده كنت مبسوطة أعيش حياة العمال في الورشة ويتكلموا على مراتاتهم، ومراتاتهم يجيبوا لي محشي ويحكوا لي.. هما بيروحوا الحمام التركي. عالم ما هواش العالم اللي أنا عايشة فيه، عالم الطبقة الوسطى، هو عالم شعبي بس كان مبهر.”
أول معرض
تتحدث عن أول معارضها فتقول:
“فكرة المعرض إن أنا قلت عندي شوية أصحاب، وكلهم مثقفين الصحفيين والأدباء، وقالوا ما تعملي معرض. رحت عاملة مجموعة مستوحاة من شباك الأوضة الإسلامي.”
تحدثت عن رغبتها في تطوير نفسها وفنها، والحصول على تدريب خارج مصر، وكيف أتيحت لها فرصة الحصول على منحة من المركز الثقافي البريطاني، للدراسة في إنجلترا، وكيف استفادت بشكل كبير من هذه المنحة، وأثر ذلك على تحسين جودة إنتاجها الفني.
وعن فترة دراستها من خلال منحة إنجلترا تقول:
“كنت مبهورة إن أساتذة الجامعة يعرفوا يقولوا لك حلول علمية ويتكلموا لك كلام علمي في إزاي تعملي الحاجة، مش الحاج سيد اللي هو حافظ يعمل حاجة واحدة. أول مرة أشوف جانب تاني للعمل، إن صناعة المجوهرات علم.”
ما قعدتش على حيلي
بعد عودتها إلى مصر افتتحت عزة ورشة في بولاق، واستمر العمل بها لمدة 17 عامًا، قامت خلالها بتدريب عدد كبير من العمال، إلى أن افتتحت مصنعًا.
“أول ما كان عندي عاملين، كنت أنزل الصبح آخد الحاجات الفضة أروح أعمل لها تحضير لأن ما عندناش ولا درفلة ولا حاجة. أروح أعمل كل التحضيرات، وأروح الصبح أدمغ الحاجات في الدمغة، باشتغل تاجر وترزي. وأعمل التصميم وهما يعملوه وعندي وقت أقعد اشتغل شوية. كل الإدارة أنا باعملها، علشان كده باقول لك ما قعدتش على حيلي.”
أقامت عزة فهمي العديد من المعارض، وصل عددها إلى 252 معرضًا حتى عام 2005، من بينها عدد كبير من المعارض الدولية.
كان ولازال شغفها الدائم وحبها الأكبر هو عملها، فكما تقول:
“وكل يوم بأقولها إنك تروحي الشغل فرحانة إنك رايحة الشغل، زي ما تكوني رايحة تقابلي حبيبك”.
اقرأ أيضًا:
ستات البلد| إجلال السباعي.. رائدة التعليم وعلم الجغرافيا
ستات البلد| عواطف عبد الكريم.. صوت الموسيقى
ستات البلد| كوكب حفني ناصف.. أول حكيمباشي في مصر الحديثة
ستات البلد| بوية موسى.. المعلمة الأولى
ستات البلد| بنت من شبرا.. رحلة وداد متري المعلمة الرائدة
ستات البلد| ماري أسعد.. المبتسمة دائمًا
ستات البلد| رابعة العدوية.. تاج الرجال التي أفنت حياتها في الزهد والتقوى
ستات البلد| نازلي قابيل.. فلورانس نايتنجيل المرج
ستات البلد| هند رستم.. تأثير ما بعد الرحيل
ستات البلد| ملك حفني ناصف باحثة البادية
ستات البلد| بنت السلطان.. حكاية المؤرخة والأديبة الأميرة قدرية
ستات البلد| جميلة صبري تحارب البغاء بمشغل العفاف في القرن العشرين
ستات البلد| عائشة تيمور كتبت الشعر بالفارسية والتركية والحامولي غنّى كلماتها
ستات البلد| سمحة الخولي.. أيقونة الموسيقى وحاصلة على جائزة الدولة التقديرية
9 تعليقات