خيالات العجمي
أمام الفيلات المهجورة في الشتاء في العجمي يجلس العرب ويلعبون السيجا بحصى كثير. هل يذكرك هذا بعاشور الناجي وهو يجلس أمام التكية في الليل يراقب السماء، بينما في شارع شهر العسل مطعم اسمه “أندريا” كانت تجلس أمامه فلاحة تخبز فطيرا وخبزا في فرن فلاحي.
كنت جنديا في جيش نابليون الذي أتى ليحتل مصر، أعمل في الأصل كفلاح بأجر، حلمت بامتلاك خمسة فدادين في أرض جديدة كما وعدني نابليون. كدت أغرق قبل أن أصل إلى شاطئ العجمي. بحر أزرق يشبه الماضي، ورمال بيضاء، ومظلة خشبية بقماش أخضر وكرسي أو بدون كرسي، وألا تكون هناك رايات سوداء. وأن الشمس عندما تغرب في الإسكندرية تغرق في العجمي.
**
أنا لا أحب الكلاب كثيرا، لكني كنت أحب كثيرا كلبا يسير خلف سيده العجوز على الشاطئ في الصباح الباكر. أحب أكثر الفيلا الصغيرة التي كنا نؤجرها كل صيف هناك.أحيانا تكون مجرد دور ثاني في فيلا من دورين في شاطىء شهر العسل، أو درويش. وأحيانا كانت بجوار البحر، لكنها لا ترى البحر. ونتسلل إلى الفيلا الأخرى بحديقتها الواسعة لنسرق العنب الأسود ونلعب في الحديقة بكرة السرعة المثبتة في وسط النجيل الأخضر على عمود صغير.
وكانت أحيانا للفيلا حديقة صغيرة نملكها لبعض الوقت، ونحصل منها على الورد والياسمين، ونجد صاحبها يشذب الشجر بمقص كبير تماما كالأفلام. كانت هناك في تلك الفيلا ذكرياتي الجميلة: رائحة البهارات القوية وزجاجات البيرة الفارغة في السوبر ماركت بجوار فيلا عادل إمام في البيطاش ووجود الفلفل (الكوبِّي) في السلاطة باستمرار شهور الصيف، منظر البحر من بعيد في نهاية شارع درويش أو شهر العسل، منظر الخضروات المنسقة والجميلة، القرع العسلي بلونه البرتقالي الباهت ككرة ملونة من العسل.
**
الميزانية لا تتحمل مصاريف شهر التصييف؛ فالأسعار غالية هنا في شارع البيطاش، كيس المكرونة سعره أعلى. وكذلك الجبن الأبيض الذي نكتفي به عن الجبنة التركي. نصب الشمسية بجوار شماسي جمعية قاطني شاطئ الفردوس الخضراء، بدون سور الجلوس على الرمال البيضاء ومشاهدة البحر الأزرق. عجوز من الفيلا على الشاطئ يمشي هو وكلبه، الشارة السوداء وكرسي الغطاس العالي. هناك حيث غرق الماضي، السيارات في الليل تطارد الفتيات، الشاب الذي وضع المنوم في الليمون لأخيه ليسرق سيارة أبيه، الليل الملون عند ويمبي في مدخل بيانكي، الاستماع إلى فريد الأطرش في العصر، ولولاكي في الليل، حلواني قويدر وفيلا عرفة وهبه، تاجر الأخشاب ذات السور العالي.
الأجانب يغادرون ويتركون فيلات بجوار الشاطئ، حفلة منير والنجم الصاعد مصطفى قمر، ونجم الكرة أحمد ناجى في نادي القوات المسلحة. التسلل للدخول لشاطئ بيانكي، النجاح والفشل، المستقبل كجيمس مادسون يرتدي سترة بيضاء في شرفة على البحر. وهو يشرب العصير في لحظاته الأخيرة قبل اكتشاف خيانته.
اقرأ أيضا:
محطة الرمل.. من أين يأتي كل هذا الحزن؟
للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي: