رغم دفنه في أسوان.. محاولات إيرانية لنقل رفات «الآغا خان الثالث»| خاص

في جنازة مهيبة، وُري جثمان الأمير «كريم الحسيني آغا خان الرابع»، الإمام التاسع والأربعون للمسلمين الشيعة الإسماعيليين، الثرى في أسوان عن عمر يناهز 88 عامًا، وفقا لوصيته الأخيرة، بجوار رفات جده السلطان «محمد شاه آغا خان الثالث»، حيث سلم نجله، رحيم الحسيني، البالغ من العمر 53 عامًا، زعامة الطائفة الإسماعيلية. وعلى الرغم من اختيار الجد والحفيد أسوان كمثوى أخير، فإن علاقة العائلة بإيران شهدت محاولات لنقل رفات آغا خان الثالث إلى طهران، مما يثير تساؤلات حول دلالات هذه العلاقة بين العائلة وطهران وارتباطها بمصر.

لماذا دُفن في أسوان؟

طلب الآغا خان الرابع أن يُدفَن في مصر، بالقرب من جده السلطان محمد شاه، الإمام الثامن والأربعين للمسلمين الإسماعيليين، وجدته البيجوم أم حبيبة.

قضت أم حبيبة وزوجها السير سلطان محمد شاه، أوقاتًا سعيدة على ضفاف النيل في أسوان، حيث أقامت هناك بعد وفاته في عام 1957. ودُفنت بعد وفاتها في عام 2000 عن عمر يناهز 94 عامًا، إلى جانبه في الضريح القريب الذي شاركت في تصميمه.

بحسب صحيفة “tribune”، اختيار أسوان مثوى للآغا خان الرابع يعكس تكريمًا للسلالة الفاطمية التي ينحدر منها أئمة الإسماعيلية. وتعود الروابط التاريخية للعائلة مع مصر إلى جد الآغا خان، الخليفة الفاطمي الإمام المعز الذي أسس مدينة القاهرة في القرن العاشر. وأشارت الصحيفة الهندية، إلى أن الفاطميين حكموا شمال إفريقيا في القرن العاشر، ثم انتقلوا بعاصمتهم إلى القاهرة عام 969 ميلادي. واستمرت تأثيرات الفاطميين الثقافية، حيث أسسوا جامعة الأزهر التي تظل حتى اليوم واحدة من أعرق المؤسسات الإسلامية في العالم.

وكان للآغا خان الرابع، الذي أدرك أهمية الحفاظ على هذا التراث، دور كبير في إعادة إحياء القاهرة التاريخية. من خلال مشروع “حديقة الأزهر”، استطاع تحويل تلة من الأنقاض بمساحة 30 هكتارًا إلى مساحة خضراء عامة، لتصبح رمزًا للتجديد الحضري في القاهرة.

مصر وأسوان في كتاباته

بالإضافة إلى تاريخ العائلة، كانت لمصر مكانة خاصة لدى الآغاخان (الجد)، منذ زيارته الأولى لمصر في عام 1935، وعبر عن حبه للبلد في مذكراته. وكتب في (2 نوفمبر 1877 – 11 يوليو 1957) عن مصر: “في طريقي إلى الهند، زرت مصر للمرة الأولى. وأعتقد أن أولئك الذين لم يختبروا سحر مصر من قبل، والذين لم يحالفهم الحظ بالوقوع تحت سحرها، سيجدون صعوبة في إدراك السحر الخالص الذي ينتابهم عند رؤيتهم لمصر لأول مرة. وكانت رؤيتي الأولى لمصر في يوم مثالي من أيام الشتاء المبكرة، ولابد أن أقول إنني منذ ذلك الحين ظللت أحمل في قلبي مكانة خاصة لمصر، وأنني كنت أعود إليها كلما سنحت لي الفرصة”.

وتابع في مذكراته: “كنا نأتي إلى هنا منذ عام 1935، عندما لم يكن المكان موقعًا سياحيًا على الإطلاق، بل كان منتجعًا صحيًا. كنا نأتي لمدة شهر أو شهرين ونقيم في فندق كاتاراكت ونستمتع بالمتنزهات الجميلة على النيل. لم نأتِ للشفاء من الربو أو غيره، بل كنا نأتي فقط للاستمتاع بالطقس الجميل والهواء النقي في أسوان”.

السلطان محمد شاه الآغا خان خلال زيارته إلى إيران عام 1951
السلطان محمد شاه الآغا خان خلال زيارته إلى إيران عام 1951
ضريح الآغا خان الثالث

زار الآغا خان الثالث أسوان لأول مرة عام 1954، بعد أن عانى من الروماتيزم وآلام العظام، بحثًا عن الراحة من أمراضه. وبعد أن شهد شفاءً عجيبًا بفضل الرمال العلاجية في المنطقة، اختار أن يجعل أسوان موطنه الشتوي.

في حوار مع جريدة الأهرام الأسبوعية بتاريخ 23 إبريل 1992، أوضحت البيجوم أم حبيبة آغا خان، سبب اختيار أسوان لقضاء إجازات طويلة في سنواته الأخيرة، والدفن بها. وقالت إن السلطان محمد شاه، قد أعرب عن رغبته في أن يدفن في أسوان بمصر.

على حد وصفها، كان يقول دائمًا: “مصر هي راية الإسلام”، وكان يرغب في أن يُدفن هنا. بينما كنا في أحد الأيام على ضفاف النيل في فلوكة مع المدير، قال: “لماذا تصرون على البحث عن مكان للدفن؟ هل ترون هذا المنزل؟” كان مغلقًا تمامًا ويعاني من الإهمال. “إنه معروض للبيع. لماذا لا تشتريه وتستمتعوا بالعيش هنا؟” أجاب زوجي: “أنا أوافق، ولكن بشرط أن أحصل على إذن لبناء ضريح خلفه”. وبالفعل، اشتريناه، كما قالت.

يقع ضريح الآغا خان على بعد 2.5 ميل فقط من محطة قطار أسوان، وهو مكان ذو أهمية تاريخية. وقد بناه محمد شاه بنفسه ليصبح مثوى لسلالة العائلة التي استمرت 1300 عام.

محاولة نقل رفاته لإيران

رغم اختيار آغا خان الثالث أسوان للدفن بها، إلا أن وثيقة يرجع تاريخها إلى عام 1959 توثق محاولة نقل رفات السلطان بعد عامين من وفاته 1957 من مصر إلى إيران. يقتني الوثيقة يوسف السناري، باحث ومؤلف ومدير جاليري يوسف. ويقول لـ”باب مصر”: “هذه الوثيقة النادرة تحصلت عليها من مزاد حضوري، وهي تثبت نقل رفات زعيم الطائفة الإسماعيلية الآغا خان الثالث من أسوان إلى إيران بمساعدة الحكومة المصرية، في حين أنه لا يزال إلى الآن له مزار وضريح في أسوان”.

الوفد الخاص بسمو الآغا خان والطائفة الإسماعيلية

جناب الكولونيل السيد إسماعيل..

بعد التحية..
نقدم لجنابكم جزيل الشكر لما قمتم به من الأعمال والمساعدات للجالية الإيرانية الذين اشتركوا في الاحتفال بنقل رفاة المغفور له آغا خان الثالث.

ولمناسبة عودتنا إلى إيران، نكرر لجنابكم وافر الشكر.

أرسل الخطاب رئيس الجالية الإسماعيلية بإيران، جنرال شاه خليلي، كبير ياوران الحضرة العلية الشاهانية لجلالة إمبراطور إيران.

أرسل الخطاب في 1 مارس 1959.

وثيقة نادرة تكشف محاولات نقل رفات الآغا خان إلى إيران
وثيقة نادرة تكشف محاولات نقل رفات الآغا خان إلى إيران
علاقة إيران بالآغا خان

ولد سلطان محمد شاه في كراتشي في باكستان، وربطته صلة وطيدة بإيران في عام 1950، حين تم إعلان الأمير آغا خان (1877-1957) مواطنًا إيرانيًا ومنحه شاه إيران محمد رضا بهلوي لقب “حضرة والا” أو صاحب السمو الملكي. كان هذا قبل زواج الشاه الثاني في عام 1951، الذي حضره الأمير آغا خان والبيجوم أم حبيبة.

تم نشر كواليس الزيارة في عدد تذكاري خاص نُشر عام 1953 من قبل جمعية الإسماعيلية الباكستانية لإحياء ذكرى الزيارة التاريخية التي قام بها إلى إيران عام 1951. وأعاد جمعها الواعظ الهندي جهانجير أ. ميرشانت، ونشرها نجله في موقع “بركة” المعني بأخبار الطائفة الإسماعيلية. ذكر العدد أيضا تاريخ العائلة وكواليس تولي محمد شاه إمامة الطائفة في سن صغيرة. فبعد أربع سنوات من وفاة آغا حسن علي شاه (آغا خان الأول، الإمام الإسماعيلي السادس والأربعين)، توفي أيضًا ابنه آغا علي شاه (آغا خان الثاني).

في ذلك الوقت كان السلطان محمد شاه يبلغ من العمر ثماني سنوات فقط. أصبحت والدته “شمس الملوك خانم – السيدة علي شاه” مسؤولة عن تدريب وتعليم ابنها بأفضل طريقة ممكنة. كان للأمير آغا خان السلطان محمد شاه ولدان. أحدهما هو الأمير علي خان (توفي عام 1960) والآخر الأمير صدر الدين (توفي عام 2003). والأمير علي خان كان لديه ولدان هما الأمير كريم آغا خان (توفي عام 1936) والأمير أمين محمد (توفي عام 1937)، ولهذا تولى حفيده الأمير كريم الحسيني آغا خان الرابع الإمامة من بعده للمسلمين الشيعة الإسماعيليين.

الإمام شاه حسن علي شاه آغا خان الأول وآغا خان الثاني والسيدة علي شاه، وسلطان محمد شاه الآغا خان الثالث
الإمام شاه حسن علي شاه آغا خان الأول وآغا خان الثاني والسيدة علي شاه، وسلطان محمد شاه الآغا خان الثالث
الوردة الحمراء للآغا خان 

يعد كريم الحسيني، الذي توفي قبل أيام، حفيد آغا خان الثالث والبيجوم آغا خان أم حبيبة، وهي زوجته الرابعة والأخيرة. وفي الحلقة الثانية من مذكراتها المنشورة بمجلة “المصور”، روت البيجوم أم حبيبة، بداية علاقتها به وسبب زواجه أكثر من مرة. سافرت أم حبيبة إلى مصر لأول مرة قبل زواجها في عام 1944، وعادت إليها كثيرًا بعد ذلك العام.

قالت في مذكراتها: “التقيت آغا خان الثالث في مطعم فرنسي صغير على شاطئ الريفييرا، وانتقل إلى مائدتي، ثم جلسنا معا بعد تناول الطعام في الكازينو. وبينما كنا نتحدث، نظر إلي واعتدل في مقعده، وحدق بعينيه في عيني بصورة أثارت قلقي”.

واستكملت: “ثم قال في لهجة صارمة وسريعة كأنه قائد يصدر أمرا إلى جنود: مدموازيل، لقد أحببتك وأريد الزواج منك. فوجئت بهذا السؤال، وجاهدت لأستعيد أنفاسي، قائلة: هكذا، بهذه السرعة، وبنفس اللهجة الآمرة السريعة؟ أجابني: نعم أننا في عصر السرعة”.

وتابعت: “لم أعتد المزاح في هذا الموقف، ولكن أين أنا منك، بنفوذك ومركزك ومالك؟، ومد يده وربت على ظهر يدي في حنو كبير وقال بهدوء: “يقسو علي عقلك، وأن يشفع لي قلبك عنده إذا لزم الأمر، فأنا أريدك زوجة لي. إنني مصمم، والأمر بيني وبينك الآن ليس مجرد إعجاب أو حب بدأ من النظرة الأولى”.

فقال لها: “وما أسعى إليه ليس حب الشيوخ أمثالي، وإنما هو أعظم من ذلك، إنني احترمتك منذ الكلمات الأولى التي تبادلناها، فإنك تطلين بشخصيتك وبروحك وأعماقك كلها على من تحادثينه”.

الحلقة الثانية من مذكرات البيجوم أم حبيبة – مجلة المصور
الحلقة الثانية من مذكرات البيجوم أم حبيبة – مجلة المصور
4 زوجات في حياته

وقالت له: “أود أن أسألك بضعة أسئلة، وأغفر لي جرأتي وصراحتي. أنت رجل مزواج، فما سر فشل زيجاتك السابقة؟ وكيف أضمن لنفسي ألا يكون مصيري نفس المصير؟”.

فأجابها: “كانت زوجتي الأولى أميرة من أسرتي، ابنة عمي. زوجنا أهلنا صغيرين، إذ كنت في الثانية عشرة من عمري. كنا ساذجين جاهلين، وقد أحدث هذا الجهل وتلك السذاجة فجوة بيننا. وكانت المعرفة والحكمة كفيلتين بسدها، ولكننا، بسبب سذاجتنا، لا ندري كيف نصل إليها. وكنا في الوقت نفسه، بسبب مركزنا الرفيع، نخجل من السعي إليها. وكانت النتيجة المحتومة أن ابتعد كل منا عن الآخر. استمر الزواج 18 عاما حتى انفصلنا”.

أما الزواج الثاني، فقد جمعني القدر بالزوجة الثانية تريزا مالوني، عندما رأيتها ترقص في مسرح سكالا ميلانو. أحببتها من النظرة الأولى وأنا في مقاعد المتفرجين، ودخلت مقصورتها ولم أخرج منها إلا وقد خطبتها لنفسي واتفقنا على الزواج، وتم الزواج في اليوم التالي، واستمر لمدة 18 عاما أخرى حتى ماتت في حادث عام 1926.

وذكر حادث موتها في كتاب نشر عن حياته في باريس، حيث ذكروا فيه أن موتها بسبب جوهرة اشتراها هدية لها بستة ملايين من الفرنكات. لكن نفى آغا خان هذه المعلومة وقال إنها خرافات. وظل حبهما حتى التقى بزوجته الثالثة، أندريه كارون، في محل للحلوى كانت تعمل فيه في إكس ليبان حيث كنت استشفى. أحببتها هي الأخرى من النظرة الأولى، وتمت الخطبة في نفس اليوم. واستمر الزواج لمدة 14 عاما حتى استعصى التفاهم وقررا الانفصال في هدوء وسلام.

وقالت البيجوم أم حبيبة عنه: “وكان مسلما وزعيم طائفة إسلامية كبيرة، بينما هي مسيحية. ولم يضغط علي بتغيير ديانتي، وقال لي إن الإسلام يسمح بالزواج من مسيحية وليس فيه إكراه. وهذا ما فعله مع زوجتيه السابقتين. ومرت سنوات حتى أقبلت على اعتناق الإسلام عن إيمان وعقيدة. وأصبح اسمي منذ زواجي به البيجوم آغا خان بدلا من إيفيت لابروس”.

اقرأ أيضا:

بين دمشق والقاهرة: أين دفنت السيدة زينب؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.