«زينة الحلبي» في نقاش مفتوح بالإسكندرية: ما معنى أن تقف على أنقاض ثورات مُجهضة؟

استضافت وكالة بهنا بالإسكندرية الناقدة اللبنانية زينة الحلبي في حوار مفتوح أداره الباحث علي العدوي حول كتابها «تقويض المثقف العربي: النبوءة، والمنفى، والوطن».

في الكتاب الذي صدر بالإنجليزية، تطرح الحلبي عددا من الأسئلة المهمة حول دور المثقف: كيف قوّض كتاب معاصرون ينتمون إلى أجيالٍ وتياراتٍ أدبية مختلفة منذ تسعينات القرن الماضي وحتى الآن نمط المثقف كذات رسولية ومنفية ووطنية؟ خصوصا بعد انكسار احتكار المثقف بصورته التقليدية كرمز للالتزام والتحرر الوطني والنهضة والتنوير، والتي كانت تؤدي وظيفة مواجهة السلطة بالحقيقة، وتحوله في كثير من الأحيان إلى سلطة منتجة للأيديولوجية والمتلاعبة بالحقيقة. ما هي التحولات التي ترصدها في تمثيل المثقف في الأدب المعاصر؟ وما هي صورة المثقف في الأدب المعاصر الذي يواجه التحوّلات في مصادر التمويل ومراكز الثقافة ومؤسسات الجوائز؟

أهمية التوثيق

في بداية اللقاء أشارت الحلبي إلى أهمية توثيق الأحداث، خاصًة ما يحدث في سوريا حاليا، وما سبقها من حروب في فلسطين ولبنان، وأشارت إلى الحرب الأهلية اللبنانية، التي لم يكن هناك توثيق للجرائم خلالها، بالرغم من أن وجود الأرشيف والتوثيق لا يعني بالضرورة اعتراف العالم بها بدليل وجود توثيق للأحداث في غزة بعد السابع من أكتوبر، لكنها لم تلق الاعتراف العالمي، مما يبرز أن وجود الأرشيف لا يعني أنه لدينا القدرة على التغيير.

وقالت: “حاليا، سوريا تعيش لحظة إرباك والنقاش لا يزال مستمرا ولم ينته. لدينا طرف التمويه والتشكيك، وطرف التوثيق. وهذا ما حدث أيضا خلال الحرب الأهلية في لبنان، فنحن نشهد على ذاكرة حية قد تنمحي”.

وأكدت «الحلبي» خلال النقاش أن الأدب المعاصر في بيروت خلال فترة التسعينيات انتهى بخيبة أمل مع التوقف الكامل للسياسة، ويُعد الأديب اللبناني إلياس خوري هو الوحيد الذي اعتبر الثقافة في لبنان مشروعا كبيرا يضع قضية الذاكرة الجماعية على الطاولة، من خلال رواياته وكتاباته التي نشرت في ملحق النهار الثقافي ببيروت.

القضية الفلسطينية

وأشارت إلى مقال كتبه إلياس خوري عام 2015 بعنوان “خلص الكلام” الذي تحدث فيه عن أنه “مفيش كلام يقال بعد كل ما قيل” فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. رغم ذلك، أشار إلى أهمية إنتاج لغة في سياق النظريات التي يمكن أن تستخدم حاليا. وقالت: “بعد أحداث السابع من أكتوبر أرى استحالة التعبير بعد كل ما استخدمناه من نظريات رثائية سابقة. لكن التعبير لا يزال قائما، وأرى أن الرواية أهم من الفيلم”.

وأضافت الحلبي أنها عملت على رواية تركز على قضية العودة إلى المكبوت الشيعي، خاصة في بلد مثل السعودية. مشيرة إلى أن الرواية السعودية تتميز بالجدية ولا تظهر الضعف أو الركاكة. وأوضحت: “السياسة ليست بالضرورة أن تكون مباشرة في الأعمال الأدبية. نموذج المثقف الشيعي في السعودية يعد خروجا عن النموذج العلماني. وهي أول مرة أجد مثقف غير علماني يقدم في الأدب لذلك تناولته في كتابي، فلا أقابل الوهابية بخطاب ليبرالي. ولكن ما يعنيني هو ممارسة القمع للذاكرة الجمعية والكبت في السعودية”. وطرحت تساؤل حول لماذا تكون معظم الروايات علمانية بالرغم من أن مجتمعاتنا ليست كذلك، موضحة أن شخصية المثقف الشيعي تظهر أفكارا مقاربة للمثقف الثوري.

جانب من اللقاء
جانب من اللقاء
الجوانب الجندرية في الأدب

عبرت الحلبي عن أفكارها قائلة: “من الأفكار التي لم أذكرها في الكتاب هو لماذا نحكي دائما عن الذكور عند الإشارة إلى المثقف؟ هل الفكر الحديث يسمح بوجود مثقفات نساء؟ وجدت أن الإجابة هي “لا”، حيث تتسق الذات النقدية مع الذات الثقافية ومع الذكورة”.

وأشارت إلى أن الخوف والجوع والمشاعر البدائية تُشكل ذاكرة جماعية تطارد الجسد، موضحة أن القراءة تأتي قبل اللغة النظرية، ونوهت بحدسها حول ارتباط الجسد بمفاهيم متعددة، ستعمل عليها في الجزء الثاني من الكتاب.

عن السياسة والأدب

تناولت الناقدة في الكتاب نمطا مشرقيا قائما على مركزية القضية الفلسطينية، تحديدا بعد عام 1967. وأشارت إلى أن اللغة لا تعبر بالضرورة عن مخزون الصدمات التاريخية والسياسية. وأوضحت أن السياسة يمكن تناولها من ناحية سيطرة الشبح، متسائلة عن العلاقة بين الروايات السياسية والصحة النفسية في الممارسة السياسة التي أقصت الأدباء. ولاحظت أن هناك محاولة للتنصل من نمط المثقف التقليدي. وأن الكتابات الحديثة لم تبتعد عن السلطة، لكن انتقدتها بطرق غير تقليدية. وأشارت إلى التحديات التي تواجه اللغة المعاصرة في الإنتاج النظري والتعبير عن الأفكار.

وقالت: “هناك ارتباك يعاني منه النقاد في استخدام اللغة المعاصرة، والتي تُشكل تحديا في إنتاج نظرية تساعد على التعبير. فهناك نقدا سياسيا يُمارس، لكن التعبير المباشر لا يزال غير متاح”، متوقعة أن يتغير هذا الوضع مع مرور الوقت. خاصة في ظل الوضع السوري الحالي. وتابعت: “نحن لا نعلم تحديداً ما مستقبل الأدب والمثقفين، مثلا نجد إعلان عودة يس الحاج صالح من المنفى لسوريا، ولكن هل سيكون دوره كما عهدناه من قبل؟”.

واختتمت الناقدة زينة الحلبي حديثها بأن مصدر إلهامها الأساسي كان الأكاديمي الأمريكي ديفيد سكوت، الذي طرح مفهوم: “ما معنى أن تقف على أنقاض ثورات مجهضة؟”. مشيرة إلى أنها تتفاعل مع مفهوم الهزيمة عبر القراءة التاريخية والتساؤلات المتعلقة بالوعد الذي لم يتحقق والمستقبل المُعلق.

اقرأ أيضا

«المدينة والميناء» في مهرجان «سرد البحر المتوسط»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر