حوار| عالم الآثار الباكستانية سليمة إكرام: سر تحنيط المصريين للحيوانات
حبها للحضارة المصرية منذ زيارتها إلى مصر للمرة الأولى في سبعينات القرن الماضي، كان سببا في أن تصبح رائدة في مجال «مومياوات الحيوانات» وعلم المصريات، إنها الدكتورة سليمة إكرام، أستاذ علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وعضو فريق علماء الآثار، التي يرجع إليها الفضل في العديد من الاكتشافات الأثرية في مصر، مثل إجراء الدراسات العلمية والأشعة السينية لملايين مومياوات الحيوانات والطيور المكتشفة في مصر، واكتشاف 300 قطعة أثرية من الجلد لعربة قديمة، والعديد من الدراسات المتعلقة بالاكتشافات الأثرية في مصر.
تتحدث عالمة المصريات الباكستانية والخبيرة الرائدة في مومياوات الحيوانات د.سليمة إكرام لـ«باب مصر» في حوار خاص، تكشف فيه سر حبها لمصر وعملها الآخر بخلاف الآثار، على دمج الثقافتين المصرية والباكستانية وما يحتاجه الشباب للتخصص في مجال المصريات والنجاح فيه، وإلى نص الحوار..
من مصر إلى باكستان.. حدثينا عن سر حبك لمصر؟
مصر بلد رائعة، ومصر القديمة أكثر جمالا وروعة، كنت محظوظة جدا عندما زرت مصر لأول مرة وأنا في التاسعة والنصف من عمري، برفقة والدي للقيام ببعض الأعمال في مصر، وانتهزت الفرصة حينها لرؤية المعالم الأثرية الرائعة برفقة أصدقاء والدي المصريين.
وتعرفت خلال الزيارة على الشعب المصري الرائع أيضا، وأرى وجود الكثير من أوجه التشابه بين مصر وباكستان، لذلك شعرت أنني في وطني خلال وجودي في مصر، رغم مرور سنوات طويلة على هذه الزيارة لكن مقابلة المصريين لنا بترحاب شديد واتسامهم بالود، الكرم والدفء ضاعفت حبي لمصر.
هل هذه الزيارة كانت سببا في أن تصبحي عالمة مصريات؟
إلى حد كبير، نعم، لأن من الأشياء المفضلة لدي في مصر هي مصر القديمة وذلك بعدما شاهدت تمثالي «مرنبتاح ونوفرت» وعندما رأيتهم اعتقدت انهم أناس حقيقيون وأردت معرفة كل شئ عنهم، وحبي لها ساعدني على التخصص في مجال علم المصريات.
باعتبارك رائدة اكتشاف مومياوات الحيوانات.. حدثينا عن دورها في الثقافة المصرية؟
قام قدماء المصريين بتحنيط الحيوانات، نظرا لأنها لعبت دورًا مهمًا في الثقافة المصرية، ليس فقط كغذاء ومصدر للمواد الخام وكحيوانات أليفة، ولكن أيضًا لأسباب دينية، تم تحنيطهم عادةً لأربعة أغراض رئيسية: السماح للحيوانات الأليفة المحبوبة بالذهاب إلى الحياة الآخرة، وتوفير الطعام في الحياة الآخرة، والعمل كقرابين لإله معين، ولأن البعض كان يُنظر إليه على أنه مظاهر جسدية لآلهة معينة مثلها المصريون.
هل يعد اكتشاف 8 ملايين مومياء حيوانية أمرا غريبا؟
لا، تم تحنيط الحيوانات من جميع الأنواع ودفنها في جميع أنحاء مصر، وتم العثور على الملايين من طيور أبو منجل والجوارح والتماسيح والكلاب والقطط مدفونة في مقابر الحفرة وسراديب الموتى، ويلقي هذا الضوء على الممارسات الدينية المصرية القديمة، وتكنولوجيا التحنيط، والتجارة، والاقتصاد، والعلوم البيطرية، والبيئة، والعلاقة المعقدة بين الإنسان والحيوان، وتكمن أهمية مومياوات الحيوانات في مصر بخلاف أنها قرابين للآلهة، لكنها توضح الطريقة نفسها التي يتبعها المصريون حاليا بنفس الطريقة التي يحب الناس إضاءة الشموع في الكنائس حتى تصل الصلوات إلى الله، أو عندما يقدمون تضحيات مثل ذبح خروف حتى يبارك الله مسعى الشخص.
ولماذا قاموا بتحنيط هذا الكم الهائل؟
العدد الكبير للمومياوات الحيوانية يعد دليلا أن تحنيطها لم يقتصر على الملوك أو الأغنياء فقط، بل شمل العامة أيضا، ومن الواضح أن كل الناس في مصر القديمة أرادوا تقوية علاقتهم مع الإله، لذلك قدموا الكثير من القرابين والتي تدل على عدد صلواتهم أيضا.
ما سبب تخصصك في دراسة مومياوات الحيوانات؟
أعتبر خبيرة رائدة في مومياوات الحيوانات، ودراستي لها جعلتني مؤسسة لمشروع (الحيوانات المحنطة) في المتحف المصري بالقاهرة، وأردت من خلال دراستها تسليط الضوء على عالم مومياوات الحيوانات غير المعروف، وبرزت كواحدة من العلماء البارزين في علم الآثار الجنائزية المصرية، من خلال الجمع بين الاهتمام بالماضي وفهمه مع شغف الحفاظ عليه للمستقبل.
وحرصت على توثيق هذه الدراسات والأبحاث في عدة مؤلفات وكتب مثل كتاب «المخلوقات الإلهية» وكتاب «المومياء في مصر القديمة» وكتاب «مقابر مصر القديمة» وكتاب «الموت والدفن في مصر القديمة» فضلا عن عدة مؤلفات للأطفال والعديد من المقالات والأبحاث المنشورة.
رافقتي مورجان فريمان في فيلمه الوثائقي في مصر.. هل تعتقدين أننا نفتقد الإنتاج المصري التوعوي بالآثار؟
في الحقيقة أعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من الأفلام الوثائقية ولكن تكون متوفرة على التلفزيون المصري، وليس من الضروري أن يكون إنتاجا وطنيا، سواء كانت من إنتاج أجانب أو مصريين، لا يهم، الشيء المهم هو أن يكون العمل مقدم باللغة العربية أو مترجما باللغة العربية لمعرفة المصريين المزيد عن ثقافتهم في مصر والشعور بالفخر بها.
في رأيك.. لماذا مازالت معظم الاكتشافات الأثرية في مصر لعلماء مصريات أجانب؟
أحد الأسباب التي تجعل المصريين يعزفون عن دراسة علم المصريات هو أنهم يعتقدون أن هناك مجموعة محدودة من الوظائف التي يمكنهم القيام بها، تعد السياحة وصناعة السياحة بالطبع أحد المجالات الكبيرة التي يمكن للناس العمل فيها، بالإضافة إلى مكان آخر حيث يمكن لهم العمل في وزارة الآثار، وهناك أيضًا بعض المنظمات غير الحكومية حيث يمكن للناس العمل وأيضًا منظمات مثل اليونسكو.
وأنصح كل مصري أنه إذا حصل على شهادة في علم المصريات بدرجات جيدة، عليه إتباع شغفه في المجال والاستمرار في الدراسات العليا ومن شأنها أن تجعله عالم مصريات شهير.
ماذا عن التجربة الشخصية للدكتورة سليمة إكرام كعالمة مصريات أجنبية؟
أنا سعيدة جدا، لأنه بسبب تخصصي أصبح لي دورا آخر وهو الربط بين الثقافتين المصرية والباكستانية، وذلك بسبب التغطية المتزايدة لمصر القديمة من خلالي كباكستانية، وأصبح المزيد و المزيد من الشباب وكبار السن في باكستان يهتمون بتاريخ مصر القديمة، وليس العهد القديم، ولكن آثار مصر بشكل عام ذات التاريخ العريق الذي يمتد لأكثر من 5000 عام، وهي غنية بآثار العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية والحديثة.
اقرأ أيضا
أثريون غاضبون بعد فتوى «الشيخ كريمة»: كل ما يخدم العلم.. هو حلال