«درب 1718».. قرار «شفاهي» بهدم ملتقى الفنانين والحرفيين
في بداية التسعينات زار الفنان التشكيلي والناشط الثقافي معتز نصر الدين منطقة مصر القديمة لأول مرة، دخل المنطقة ووقف على أرض الفخارين وقرر عدم الخروج منها حتى الآن. كانت هذه النواة الأولى لـ«درب 1718» مركز الفن والثقافة المصري المعاصر الذي يقع في منطقة الفسطاط في القاهرة القديمة. واستقبل مالكه قبل أيام إنذارا شفهيا بالإخلاء تمهيدا للهدم.
إخطار شفهي لهدم درب 1718
يكشف معتز نصر الدين سبب الهدم والإخطار، ويقول لـ«باب مصر»: “علمت بقرار الهدم يوم الثلاثاء الماضي، استقبلت مكالمة لمقابلة في قرية الفخار بالجهة الثانية لدرب. ووجدت رئيس الحي ومدير قرية الفخارين ونائب المحافظ وأشخاص آخرين وأبلغونا بسرعة إخلاء درب 1718 لأن المباني بالمنطقة سيتم إزالتها”.
وتابع: “حين سألت عن أوراق إنذار الإزالة أو الهدم لم أجد ما يؤكد هذا الإخطار الشفهي. فاتجهت فورا لمجلس الدولة ورفعت دعوى قضائية، وعلمت بعد ذلك أنه لم يصدر قرار بالهدم”.
لجأ نصر الدين لتدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي يناشد فيها محبي الفنون والثقافة في مصر لمساندة المبنى الثقافي ومنعه من الهدم. نظرا لأن المؤسسة غير هادفة للربح ولا تتبع وزارة الثقافة.
حلم أصبح حقيقة
تاريخ طويل لدرب 1718 يرجع إلى عام 2002 حين التقى معتز نصر الدين بمحافظ القاهرة عبدالرحيم شحاتة، وعرض عليه فكرة المشروع الثقافي. واقتنع بها وخصص الأرض لبناء المبنى وقدم للمشروع مساحة تقدر بثلاثة فدادين كاملة.
ويضيف نصر الدين لـ”باب مصر”: “محافظ القاهرة خصص لنا الأرض التي بنينا عليها واستثمرنا فيها بجهود ووقت وصحة كبيرة. ومع مرور الوقت تحول هذا المكان إلى جزيرة وسط منطقة عشوائية. وأصبح من الأماكن المشهورة التي يأتي إليها الناس من جميع أنحاء العالم”.
ويستكمل: “فتحنا المجالات لجميع الفنانين والموسيقيين والفنون المعاصرة والسينما والمسرح وكل ما هو ممكن ومتاح. وقد قمنا بتنظيم ورش عمل ومعارض فنية للفنانين المصريين والأجانب. كما قمنا بالسفر إلى الخارج لتمثيل مصر، ولم يتوقف عملنا على الإطلاق. بل نستمر في العمل بجهد وإصرار لتحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات في المستقبل”.
درب 1718 هو فكرته التي حلم بها منذ فترة طويلة. حيث يرى إننا بحاجة إلى آلاف من درب 1718 في كل مكان لأن هناك الكثير من المواهب التي لا يمكنها التعبير عن نفسها وليس لديها منفذ لذلك.
سر الاسم والمكان
قضى نصر الدين فترة في الخارج وشاهد هذا الواقع والحاجة إليه. ويقول: “قررت تحقيق هذا الحلم وأطلقت اسم “درب 1718″ عليه. واخترت هذا الاسم لأن الأسماء يجب أن تكون غامضة قليلا. وهذا ما حدث في أول مهرجان سعودي للفنون المعاصرة، الذي حمل رقم 123، والذي يدعو الناس للتساؤل”.
وأصبح معرض الفنانين الأفارقة المعاصرين في لندن، الذي يتكرر بشكل دوري، أحد أهم المعارض الفنية. حيث يحمل رقم 191 والذي يدعو الناس إلى التساؤل أيضًا. ويضيف: “مع ذلك، فإنني أؤمن بأن هذه الأرقام ليست الشيء الوحيد الذي يمكن أن يثير اهتمام الناس في درب 1718. بل هو مكان يعمل على استقطاب المواهب وتطويرها في مجالات الفنون المختلفة”.
عن اختيار المكان، فيقع في منطقة مشهورة بالفخار وتضم مجموعة كبيرة من الخزافين الممتازين. ويتابع: “عندما قدمت فكرة المشروع لمحافظ القاهرة، قدمت له تصميمًا متميزًا للمشروع تم تطويره بمساعدة الدكتورة منى زكريا، التي كانت تعمل حينها على تطوير مصر القديمة والكنيسة المعلقة. وبعد الموافقة على التصميم، تم تخصيص الأرض للمشروع وبدأنا في البناء”.
ولكن، هل للدولة الحق في هدم مشروع يتم تخصيص أرض له؟ وإذا تم بناء المشروع على أعلى مستوى وتم إقناع الجهات المعنية بالفكرة، فهل يمكن التفكير في هدمه؟
أجاب موضحا: “ومن المهم أن نذكر أننا لاقينا دعم في البداية من أكثر من جهة ومن هيئة تنشيط السياحة لأن الأنشطة الخاصة بدرب ساعدت في المحافظة على المشروع وجعلته يستمر. وقد كان الجمع بين الحرفيين والفنانين مهمًا لتطوير الحرف والفنون، وكان هذا الهدف من المشروع منذ البداية”.
وتساءل عن سبب الهدم، قائلا: “لا يمكنني تصور السبب وراء رغبة الجهات المعنية في إزالة “الدرب”. فالحقيقة هي أنه لا يعيق أي شيء، حيث إن الناحية الأخرى من الشارع فارغة بمسافة تزيد عن 100 متر، وربما يكون هذا خطأ من بعض الموظفين”.
حرفة وفن
يقع “الدرب” على مساحة 3 أفدنة، وتستغل مساحة 1500 متر منها لإقامة الأنشطة الفنية. بينما تستخدم المساحة الباقية لأنشطة مختلفة مثل الحديد والأسمنت والفخار والنحت والنحاس، وكلها تعمل بجانب الحرفيين الذين يعملون في المشروع.
وتشمل الحرف التي تعلموها الحرفيون مجموعة واسعة من الحرف التقليدية، ولديهم سجل كبير ومفتوح لهذه الحرف. بالإضافة إلى تعاون درب 1718 مع متحف الحضارات منذ البداية، وأقام ورش عمل وزيارات للأطفال لتعليمهم الحرف التقليدية وعرض الفنون في المتحف، ونخبة من الفنانين الكبار مثل عزة فهمي.
عن ملكية المبنى فإنه يعود إلى فريق العمل الذي بناه، ورغم أن الأرض تعود للدولة ووزارة الثقافة لا تتدخل في هذه الأمور، يعمل الفريق على التواصل مع المحافظ لإصلاح الأمور.
وعلى حد وصفه، عندما يتم هدم المباني التي تقدم خدمات ثقافية، يعتبر ذلك خسارة كبيرة للشعوب، حيث إن الفنون هي أساس الحس الإنساني والتعبير الفعال عن المشاعر.
ويرى أن الفن يحتل مكانة مهمة في حياة البشر ويمنحهم الأمل والتطور والحاجة إلى الأفضل، ويعد رابطا يربط الناس بعضهم البعض، ولغة غير منطوقة يتفاهم بها العالم بأسره، مشيرا إلى أنه إذا فقدنا لغة الفن فإننا نفقد القدرة على التواصل مع الشعوب بالطرق الأساسية. ولذلك، يجب الحفاظ على الفنون وتطويرها وتشجيعها، وعدم السماح بتدمير المباني التي تعزز هذا الرابط الهام بين الناس.
عريضة لوقف هدم درب 1718
أثار قرار الهدم جدلا واسعا في الوسط الثقافي، وجمعت أول عريضة لوقف هدم المبنى ثمانية آلاف توقيع في غضون ساعات.
وبحسب المعلومات المدونة بموقع العريضة: “ودعت السلطة المحلية مؤخرًا إلى إخلاء فوري لدرب 1718 دون إخطار رسمي، وتتمثل الخطة في هدم صالة العرض من أجل توسيع الشارع الذي يربط بمتحف الحضارات، دون أي اعتبار للمساهمات والخدمات الهامة التي يقدمها مركز درب للفنون للفنانين في جميع المجالات الثقافية والفنية منذ إنشائه في عام 2008، ولا للمجتمع الحرفي المزدهر النابض بالحياة الذي تطور حول المركز.
إن مساهمة مركز درب 1718 في تعزيز الهوية الثقافية لمصر لا تقدر بثمن. إذ قدّم المركز فرصا للاستكشاف والتعبير الفني، وخلق مساحة تجمع الفنانين والحرفيين لعرض أعمالهم جنبا إلى جنب مع الشخصيات المرموقة. وقد نظّم مركز درب 1718 العديد من المهرجانات التي جمعت المجتمعات المختلفة، ودمجت الناس من مختلف الأطياف لتقدير الفن”.
وطالبت العريضة بحث الحكومة على إعادة النظر في قرار هدم 1718، والبحث عن حلول بديلة تسمح بالحفاظ على هذه المؤسسة الثقافية الحيوية. مؤكدة على أهمية العمل معًا للحفاظ على تراثنا الثقافي وتحقيق أهداف التنمية الحضرية.
موقف وزارة الثقافة ومطالب نواب البرلمان
وصلت الأزمة إلى مجلس النواب إذ تقدم النائب فريد البياضي عضو مجلس النواب، بسؤال لرئيس مجلس الوزراء ووزيرة الثقافة، حول ما يثار حول قرار إزالة مركز درب 1718. وقال: “مركز درب 1718 للفنون هو مؤسسة فنية معروفة محليا ودوليا، تم تخصيصها من محافظة القاهرة منذ 23 عاما، وتم بدء نشاطها قبل 20 عاما، وهي تعد مزارا عالميا ونقطة جذب للسياحة الفنية العالمية”.
وتحدث عن إنجازات المؤسسة خلال السنوات القليلة الماضية، ونجاحها في تنظيم أكثر من 40 معرضا، بما في ذلك معارض حازت تقديرا واسعا محليا وعالميا. كما استعرض البياضي عددا من الورش والعروض الفنية والثقافية الخاصة بالفنون والتصوير والفخار واليوجا والمسرح.
بالإضافة إلى العروض الخاصة لبعض الأفلام المتميزة للسينما المستقلة، وذلك دعما من المؤسسة للفنانين المستقلين الذين يتبنون ثقافة الاختلاف والتطور والرؤية المتفردة، بخلاف الحفلات التي توفر مساحة حرة للأفراد للتعبير عن أنفسهم.
واستكمل: “أذكّر الحكومة بالمادة 33 من الدستور الذي أقسمت على احترامه، التي نصت على أن تحمي الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة الملكية العامة والملكية الخاصة والملكية التعاونية، وأين دور الوزارة في حماية الفن والمبدعين؟ وماذا قدمت لتشجيع وحماية مثل هذه النقاط المضيئة التي تشكَل هوية مصر الفنية والثقافية؟”.