خبراء عن «تبليط الهرم»: ضياع الأصالة والتاريخ

«تبليط الهرم» بهذا الوصف لخص عدد من خبراء الآثار المشروع غير المكتمل الذي أعلنت عنه أمس وزارة السياحة والآثار، والذي يتعلق بجمع حجارة الهرم الثالث «منكاورع» بالجيزة وإعادة تبطينه بحجارة الجرانيت بتمويل من البعثة اليابانية بالقاهرة.

تضارب المعلومات

البداية ترجع لإعلان مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الجمعة الماضية، عن مشروع جديد لأصغر أهرامات الجيزة، لم يذكر الكثير من التفاصيل أو المعلومات الدقيقة عن تنفيذه أو المدة المُحتملة للمشروع والهدف منها. وقال إن بداية المشروع ستكون من خلال الحفر حول محيط الهرم. ثم تغليفه بطبقة من الجرانيت بديلة عن التي كانت تحيط به وتحطمت، مع جمع الحجارة التي سقطت عنه وإعادة رصها.

وأضاف وزيري: “المشروع هو رسم وتصوير ومسح بصري، ثم إعادة تركيب بلوكات الحجارة كما نفذها المصري القديم. وأشار إلى واحد من الحجارة بأنه البداية، وأن المهندس المعماري الذي نفذ الهرم، نفذ معه الكساء الخارجي في الجهات الأربعة”.

انطلقت العديد من التفسيرات لهذا المشروع، حتى صرح “وزيري” في أكثر من حديث تلفزيوني بأن هذا المشروع سيستغرق مدة تصل إلى 3 أعوام. بينما في حديثه مع الإعلامية هبة جلال ببرنامج “الخلاصة” قال إن المشروع لن يستغرق أكثر من عام واحد فقط.

حجارة جيرية محطمة عند أهرامات الجيزة
حجارة جيرية محطمة عند أهرامات الجيزة
تمويل البعثة اليابانية بالقاهرة

رغم تأكيد “وزيري” على أنه سيصبح “مشروع القرن” وأنه يعد “هدية للعالم” لكن لم يشرح ما هو المشروع، مراحله الدقيقة، والعائد الاقتصادي منه أو التكلفة الإجمالية للمشروع. على صعيد آخر، لم تعلق البعثة اليابانية بالقاهرة عن مشاركتها بالمشروع والتكلفة التي ستتحملها والمدة المحتملة لتنفيذ المشروع.

حاول «باب مصر» التواصل مع عدد من خبراء الترميم والأثريين، لشرح المشروع وأهميته وسبب اختيار الهرم الثالث تحديدا. لكن عدد كبير منهم رفض التعليق عن المشروع غير المُعلنة تفاصيل تنفيذه.

“حفر حول الهرم – مسح بالليزر – مطابقة الأحجار الجرانيتية المتساقطة – تغليف الهرم”. هذه الخطوات باختصار هي ما كشف عنها “وزيري” خلال الفيديو القصير الذي نشره.

من فيلم وثائقي لـ “رويترز” عن محاولة ساجوكي يوشيمورا عام 1978 لبناء هرم بجوار هرم منكاورع
من فيلم وثائقي لـ “رويترز” عن محاولة ساجوكي يوشيمورا عام 1978 لبناء هرم بجوار هرم منكاورع
غياب البحث العلمي!

عبّرت الدكتورة مونيكا حنا، عالمة الآثار المصرية، في تصريحاتها لـ«باب مصر» عن رأيها بشأن فكرة إعادة تغليف هرم منكاورع ورفضها لهذا الاقتراح. وأشارت إلى أن “منكاورع” توفي قبل اكتمال بناء الهرم، وبالتالي فإن تعديله سيؤدي إلى فقدان الأصالة والمنطقية التاريخية.

بالإضافة إلى عدم وجود أي بحث علمي أو دراسة توضح سبب تركيب الحجارة في الهرم وأهميتها. وتطرقت إلى الدكتور هاني هلال، الذي قام بالعمل على هرم خوفو في وقت سابق ونشر نتائجه الأولية في مجلة “نيتشر” قبل عرض فكرة المشروع.

وأعربت حنا عن قلقها من عدم نشر بحث علمي يوضح المنهجية المستخدمة في هذا المشروع الأثري، وتقول لـ«باب مصر»: “سابقة أعمال سيئة للدكتور مصطفى وزيري في معبد الأقصر تثير مخاوفنا بشأن سلامة الهرم. حيث تعرض لعوامل تعرية بمرور الزمن وبالتالي هل هناك دراسة تكشف قدرة الهرم على تحمل تركيب حجارة جديدة؟”.

وتستكمل: “المصري القديم كان يجعل الحجر أملس بعد تركيبه، وليس قبل التركيب، ولا يوجد أي دليل علمي على سقوط حجارة من الهرم، في حين توجد أدلة تاريخية على نقل ابن صلاح الدين ومحمد علي لاحقا حجارة من الهرم لاستخدامها في بناء مباني أخرى”. وتوضح حنا أنه من المحتمل أن الحجارة الموجودة أسفل الهرم وضعها المصريين القدماء لاستكمال بناء الهرم، ثم مات منكاورع ولم يتم استكمال بناء الهرم.

وعن إصرار الياباني ساجوكي يوشيمورا على مشاريعه بجوار هرم منكاورع على مدار 45 عاما، قالت: “إصراره لأنه اختار المكان الأكثر أهمية، واعتقد أن اختياره الآثار المصرية القديمة وليست الإسلامية أو القبطية لعدم تعلق اليابانيين بالرموز الدينية. بالإضافة إلى أن اليابان لا تمتلك مدرسة جيدة لعلم الآثار فتحاول إثبات قدراتها في مشاريع خارجية”.

قرار اللجنة الدائمة للآثار

وتساءلت حنا: “ما الجدوى من المشروع أو – لزق – حجارة جديدة عليه؟”. مشيرة إلى أن منطقة الأهرامات تحتاج بالفعل إلى تطوير ميداني مثل وجود دورات مياه نظيفة وخدمات للسائحين ونظافة باستمرار وجعل المنطقة جيدة للزيارة. وأكدت على أن المشروع غير علمي ودون جدوى، وتقول: “بدون نشر علمي سيتم الإخلال بمنطقية الأهرامات”.

وعن قوانين حماية الآثار ودورها في مشاريع المنطقة المحيطة بالهرم، تقول: “الإدارة الحالية للمجلس الأعلى للآثار انتهكت قوانين حماية الآثار عن طريق إخراج آثار خارج السجلات ورفض تسجيل الآثار التي من المفترض تسجيلها، ونرى أن حامي الآثار بالقانون هو أول من ينتهكها”.

وتابعت: “أين دور اللجنة الدائمة للآثار، من المفترض أن تُعرض كل المشاريع عليها قبل الإعلان عنها؟”.

من جانبه كشف د. زاهي حواس، الوزير السابق لشؤون الآثار المصرية، تفاصيل قرار اللجنة الدائمة للآثار عن مشروع “تبليط الهرم” بحجارة الجرانيت. وصرح لـ«باب مصر» أنه تم تشكيل لجنة علمية مكونة من عدد من الخبراء والأثريين والفنيين، وسيتم الإعلان رسميا عن قرارها، غدا الأربعاء، وعلى حد وصفه هي الوحيدة التي لها حق الحكم في أهمية المشروع وإمكانية تنفيذه.

غياب المرجعية

الترميم وترقيم الحجارة وإزالتها وإعادة تركيبها أحد الأمور الشائعة في مشاريع الترميم، خاصة في الآثار القبطية والإسلامية. لكنها ترتبط بتحقيق عدد من الشروط لإمكانية تنفيذها بنجاح.

تحدث عماد عثمان مهران، كبير الباحثين والمدير العام السابق للآثار، عن مشاريع الترميم السابقة التي نفذها. ويقول: “عملنا سابقا في ترميم الأغا خان وترميم 13 معلمًا في الدرب الأحمر، مثل تكملة مئذنة أم السلطان شعبان ومئذنة خاير بك”.

وعن مراحل ترميم الحجارة، أضاف مهران لـ«باب مصر»، أنه يتعين اختيار الحجارة التي تكون مشابهة للحجر الأصلي الموجود في الموقع التاريخي. وذلك من خلال دراسة الموقع الأصلي ومحاولة تحديد مكان المنشأ وجزء الحجر المكسور الذي يجب استبداله وتنقيحه.

ويجب أيضًا أخذ الاعتبار ما إذا كان الموقع يتعرض لأشعة الشمس أو الرطوبة أو التأثيرات الجوية الأخرى. مع الاستعانة بالصور القديمة وصور المستشرقين والمسافرين وتقارير لجنة حفظ الآثار العربية لتوجيه عملية الترميم.

وأشار مهران إلى أن الهرم المصري القديم مشهور بحجمه الهائل. وهناك اختلاف في طريقة ترقيم المئذنة وعمل المساقط والقطاعات. ولكن هناك بعض الأجزاء في الهرم التي لا توجد معلومات علمية أو صور أو تخيلات لأوضاعها القديمة.

ويستكمل خبير الترميم: “هرم منكاورع محاط بمجموعة كاملة من المعابد الجنائزية والمدينة، ومن الممكن أن تكون لا تزال موجودة. هل هناك أعمال حفريات في المنطقة؟ وهل هناك أعمال بناء بالجرانيت في المنطقة؟ وما هي طرق التعامل مع الحجر على الجرانيت وتأثير الطبقات عليه؟”.

وتساءل: “هل هناك صور قديمة للجرانيت؟ وما هي المراجع التي يمكن الاستناد إليها لطريقة بناء ولزق الرخام أو الجرانيت وتعرضها لعوامل الشمس والتعرية والجو؟ وهل جميع ألواح الجرانيت لديها لون واحد أم لا؟ وهل يتم نزعها من الأرض دون تحطيمها أو تكسيرها أو تلفها بسبب مرور الوقت؟”.

منكاورع.. الهرم المظلوم

عن تاريخ هرم منكاورع، فقد أُطلق عليه الهرم المظلوم، وهذا الحاكم – صاحب الهرم – وصفه هيرودوت في كتاباته بأنه تحلى بصفتين وهما أنه كان رجل ورع وعادل. ورغم حكم منكاورع مدة طويلة لم يأخذ حقه من الاهتمام في العالم من العامة، على عكس هرمي خوفو وخفرع.

ويرجع سبب عدم اهتمام العالم بـ”منكاورع” لأنه عاش في ظلال الكبار، كما أوضح “الشماع” لـ«باب مصر». إذ حكم منكاورع، 29 عاما، وإنجازاته في هذه الأعوام عديدة عند مقارنته بخفرع والده الذي حكم 26 عاما. وعند مقارنته بفترة حكم جده خوفو لا تتجاوز 23 عاما. وفي عام 2013، تم اكتشاف بريدة وادي الجرف التي تقدر فترة حكمه من 28 إلى 32 عاما.

“هل هرم منكاورع الوحيد هو الذي تتكون حجارته من الجرانيت؟” أجاب مهران موضحا أن الأهرامات الثلاثة الأصغر حجما المجاورين لأهرامات الجيزة. واحدا منها حجارته من الجرانيت، ومنهم هرمين تم بناءهما على هيئة هرم مُدرج مثل زوسر.

تابوت مفقود!

يبلغ ارتفاع هرم منكاورع في الأصل 65.5 متر، أو 215 قدمًا، وتم بناء قلبه من أجود أنواع الجرانيت والحجر الجيري في أسوان. بعد ذلك، تم تغطية الجزء السفلي من الهيكل بالجرانيت الأحمر، والجزء العلوي بالحجر الجيري من طرة. وهو حجر ناعم للغاية اعتبره العديد من مسؤولي الدولة القديمة مثل مادة التابوت النهائية.

تم الانتهاء منه في عهد منكاورع، في الأسرة الرابعة، حوالي 2500 قبل الميلاد. ومع ذلك، فإن المعبد الجنائزي الذي كان من المفترض أن يقف بجوار الهرم ويضم تماثيل عبادة للملك، لم يكتمل إلا من قبل خليفته شبسسكاف. وتم وضع عدد من الآثار والتماثيل واللوحات الإضافية بالقرب من هرم منكاورع. بالإضافة إلى بقايا أخرى من كنوز الدولة القديمة.

يوجد في الواجهة الشمالية للهرم، ثقب كبير صنعه ابن صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر على أمل العثور على كنز داخل المبنى، ولم ينجح في ذلك.

ولم تظهر محتويات قبر الملك إلا في القرن التاسع عشر، لتضيع في البحر أثناء نقلها إلى المتحف البريطاني. وبحسب بحث علمي للدكتورة “سيباستيان ميدانا” عندما زار الكولونيل “ريتشارد هوارد فايس” من الجيش البريطاني، الجيزة عام 1836. لفتت انتباهه إحدى تفاصيل هرم منكاورع، وكان هناك مدخل كبير في الجانب الشمالي من المبنى”.

وعلم أن هذا المدخل نفذه العمال، الذين أُمروا بتدمير الهرم قبل سبعمائة عام بواسطة جيش صلاح الدين الأيوبي عام 1171، وإنشاء سلطنة على طول نهر النيل. وتولى الحكم من بعده ابن صلاح الدين. وشرع في خطة طموحة لهدم الأهرامات بحثا عن الكنز بداخله وأمر عددًا من جنوده والنحاتين بتفكيك الكتل الصلبة للهرم.

استسلم السلطان في النهاية، عندما علم أن هذه العملية كانت مكلفة وأن فرص نجاحها ضئيلة. ووجد فايس والوفد المرافق له هرم منكاورع متضررًا، واعتقدوا أنها فكرة جيدة في محاولة اختراق المبنى القديم. لكن طريقته كانت من خلال إجراء مسح دقيق لهضبة الجيزة.

في أواخر عام 1837، اكتشف فايس فتحة أخرى أكبر للهرم. والتي يُعتقد أن اللصوص صنعوها وهي اليوم المدخل الرئيسي الذي يستخدمه السياح لزيارة داخل الهرم. ولاحظ أن غرفة الملك تعرضت للسرقة. وأزيل غطاء التابوت وأخرج التابوت الخشبي لفحصه. وعثر على عظام وقطع من أغلفة المومياء متناثرة على الأرض.

مصير التابوت  

في هذه المرحلة، قرر فايس أن مهمته قد انتهت، وعاد إلى إنجلترا. لكن المسؤولين البريطانيين تمكنوا من سحب التابوت الحجري الثقيل من الهرم. ثم تحميله لاحقًا على سفينة تجارية في الإسكندرية متجهة إلى إنجلترا. لكن السفينة الخشبية “بياتريس” لم تصل إلى وجهتها، وغرقت قبالة سواحل مالطا. وأخذت معها إلى أعماق البحر الأبيض المتوسط ​​تابوت منكاورع وتابوتين آخرين عثر عليهما داخل الأهرامات العظيمة. لم يعد فايس مجددا، كذلك لم يتم العثور على حطام السفينة بياتريس.

في أعقاب أعمال التنقيب التي قام بها العقيد فايس، قام عدد كبير من علماء المصريات بدراسة الهرم. وتم العثور بالقرب من هرم منكاورع على أنقاض المجمع الهرمي الذي ضم عدة مبان تابعة مثل المعبد الهرمي، ومعبد الوادي وثلاثة أهرامات أصغر. اثنان غير مكتملين، ولكن الثالث قد اكتمل. وتكهن علماء المصريات بأن هذه الأهرامات كانت تضم مومياوات زوجات منكاورع، وتمثالًا للملك نفسه.

استمر “جون شي بيرينج” أحد أعضاء بعثة فايس، في العمل الذي بدأه العقيد البريطاني. وأنتج عددًا من الرسومات التفصيلية، التي توضح قياسات ومواقع العديد من الأنفاق والممرات والغرف داخل هرم منكاورع. ونشر عمل موثق في ثلاثة مجلدات، بعنوان أهرامات الجيزة (1839-1842).

اقرأ أيضا:

«تبليط الهرم»: محاولات يابانية فاشلة منذ السبعينيات

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر