"زياد الرحباني" أيقونة الفن العربي في القاهرة الجمعة
اختار الحرية ليعيش بها وفيها، فلم يخضع لأي من المبادئ التي يحملها له وطنه في الحياة، بل تمرد وثار خارج الصندوق في حياته الفنية، فقدم مزيج من الأعمال الفنية الحرة في الكلمات والألحان والموسيقي، وتصريحاته التي لم تغشي سلطة لا تتراجع عن حق، لذلك أصبح محبوبا في وطنه، وتجاوزت حد الحب لموسيقاه وألحانه إلى حد التأيد لفنان لم يعد يعرف بأنها من ابن العائلة الفنية الكبيرة بل لأنه “زياد الرحباني”.
بمناسبة إحياء الفنان والملحن زياد الرحباني، لحفلته في القاهرة، غدا الجمعة، يلقى قسم “ثقافة وتراث” بمؤسسة “ولاد البلد”، الضوء على أهم أعماله الفنية ومولده ونشأته.
“زياد الرحباني” يرفض أن يقال عليه “فنان” لأنها من وجهة نظره كلمة كبيرة “ومطاطية” ويكفيه أن يوصف بالموسيقي والصحفي، فالموسيقي لحبه للألحان والتأليف وكل ما يتعلق بالموسيقى، والصحفي لأنها تعكس الجانب السياسي الأخر له، والذي يظهر بشكل قوي وصريح في كتاباته الصحفية وتصريحاته فى بعض المواقع الإخبارية اللبنانية.
مولده ونشأته
ولد زياد في عام 1856، وهو ابن الفناني فيروز وعاصي الرحباني، أحد الأخوين رحباني “رواد الموسيقي والمسرح اللبناني”، ظهرت موهبته الفنية منذ صغره وهو في سن السادسة عندما كان يستشيره والده في ألحانه الفنية ليرد “زياد” بكل ثقة وجرأة فى العمل، ويسعد بذلك والده والذي كان يقول له”سلمت وعفيت”.
في سن الثالث عشر ألف زياد أول مقطوعة شعرية له والتى اتخذت الطابع الديني لتظهر هنا نقطة تمرده على الدين أول عمل له بعنوان “صديقي الله” والذي يبدأ بـ”أين أنت ياربي.. أحببتك أكثر مما علموني في الصلاة.. أنا ألف مرة يخطر ببالي: أن أناديك بصوت بسيط”.
سألوني الناس
عن ألحانه الفنية والتي ظهرت فجأة وبقوة أيضًا، كانت فيروز مصدر ولادته في عالم الفن، كما هى مصدر ولادته للحياة، ففي سن الـ 17 قدم الرحباني أول لحن له في أغنية “سألوني الناس” لفيروز، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا، فالجمهور كان معتادًا على صوت فيروز العذب، لكنه تفاجئ بعذوبة وتناغم الألحان مع الكلمات.
الأغنية لها قصة يسرد زياد قائلًا: “بدأت القصة عام 1972، عندما كانت فيروز تتمرن على دورها في مسرحية “المحطة” الشهيرة، وقتها أصيب أبي عاصي الرحباني بنزيف في رأسه، ولم يكن حاضرا أثناء البروفات والعروض، وهو ما كان يحصل للمرة الأولى، إذ كان الرحباني يحرص على التواجد في كل عروض المسرحيات والحفلات، ومع دخوله المستشفى، كتب له شقيقه منصور كلمات “سألوني الناس” والتي اعتـُبرت مثل رسالة شوق وانتظار من فيروز إلى زوجها المريض.
“سألوني الناس” قدمتها فيروز في مسرحية المحطة، والتي لعب فيها زياد دور الشرطي، ليكون بذلك أول ظهور مسرحي له وثالث ظهور له في عالم الفن بعد قصيدته الشعرية وألحانه للأغنية، ليظهر بعد ذلك في عدد من الأعمال التي كانت من تأليفه، منها سهراية عام 1973 ونزل السرور عام 1974 وبالنسبة لبكرا شو عام 1978 وشي فأشل عام 1983.
زهر البيلسان
لحن زياد الرحباني أغانية أخري لولدته كانت لها حكاية وهي “وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان” والتي يسرد تفاصيلها على صفحته الرسمية بالفيس بوك “اعتاد الشاعر طلال حيدر “الشاعر وكاتب الأغنية” شُرب فنجان قهوته الصباحي و المسائي على شرفة منزله المطلّة على غابة تقع على مقربة من منزله، مرّت فترة من الزمن عندما كان طلال حيدر يشرب قهوته الصباحيّة، و هو يلاحظ دخول ثلاثة شبان إلى الغابة في الصباح، وخروجهم منها مساءً، و كلّما دخلوا وخرجوا سلّموا على طلال.
وكان هو يتساءل: ماذا يفعل هؤلاء الشبان داخل الغابة من الصباح إلى المساء؟ إلى أن أتى اليوم الذي ألقى الشبان التحية على طلال حيدر في الصباح ودخلوا الغابة، وفي المساء خرج طلال حيدر ليشرب قهوته لكنه لم يرَ الشبان يخرجون، فانتظرهم لكنهم لم يخرجوا، فقلق عليهم، إلى أن وصله خبر يقول: إنّ ثلاثة شبّان عرب قاموا بعملية فدائيّة وسط الكيان الصهيوني، وعندما شاهد صور الشبّان الثلاثة فوجئ أنّ الشبان الذين استشهدوا هم أنفسهم الشبان الذين اعتاد أن يتلقى التحية منهم في الصباح والمساء، وعُرفت تلك العملية بعملية الخالصة، التي نُفذت في مستوطنة كريات شمونة، شمال فلسطين المحتلة”.
تقول الأغنية “وحدن بيبقو متل زهر البيلسان وحدهن بيقطفو وراق الزمان بيسكروا الغابي بيضلهن متل الشتي يدقوا على بوابي”.
على مدار 45 عاما تعاون زياد مع والدته، كتب خلالها 40 أغنية، ولحن أكثر من 55 أغنية، منها “سألوني الناس” و”قديش كان فيه ناس” و”نطرونا” و”حبو بعضن” و”دبكة يا جبل الشيخ” و”مقدمة مسرحية بترا” و”ألبوم وحدن” و”ألبوم معرفتي فيك” و”ألبوم كيفك أنت” و”ألبوم إلى عاصي” و”ألبوم مش كاين هيك تكون” و”ألبوم في بيت الدين” و”ألبوم ولا كيف”.
في 2010 صدر أخر ألبوم تعاون فيه زياد من والدته فيروز بعنوان “وابة في أم”
لقاء إنساني
ظهر زياد الرحباني في عدد من اللقاءات التليفزيونية العربية كان أغلبها تتخذ الطابع الاستفزازي له ليخرج عن مشاعره ويبدأ فى إطلاق أرائه مثل طلقات الرصاص، لتظهر شخصيته الثائرة والجريئة أيضًا، إلا أن لقاءه مع “بسام كوسا” المذيع السوري علي القناة السورية كان من اللقاءات الإنسانية، والتي أظهرت زياد الإنسان ذو العقل الرصين وطيبة القلب والبساطة والعفوية، ما جعل المذيع “بسام كوسا” يحكي كواليس اللقاء المذيع “يامن ديب”.
ويقول “المشكلة أن كل واحد شايفو بطريقتو من خلال الكاسيتات وأحد شايفو غيفارا.. وواحد شايفو ماركس… غاندي… عنتترة العبسي”، وهو ليس كذلك فزياد الرحباني بسيط وودود، فهو شخصية كبيرة وبيحس بالمجتمع السوري فهو سوري، والدليل أنه رفض اللقاءات على القنوات الفضائية وظهر معي في التليفزيون السوري مجانًا”.
بهذا يصبح زياد الرحباني بغض النظر على اختلاف أو الاتفاق مع أرائه إيقونة الفن اللبناني، الملحن المستمرة أعماله على مدار السنين الماضية والقادمة، وصاحب المقولات القوية التي من بينها” أفقت هذا الصباح علي صوت آخر البلابل فالشتاء أتي اليوم و تناديها أمي أتي فصل التشرد و البعد، في الأرض ليس من كتّاب كلنا كتّاب نكتب حياتنا على الأيام وكل يخاف على حبره ولا يعطي منه الآخر “آه لو كان الكلام كالخبز يُشرى فلا يستطيع أحدٌ أن يتكلم إلا إذا اشترى كلاما.