حوار| «يوستينا فهمي»: نعيش في عالم من الوهم المريح
تتميز أعمال النحاتة الشابة يوستينا فهمي، الفائزة بالجائزة التشجيعية في مسابقة “آدم حنين” للنحت، بالحركة والفراغات الإنسيابية، وهو ما يظهر جليا في عملها الفائز “علاقات وهمية”. يوستينا مواليد الإسكندرية 1990، تخرجت في كلية الفنون الجميلة 2011 بتقدير عام امتياز، ثم حصلت على درجة الماجستير وتعمل حاليا بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
“آدم حنين” لم تكن المشاركة الوحيدة لـ«يوستينا»، بل شاركت في صالون الشباب، وأقامت العديد من الورش الفنية وحصلت على عدة جوائز.
متى كانت بدايتك مع الفن.. ولماذا اخترت مجال النحت على وجه الخصوص؟
اكتشفت موهبتي في الرسم خلال المرحلة الابتدائية، وزاد تعلقي بالرسم بشكل أكبر في المرحلة الثانوية، وهو ما جعلني اتجه للدراسة في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وبعد السنة الأولى من الدراسة بالكلية اخترت التخصص في النحت، وبرعت فيه وحصلت على تقدير امتياز في سنوات الدراسة الأربع، وحصلت في مشروع التخرج على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
أعتقد أن قدرة الفنان على تحويل الفكرة الموجودة في خياله إلى رسم، ثم إلى حيز مجسم يملئ الفراغ، ويراه الجميع ويلمسه، هو ما جعلني أتعلق بالنحت.
هل توجد خامات صعبة في التشكيل.. وأي منها تفضلين؟
ليس هناك خامة يصعب على الفنان التعامل معها، فكل خامة جمالها. عملي الأخير الفائز في مسابقة “آدم حنين” من البوليستر، وأنا أفضل استخدام النحاس والبرونز أيضا.
ماذا تقصدين بالشد الفراغي في عملك «يوستينا فهمي»؟
تأثرت كثيرا بمقولة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي “باختيارنا يمكننا أن نعيش في عالم من الوهم المريح”، وأقصد من عملي أن هناك علاقات وهمية تكمن في الشد الفراغي ما بين التشكيل والفراغ واللون.
وجاء العمل عبارة عن ثلاث قطع بينهم شد فراغي أو علاقات وخطوط وهمية، وفكرة العمل الرئيسية في خلق فراغ بين الجسم البشري والأشكال الهندسية، وكيف يمكن تكون علاقة ناجحة بين القطع الثلاثة، إضافة إلى اللون الذي تمثل في الأبيض والأصفر، ويمكن رغم هذه العلاقة الناجحة فصل كل قطعة من العمل ليكون تصميم مستقل، وهو ما يعني أن العمل قادر على خلق هذه العلاقات الوهمية.
لماذا تسيطر الفراغات في غالبية أعمالك الفنية؟
لدي ميول إلى إبداع قطع نحتية تتخللها الفراغات التي تمنح الشعور بالخفة والرشاقة، لكن ذلك الميل لا يعنى الاستغناء التام عن إنتاج وإبداع أعمال تعتمد على الكتل الثقيلة الصماء، برغم أن الكتل الصماء تعطي إحساس بالثبات، مثل التماثيل الفرعونية العظيمة، بينما الأعمال النحتية في الفن الإغريقي أو الروماني، فتظهر فيها الحركة بالرغم من أنها كتل صماء، مثل تمثال رامي القوص الذي يظهر فيه الإيقاع الذي يتشكل من خلال الجسم البشري، وهو ما تأثرت به كثيرا ويظهر في أعمالي.
من الفنانين الذين تأثرتٍ بهم؟
“كالدر بول، بيري جان، نعوم جابو، جون تانغلي، هنري مور”، ومن الفنانين المصريين الفنان العبقري محمود مختار، الذي حول الكتل الرزينة إلى أشكال هندسية رائعة، كما تأثرت ببراعة تصميمات الفنان الكبير جمال السجيني وخاصة في طرق النحاس.
برأيك لماذا لا تظهر أسماء فنانات مصريات في مجال النحت؟
أغلب الفنانات يبدعن في التصوير الزيتي أو الجرافيك، وأعتقد أن السبب في ابتعاد الفنانات المصريات عن العمل في النحت، لأنه شاق ويستلزم التواجد كثيرًا في الورش والمسابك، على عكس التصوير الزيتي أو الجرافيك الذي يمكن إنتاجه في أي مكان.
حدثينا عن تداخل الألوان في عملك “علاقات وهمية”؟
استخدام وإدخال اللون هو مشروعي الأحدث، الذي أعمل عليه مؤخرًا وينتمي له العمل الفائز، حيث بدأت في تجربة إدخال أكثر من لون في التمثال الواحد، وهي من التجارب الناجحة التي قمت بها، وبالطبع كل فترة قد تختلف رؤيتنا للأشياء وتكون هناك أفكار جديدة يجب تجربتها، ومع كل تجربة هناك نتائج تضاف إلى خبرتنا.
فهل هناك تأثير للتكنولوجيا الحديثة على إنتاجك؟
بالفعل يستخدم العديد من الفنانين والفنانات التقنيات الحديثة، سواء في الحفر أو التقطيع والتشكيل بواسطة الليزر، كما أن الأدوات المستخدمة في النحت تطورت بشكل كبير مستفيدة من التكنولوجيا، وأنا دائما أبحث عن كل ما هو جديد، والأدوات المتطورة توفر الوقت والجهد وتساعد في التشطيب النهائي لأي عمل، وأرى أن هذه الأدوات الحديثة بمثابة المساعد الشاطر للفنان، فبدل أن أقطع دائرة باستخدام اليدين، يتم ذلك بالليزر في سرعة وجودة، لكن يجب التأكيد على أن ذلك لا يخلق عملا فنيا تزهر فيه روح الفنان.
تنتمي أعمالك إلى التجريد، هل تلاقي التجريدية رواجا في مصر؟
أعمالي تجمع بين الكلاسيكية والحداثة، حيث ابدأ أعمالي بالتشريح ثم التجريد بعد مجموعة من الإضافات والتطوير حتى الوصول إلى الشكل النهائي، وهذا يتم خلال مراحل مختلفة، ولكل تمثال فكرته الخاصة، وقد تأخذني الفكرة إلى مجموعة من الأفكار والأعمال، وساعدت الميديا في تعريف الناس بالفن التجريدي ونجومه من الفنانين العالميين، وهو ما ساهم في عدم شعور المتلقي بالغرابة تجاه هذه المدرسة الفنية.
ماذا يحتاج جيل الشباب من الفنانين؟
برغم المعارض الفنية التي تقوم بدور المسوق والعارض لأعمالنا، إلا أننا نحتاج إلى رعاة متخصصين، وهو الشكل الذي يوجد في العديد من الدول، حيث يوفر الراعي الفني راتب ثابت للفنان، بالإضافة إلى توفيره للخامات اللازمة لإنتاج الأعمال الفنية، ويقوم بعد ذلك بعملية التسويق والبيع، ولأن العمل بالفن وخاصة في مجال النحت مكلف للغاية وخاصة على الشباب الذين أغلبهم غير متفرغ بشكل كامل للفن ويعمل في أعمال أخرى كي يستطيع كسب رزقه وتوفير ما يمكنه من الإنفاق على أعماله الفنية، لدرجة أن هناك شباب يتركون الفن بالرغم من موهبتهم، وهناك من يلجأ إلى استخدام خامات أقل جودة تشكل ضررًا على صحته حتى يوفر من التكلفة المادية.
من وجهة نظرك هل هناك داع لدراسة الفن بشكل أكاديمي أم الاعتماد على الفطرة والموهبة فقط؟
هناك الكثير من الفنانين الفطريين الذين لم يدرسوا الفن بشكل أكاديمي وأعمالهم عظيمة بالفعل، لكنى أرى أنه لابد من صقل الموهبة بالدراسة، حيث إن العلم يطور الموهبة وينير العديد من المناطق البعيدة في مخيلتهم.
ماذا عن خطط وأعمال «يوستينا» المستقبلية؟
استعد خلال الفترة المقبلة لتحضير رسالة الدكتوراه، وأتمنى دعم وتشجيع وإتاحة فرص أكبر للشباب في مجال الفن من خلال إقامة المسابقات الفنية والمعارض والتي تتيح لعدد أكبر من المشاركة والفوز.
اقرأ ايضا
16 تعليقات