"ديفيد روبرتس" العامل الذي نشّط سياحة مصر

لم يكن يعرف عامل الطلاء الاسكتلندي “ديفيد روبرتس”، المولود في 24 من أكتوبر عام  1796 أن الأقدار ستسوقه إلى رحلة إلى المشرق العربي، ليتنقل بين مصر والشام  وفلسطين والأردن.
أغرم ديفيد روبرتس بالشرق، فخاض مغامراته خلال عامي 1838 و1839، ليستنشق عبق الشرق أسراره، في الفترة التي كان الشرق فيها مكانًا خياليًا تحاك حوله أساطير لا حصر لها، لكن روبرتس عاد إلى بلاد واحدًا من أهم الذين وثقوا للقرن الماضي بلوحاته الخالدة.
ديفيد روبرتس نشأ لأب يعمل إسكافيا في إدنبرة (واحدة من أكبر المدن الاسكتلندية، وعاصمتها في المملكة المتحدة)، فأخذ المهنة من والده، وفي سن العاشرة انتقل للعمل مع  مصمم ديكور ورسام  كعامل طلاء، وظل روبرتس يعمل لديه لمدة سبع سنوات التحق خلالها بمدرسة ليلية لتعلم الفن.
يقول الدكتور وائل سليمان، أستاذ الآثار الرومانية المساعد بكلية السياحة والفنادق بجامعة المنيا، إن رسومات روبرتس تعد من أهم المصادر التي توثق حالة وشكل الآثار المصرية في ذلك الوقت، الذي كان فيه الرسم الوسيلة الوحيدة، لتسجيل الآثار، لافتا إلى أن أسلوب روبرتس في الرسم اتسم بالاعتناء بالتفاصيل الدقيقة، ما ساعد الباحثين على وضع تصور شبه كامل عن الآثار في تلك الفترة.
المرشد السياحي صلاح شلك يقول إن لوحات روبرتس هي الأشهر، لأنها تشرح تطور الاكتشافات الأثرية بدءًا من عصر محمد علي، كما أنها تتميز بطابع فني رومانسي تؤدي إلى جذب السياح لزيارة مصر.
الإسكافي يتحول إلى “فنان”
بعد إنهاء دراسته انتقل إلى مقاطعة بيرث الاسكتلندية، ليلتحق بأول وظيفة له وكانت كبير عمال الديكور والطلاء لتجديد قصر “سكاون” في تلك المقاطعة، بعدها انتقل للعمل في تصميم الجداريات الزيتية في سيرك “جيمس بانستر”، وكانت تلك بداية عمله كرسام للجداريات، ما أهله في عام 1820 أن يصبح أهم مصمم للديكورات في جميع مسارح لندن.
تزوج ديفيد من ممثلة مسرحية  اسكتلندية، وأنجب منها ابنته الوحيدة كرستين، ثم انتقل للعيش بلندن في عام 1822، وهناك تفرغ للوظيفة التي خلدت اسمه  في عالم الفن وهي رسم اللوحات الزيتية، ليذيع صيته في أوروبا كواحد من أهم رسامي  المناظر الطبيعية والقصور.
وفي عام 1824 عُرضت لوحاته الشهيرة للكنائس والقصور في متحف المعهد البريطاني وجمعية الرسامين البريطانيين، ونال شهرة واسعة ما دفعه للتنقل بين أرجاء أوروبا، وفي تلك الفترة انتخب رئيسا لجمعية الرسامين البريطانيين.
عام 1831 زار إسبانيا وطنجة، ليرسم ألبومه الشهير “مناظر طبيعية إسبانية”، الذي تضمّن لوحات الكاتدرائيات الشهيرة في مدريد.
الرحلة إلى الشرق
عقب عودته من إسبانيا، نصحه صديقه الرسام ج.و تيرنر بالذهاب إلى مصر والتفرغ للفن، وكانت نصيحة خلدت اسم روبرتس ، الذي سجل كل ما شاهده هناك في لوحاته أصبحت معظمها من أهم المراجع الوثائقية في تلك الفترة.
أبحر روبرتس في أغسطس عام 1838 إلى ميناء الإسكندرية، ومنه إلى القاهرة ثم الصعيد والنوبة وشبه جزيرة سيناء، ثم انتقل إلى القدس والأردن ولبنان، رسم في تلك الفترة عشرات “الاسكتشات” وضعها كلها في كتابه الشهير “مناظر من مصر والنوبة والشرق الأدنى”.

لقاء مع الباشا
وفي نهاية رحلته في 1839 سمع عنه محمد علي باشا، ليجتمع معه قبل مغادرته ميناء الإسكندرية عائدا إلى لندن، لم يترك ديفيد الفرصة تمر مرور الكرام، بل سجل لقاءه بالباشا في اللوحة الشهير بقصر محمد علي باشا في الإسكندرية.

مع محمد علي باشا
مع محمد علي باشا

ومن أجمل ما ترك روبرتس لوحة الأهرامات، وأبو الهول، والنوبة القديمة، وباب زويلة، والكرنك، والمسلة، ومقياس النيل، ومعبد أبوسمبل، كما رسم لوحات شهيرة في الشام مثل البتراء ومعبد بعلبك، وصيدا وقبة الصخرة.
بعد انتهاء رحلته إلى المشرق عاد إلى إنجلترا، ومنها إلى إيطاليا وفينسيا، التي سجل رسوماته بها في كتابه “مناظر طبيعية وتاريخية من إيطاليا”، بعدها انشغل روبرتس برسم المناظر الطبيعية على امتداد نهر التيمس بلندن، وأنهى رسم 6 مناظر منها، إلا أن القدر لم يمهله لاستكمال الباقي ليصاب بإغماء بعد ظهر يوم 25 نوفمبر من عالم 1864 في شارع  برنر بلندن، بينما كان يرسم كنيسة “سانت بول”، لينقل إلى منزله وهناك توفى في مساء ذلك اليوم، نتيجة أزمة قلبية، ودفن بمقابر “ويست وود” بلندن.


 
استعنا في هذا الموضوع بـ”كتاب مصر في عيون الغرباء- د.ثروت عكاشة- دار الشروق 2004
 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر