خاص| سر أهمية شاهدة «اللوفر»: النداء الأخير من توت عنخ آمون
ما الأهمية التاريخية لشاهدة «توت عنخ آمون» الموجودة – الآن- بمتحف اللوفر أبوظبي؟
الشاهدة أصبحت في بؤرة الضوء بعد الحديث عن احتمالية سرقتها من مصر، وتوجيه اتهامات لمدير متحف اللوفر الفرنسي باستخراج أوراق مزورة لاثبات خروجه منذ زمن طويل. بالرغم من استمرار التحقيقات على مدار أسبوعين إلا أن الكثير لا يعرف مكانة وأهمية الشاهدة التاريخية.
عبر التواصل مع عالم مصريات فرنسي مطلع على القضية – رفض ذكر اسمه حتى انتهاء التحقيقات – قدم لنا تحليلا كاملا للنقوش والكتابات المدونة على الشاهدة. كذلك الهدف منها وسر عدم استكمالها، وعلاقتها باللحظات الأخيرة في حياة توت عنخ آمون.
200 عاما على فك رموز «حجر رشيد»
يأتي هذا الجدل بالتزامن مع المئوية الثانية لفك رموز “حجر رشيد” وفهم اللغة الهيروغليفية بواسطة العالم الفرنسي “جان فرانسوا شامبليون” (1790 – 1832)وكان بعيدا عن الأذهان أن تثير كتابات حجر آخر هذا الجدل. ولكن هذه المرة ليست اكتشافا لكنها سببا لكشف عصابات تهريب آثار متعددة الأطراف، تورط فيها متخصصون ومشاهير، دور مزادات، خبراء، منسقون، متاحف دولية كبرى ومديريها.
وتم تفجير القضية قبل أسبوعين، بالقبض على “جان لوك مارتينيز”، مدير متحف اللوفر الفرنسي السابق في قضية تزوير تصريح خروج “شاهدة توت عنخ آمون” الجرانيتية من مصر.
على حد وصف الخبير الأثري، يوجد تشابه كبير بين كل من “حجر رشيد” وشاهدة “توت عنخ آمون” فكلاهما مرسوم ملكي، وعن تاريخ إصدارها، فإن شاهدة توت عنخ آمون أقدم من حجر رشيد بحوالي 1300 عاما.
ويوضح: “كانت نقوش حجر رشيد مرسوما ملكيا، وتم العثور عليه في ممفيس، عاصمة مصر القديمة، وترجع إلى الفرعون بطليموس الخامس في عام 196 قبل الميلاد. كذلك شاهدة توت عنخ آمون تعد أيضا مرسوما ملكيا”.
أهمية شاهدة توت عنخ آمون
أما عن أهمية الشاهدة، يصفها بأنها تعد استثنائية لأكثر من سبب، بدءا من أنها شاهدة لملك شهير مثل توت عنخ آمون، ثم العثور عليها سليمة بدون أية كسور وهو أمر غير معتاد بالنسبة لشواهد الملوك.
يظهر على الشاهدة الجرانيتية المنقوشة بدقة، قرص مجنح وملك مصري قديم يرتدي تاج المعروف باسم “خبرش” وهو عادة ما يكون باللون الأزرق، وكان يُستخدم لتصوير ملوك مصر القديمة أثناء المعركة.
وتصور الشاهدة الملك وهو يقدم قربان من النبيذ في مواجهة تمثال للإله أوزوريس. فيما يظهر في اليسار صورة أخرى له كأنها معكوسة في المرآة ويحمل عصا في يده ويحرك يده الأخرى كإيماءة للحديث.
يواجه الملك رئيس كهنة أوزوريس. ظهر الفرعون باعتباره الوسيط الوحيد بين الأرض والآلهة، وتم تمثيله مرتين، أولاً بتقديم القرابين والصلوات للإله العظيم أوزوريس إله العالم السفلي، ثم في هذه اللوحة المتناسقة، باعتباره يتلقى قرابين.
ويستكمل عالم المصريات في شرح الشاهدة: “لا توجد شاهدة يقدم فيها الملك قربانًا لإله من ناحية، ومن ناحية أخرى يتلقى نفس الملك شيئ آخر في المقابل”.
تحليل رموز الشاهدة
أما عن الكتابة المدونة عليها، تتكون النقوش الكتابية من 14 سطرا، يتضمن النقش الرئيسي التاريخ واللقب الملكي وسبب إصدار المرسوم الملكي.
ويتابع عالم المصريات: “هذه الأسطر يوجد لها كتابات مشابهة في مرسوم آخر، وهو مرسوم نوري للملك سيتي الأول، في أبيدوس”.
وفقا لمجلة “ساينس إي أفيني” الفرنسية، تشير هذه الكتابات إلى المكان الأصلي للشاهدة، ومن الممكن تحليلها لتحديد الأصل الجغرافي لها – الذي لا نعرف عنه شيئا حتى الآن – إلا أنها تم اكتشافها بواسطة حركة تفتيش أثرية.
ومن المرجح أن هذه الشاهدة تشير إلى آلهة أبيدوس –وهي إحدى مدن مصر القديمة، وتقع في جنوب مصر شمال الأقصر على الحدود مع الصحراء الليبية.
مرسوم غير مكتمل
كان تحدي فك رموز الشاهدة لا يقل عن تحدي شامبليون في فك رموز حجر رشيد. إذ تمكن عالم المصريات الفرنسي “مارك جابولد” من ترجمة ما كُتب على الشاهدة.
وكتب في بداية اللوحة: “العام التاسع – الشهر الثاني من موسم أخيت – الفيضان – اليوم 12″، ويُنسب هذا العام إلى العام التاسع من حكم الملك توت عنخ آمون، وكان العام الأخير في حياته أيضا بظروف وفاة غامضة.
بعد حسابات معقدة أجراها جابولد “اتضح أن التاريخ المدون على الشاهدة يوافق 27 أغسطس 1318 قبل الميلاد وفقا للتقويم “اليولياني” و15 أغسطس من العام نفسه وفقا للتقويم “الغريغوري” أو الميلادي المتبع حاليا.
ويتابع المصدر المطلع على دراسة الشاهدة، أن المرسوم على لوحة “توت عنخ آمون”، يثبت أن إصدارها تم قبل فترة تتراوح من 4 إلى 6 أشهر من وفاة الملك الشهير في بداية عامه العاشر من حكمه.
أي أنه تم العمل على المرسوم خلال الأشهر الأخيرة في حياته وكان النحاتون قد أنهوا نصف المرسوم فقط. ولكن تم الانتهاء منها كليًا بعدما ذاعت أنباء وفاة “توت عنخ آمون”. مما يعني أن الشاهدة تحمل نص غير مكتمل ونص آخر جديد.
ويتابع عالم المصريات: “هذا يفسر عدم اكتمال النص الرئيسي، وحقيقة أنه تم تأجيل استكمال الشاهدة من أجل إمكانية إعادة استخدامها، ولكن هذا الأمر لم يتم”.
هناك علاقة وثيقة بين قربان النبيذ الواضح في الشاهدة، وست إناءات نبيذ تم العثور عليها في مقبرة توت عنخ آمون، بوادي الملوك، والتي تمثل الحصاد الأخير لعهده.
لمن هذا المرسوم الملكي؟
يظل السؤال الرئيسي، “لمن كان هذا المرسوم؟”. يبدو أن الهدف من مرسوم “توت عنخ آمون” كان دينيا، وعلى حد وصفه هو مرسوم يهدف إلى حماية مؤسسة دينية من سوء المعاملة والاختلاس.
وكان المقصود بهذه الشاهدة، كاهن تابع لأوزوريس، سيد أبيدوس. ويضيف: “كان من الممكن أن تمدنا ظروف اكتشاف هذه الشاهدة في القرن العشرين بالمزيد من المعلومات عن تاريخها القديم”.
هذه ليست المرة الأولى التي تخضع فيها للدراسة، ولكنها المرة الأولى التي يتم تحليلها بشكل كامل.
وكانت قد خضعت الشاهدة للعديد من الدراسات الفردية وكان أبرزها المعلومات التي دونها عالم المصريات الشهير جان يويوت (1927 -2009) الأستاذ بجامعة فرنسا.
من بين هذه المعلومات، ملاحظات د. جان المدونة في عام 1998 في بازل بسويسرا، مما يستبعد احتمالية مغادرة اللوحة مصر بشكل غير قانوني في عام 2011، في أعقاب الربيع العربي. ولكن في الوقت نفسه، فهي موجودة بالفعل في أوروبا منذ فترة طويلة. ولكن ربما ليس في عام 1933 بواسطة ضابط بحرية ألمانية من مصر، كما أوضح.
تاريخ شاهدة توت عنخ آمون
ويقول عالم المصريات لـ«باب مصر» إنه تم اكتشاف الشاهدة الجرانيتية باللون الوردي، في أسوان، ويبلغ ارتفاعها 1.66 مترا، وكانت قد عُرضت في عام 2017 في متحف اللوفر أبوظبي بالعاصمة الإماراتية.
رغم اقتناء المتحف شاهدة توت عنخ آمون و4 قطع أثرية أخرى بمبلغ يزيد عن 50 مليون يورو، إلا أن للشاهدة القيمة الأكبر. ويوضح الخبير الفرنسي قيمتها بأنها محفورة بنقوش هيروغليفية دقيقة تشبه حجر رشيد الشهير.
لكن رغم أهميتها إلا أن شهادات المنشأ المزيفة أثرت على القيمة الأثرية الكبيرة للشاهدة، على حد وصفه.