حوار| ناصر سالم: أراجوز أنا.. إنما فنان
من مواليد الستينات، يعمل موظفا بالمركز القومي لثقافة الطفل، وخبير عرائس بالمعهد العالي للفنون الشعبية، ومخرج ومدرب ولاعب عرائس، ورئيس فرقة الأراجوز المصري والعرائس، عضو نقابة المهن التمثيلية (شعبة عرائس)، أخرج عددًا مميزًا من التجارب المسرحية الخاصة بالطفل، حصد العديد من الجوائز في مصر والدول العربية منها: جوائز من الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمركز القومي لثقافة الطفل، وجائزة أحسن عرض متكامل في المهرجان العربي الأمازيغى بالمملكة المغربية، كما شارك كمحكم في العديد من مهرجانات الطفل. إنه الفنان ناصر عبدالتواب سالم، أحد أهم لاعبي الأراجوز في مصر
متى بدأت العمل في مجال العرائس، ولماذا اخترت الأراجوز؟
تشكلت معرفتي الفنية بالعرائس وخصوصا فن خيال الظل وفن الأراجوز المصري بانضمامي لفرقة “الطيف والخيال” التي أسسها المخرج الراحل بهائي الميرغني، بالتعاون مع مصمم العرائس دكتور سعيد أبو رية، الذي بدأ مع بهائي رحلة البحث لكشف أسرار الأراجوز وفنياته وتكنيك أدائه، وكان معنا الفنان ناصف عزمي ومجموعة من الشباب، حيث ظللنا ما يقرب من أربعة أشهر نقرأ عن فن خيال الظل، كما تدربنا على تصميم وتصنيع عرائس خيال الظل وأيضا عرائس القفاز “الأراجوز”، وكانت تلك التدريبات تتم في شقة بهائي الميرغني، ثم بدأت بشكل شخصي التردد على شارع محمد علي لأقابل لاعبي الأراجوز الشعبيين وأتعرف عليهم كي أتعلم منهم، وذلك من خلال قيامي بتسويقهم لعمل أعياد ميلاد أبناء أصدقائي، فقد كنت أذهب معهم لكي أشاهدهم عن قرب كي أتعلم، وبالفعل تعلمت استخدام “الأمانة” وهي قطعتين من المعدن بينهم شريط قطني مشدود يشبه الوتر وعند دخول الهواء يخرج صوت الأراجوز النحاسي الساحر، وكان ذلك على يد لاعب أراجوز شهير اسمه سيد صابر.
من هم أشهر لاعبي الأراجوز في مصر من وجهة نظرك؟
بالطبع يأتي على أول القائمة الفنان الرائع عمنا المبدع محمود شكوكو الذي استطاع في الأربعينيات أن يلعب الأراجوز ويجعله في المقدمة، ومن الذين قابلتهم عم عطية أحد صناع شخوص الأراجوز، وأيضا أحد صناع الأمانة وعم صابر المصري شيخ لاعبي الأراجوز، وعم سيد صابر لاعب الأراجوز الشهير، وعم أحمد زوربا لاعب أراجوز وهو من قام بتسجيل صوت الأراجوز في أوبريت الشاعر الكبير صلاح جاهين الليلة الكبيرة وسافر أيضا مع الفنان القدير صلاح السقا في رحلة لأمريكا في السبعينيات لتقديم عروض لفن الأراجوز المصري هناك، وعم صابر شيكو لاعب أراجوز المحترف وصاحب الأداء المستقل والمتفرد.
لماذا لا توجد لاعبات أراجوز من السيدات؟
للأسف لم أشاهد لاعبة أراجوز!! و لم اقرأ حتى عن سيدات عملن في هذا المجال، وأعتقد أن السبب في ذلك هو أنها مهنة مركبة تحتاج مهارات عديدة، تتم من خلال خطوات يتدرج فيها اللاعب إلى أن يصبح أراجوز، حيث يبدأ منذ تجهيز عرض النمرة أمام الجمهور وتجهيز البرافان ورص عرائس النمرة، إلى أن يلعب دور (الملاغي) وهو الشخص الذي يقوم بالعزف على الطبلة ويقوم بالرد على الأراجوز، فهو حلقة الوصل بين الأراجوز وبين الجمهور، إلى أن يصل ليكون لاعب أراجوز، وبالطبع كل تلك الخطوات لابد فيها للصبي المتدرب أن يكون ملازم للاعب الأراجوز الذي يجوب ويتنقل بين كثير من القرى والمدن، ولهذا كانت المهنة تتوراث على ما أعتقد بين الرجال.
هل هناك مواصفات يجب أن تتوافر في لاعب الأراجوز؟
بالطبع هناك مواصفات خاصة وعلى رأسها أن يكون اللاعب خفيف الدم، لديه أذن موسيقية وتوافق بدني وعصبي، لماح ويستطيع التحدث بلباقة، ولديه وعي في اختيار الألفاظ وخاصة المقدمة للأطفال، ولديه قدرة على الارتجال.
بعد أن تعلمت فن الأراجوز متى احترفت هذا العمل؟
كانت بداية الاحتراف عندما طلب مني أستاذي وصديقي مصمم الديكور والملابس الفنان فادي فوكية، مقابلة الدكتور كمال الدين حسين في مسرح السلام كي أقوم بتصميم وتحريك عرائس القفاز وخيال الظل في مسرحيته (حكايات حارتنا) وهذه المسرحية كانت أول تصريح نقابة لي وبداية دخولي عالم الاحتراف، الذي انطلقت فيه كلاعب أراجوز ومحرك عرائس، ثم عملت مع المخرج مراد منير وفرقة الفنانين المتحدين في مسرحية (اتنين في قفه) وبعده مع مخرجين بالتليفزيون المصري وصوت القاهرة وقطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج الإعلامي، وأصبح اسمي كلاعب أراجوز ومحرك عرائس معروف في الوسط الفني على مستوى مصر والدول العربية.
وماذا عن فرقة الأراجوز المصري التي تترأسها الآن؟
قرأت عن مسرح الجريدة الذي كان يقدم في الاتحاد السوفيتي السابق، وأيضا عن مسرح الشوك في لبنان، وأصبح لديّ قناعة أن المسرح يجب أن ينزل للناس ويقدم عروضه في الشارع والساحات، وفي عام 2006 وافقت على طلب صديقى الراحل حمدي القليوبي أن أتقدم بمشروع لتكوين فرقة دائمة للعرائس بقصر ثقافة العمال بشبرا الخيمة، وبالفعل كونت مع بعض أصدقائي في شبرا الخيمة (فرقة الأراجوز المصري والعرائس)، وقدمنا التجربة الأولي عرض (المواطن المصري)، من اعدادي وإخراجي، واشتركت بها في مهرجان (زفتي) ومهرجان (الإبداع المسرحي بميت غمر ) وحصلنا علي جوائز في الإخراج والعرض والتمثيل، وكان هذا حافزا قويا للاستمرار، وقدمنا تجربة (المواطن المصري 2) كإنتاج أول نادي مسرح بقصر ثقافة العمال بشبرا الخيمة، وتم اعتماد الفرقة بقرار من رئيس الهيئة، بعد أن تم اعتمادي مخرجا معتمدا بالثقافة الجماهيرية سابقا، ثم انتقلت إلى إخراج أعمال مسرحية عرائسية للأطفال مع فرقة قصر ثقافة العمال بشبرا الخيمة، وشاركت الفرقة في العديد من المهرجانات داخل مصر وخارجها، حيث تجولنا في مختلف المحافظات، وفي عام 2011 بدأت الفرقة تشارك في مهرجانات في المغرب والكويت والجزائر وغيرها، وكان آخرها المشاركة بمهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس في دورته الأولى.
كيف يتم المزج بين الأراجوز وأشكال العرائس الأخرى في عروض الفرقة المسرحية؟
الهدف وراء العروض المسرحية التي تقدمها الفرقة هو تقديم عروض تربوية للأطفال باستخدام عروسة الأراجوز مع وجود أنواع العرائس الأخري مثل، الماريونت وعرائس العصا والمسرح الأسود، وذلك من خلال الاعتماد علي نص مكتوب ومسجل عليه المسرحية بطريقة (البلاي باك) ومناقشة ما دار في المسرحية من خلال عروسة الأراجوز بشكل مباشر مع الأطفال بحوار مرتجل أو ما يسمي المسرح التفاعلي، حيث إن الأراجوز هو من يتكلم ويتفاعل ويناقش الأطفال في ما قدمته العرائس الأخرى من قصة أو حكاية تمثيلية درامية قدمت إليهم ومناقشة السلبيات والإيجابيات.
وماذا عن العقبات التي تواجه الفرقة، وهل قدمتم عروض بالمدارس؟
تواجه الفرقة للأسف عقبة كبيرة وهي عدم وجود ميزانية أو اعتمادات مالية للإنتاج، وتنفق مخصصات الفرقة المالية على البروفات والعروض فقط، وقد قدمنا بعض العروض في بعض المدارس لكن تواجهنا مشكلة في عروض المدارس أو الشارع وهي عدم توفر أجهزة صوت جيدة، وهو ما لا نستطيع توفيره.
كيف يقابل الجمهور العربي الأراجوز ؟ وخاصة الأطفال؟
الأراجوز المصري شهير جدا في الخارج، وبالرغم من بساطة العروسة الأراجوز فإن اللون الأحمر الذي يشتهر به رداء الأراجوز يجذب الأطفال، ناهيك عن الصوت الساحر المميز للأراجوز، وتدهش “الأمانة” أو زمارة الأراجوز التي يخرج من خلالها ذلك الصوت النحاسي الساحر جميع مشاهدي عروض الأراجوز سواء كان المشاهد عربي أو أجنبي، كما أن الأراجوز يعتمد على الحركة التي تحمل إشارات ودلالات تكون في الغالب مفهومة لدى كافة البشر بجانب الغناء والموسيقى.
من وجهة نظرك كيف تم توظيف الأراجوز في الأفلام السينمائية؟
عبر الشاعر الكبير سيد حجاب في أغنية الأراجوز في فيلم (الأراجوز) للمخرج هاني لاشين عن دور الأراجوز ومهمته فيقول: أراجوز.. وشجيع.. والدنيا ميدان، فارس.. حارس.. واقف ددبان، وإذا بان للشر نيبان وزبان باحمي الغلبانة والغلبان، وشجاعتي ماهياش في الطاخ طيخ، دي شجاعة تفكير وتماخيخ، الأرض أضربها تجيب بطيخ، بذكاوتي وأخلي الخلا بستان.
الأراجوز ضد كل ما هو فاسد سواء سياسي أو اجتماعي، وفي فيلم (الزوجة التانية) استخدمه صلاح أبوسيف لتقديم الحل لبطلة الفيلم، أما في فيلم المماليك كان استخدام الأراجوز في شكل مغاير، حيث كان الحاكم التركي يرى الأراجوز كأنه يحاول السطو على كرسي الحكم، فأمر بقطع رأس الأراجوز، وهناك العديد من المسلسلات مثل، مسلسل الثائرون نياما قدم الأراجوز المحرض على الثورة، ومسلسل حارة المعز، للمخرج إبراهيم الشوادي كان الأراجوز هو الذي يفضح الفاسدين في الحارة، وفي النهاية يمكن للفنان أن يحمل الأراجواز أي مضامين ورسائل يريد أن تصل للجمهور.