حوار| الدكتور أحمد ذكي مؤلف كتاب الأناركية: وباء كورونا يتشابه مع الكوليرا قديما
يرى الدكتور أحمد ذكي أحمد، طبيب ومترجم وله العديد من المؤلفات في القطاع الصحي، أن فيروس كورونا المنتشر حاليا يتشابه مع موجة وباء الكوليرا التي بدأت عام 1828 ووصلت لأوروبا.
ويضيف ذكي في حواره لـ”باب مصر” أن الأطباء لم يعرفوا طبيعة سلوك الفيروس ولا كيفيه انتشاره، بل يواجهونه بالعزل والنظافة وربما عقاقير تجريبية وتنفس صناعي، وإلى نص الحوار.
هل عملك في الطب دفعك إلى ترجمة الكتب الخاصة بالقطاع الصحي؟
دراستي ومهنتي كطبيب كانت أحد أسباب اهتمامي بهذه النوعية من الأدبيات، بل ربما اهتمامي ودفعني للترجمة والتأليف والنشر في هذا المجال هي الخمسة عشر سنة الأخيرة قبل تقاعدي، التي عملت فيها بديوان عام وزارة الصحة المصرية كأحد الأطباء المشرفين على تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية في أنحاء مصر.
ومنحتني هذه الوظيفة فرصة استثنائية لألمس عن قرب معيشة المصريين في الريف والحضر والصحراء من الإسكندرية إلى أسوان ومن رفح إلى السلوم، هذه الوظيفة جعلتني أنتبه كثيرا إلى ما يُسمى بالمحددات الاجتماعية لحالة المرضى، بمعنى توزيع انتشار المشاكل الصحية بين فئات السكان الاقتصادية والاجتماعية والعمرية والنوعية.
وقدمت للمكتبة العربية عدة أعمال من تأليفي وترجمتي في مجالات إنسانية شتى، لكني قدمت في مجال الصحة العامة وتاريخ الطب العديد ومنها ترجمة لكتب: “أرواح في خطر، إصلاح حقيقي لقطاع الرعاية الصحية، مرشدك للأنصاف وتحسين الأداء، امتياز بثمن مقبول، قصة النظام الصحي في سنغافورة، كيف تبني وتدير نظام صحي مستدام”، وغيرها.
وكذلك تأليف كتب، “تقرير صحة المراهقين في مصر: تحليل الوضع والاستجابات 2011″، “هيكل أجور عادل للفريق الصحي في مصر”.
هل يتقمص المترجم شخصية الكاتب أثناء الترجمة؟
هذه إشكالية كبيرة في ميدان الترجمة، أين يبدأ عمل المترجم؟، وأين ينتهي مع أي مُؤلَّف؟، على المترجم أن يجيد لغته الأصلية أولا مع إجادته اللغة التي يترجم عنها.
ومترجمو الأعمال الأدبية كالرواية والشعر يجدون مشقة أكبر في الإجابة على سؤالك هذا، هل الشاعر هو الأقدر على ترجمة الشعر؟، إذا كان المترجم متخصص فيما يترجمه، فهي ميزة تحسب له، وربما تبدو مهمة مترجمي الأعمال العلمية أسهل بالمقارنة، ولكنها مع ذلك لا تخلو من إشكاليات مثيلة من المصطلح العلمي وترجمته، وقدرة اللغة الأم “العربية” على هضم ومتابعة التطورات العلمية، خاصة وأن قدر مساهمتنا كناطقين باللغة العربية محدود فيما هو جاري من تحديث للعلوم بوتيرة سريعة.
الترجمة في الأساس عملية إعادة كتابة، تنقل روح النص وكل ما يتضمنه، لكنها تبقي عملًا إبداعيًا خالصًا، في إطار هذا المنتج الإبداعي هل قمت بتغييرات على النص الأصلي؟
تحت أي شرط عدم نقل المُترجِم لأفكار ووجهة نظر مؤلف العمل كاملة وبأمانة، بترها أو تشويهها أو إغفالها بسبب تعارضها مع أفكار ومعتقدات المُترجِم سواء الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، هي بمثابة جريمة مشينة وأمر لا يمكن فهمه.
ماذا عن النص الأصلي لكتاب “أرواح في خطر” الذي يؤرخ للصحة في مصر؟
الكاتبة “كونكه” مؤلفة النص الأصلي تتميز بروح إنسانية أصيلة، وتفوق أكاديمي واضح، كذلك تمتلك ثقافة عميقة ومعارف بالعديد من المجالات الأكاديمية، واستطاعت بإحكام ودون تنطع أو غرق في تفريعات أن تقودنا بمهارة خلال بحثها لنتعرف على كل العوامل والمؤثرات التي دخلت على حياة المصريين في القرن التاسع عشر وليس فقط تأثير ممارسات الطب الغربي الحديث في زمانه.
أما كيف حافظت أنا على نقل وبقاء روح النص، فحاولت قدر طاقتي وإمكانياتي أن أكون مثلها، إنسانيا عن حق، وأتزود بالمعارف حول جوانب الموضوع قدر الإمكان، وفي النهاية الحكم للقارئ.
ترتكز الانثروبولوجيا الطبية على دراسة أثر الثقافة على الصحة والمرض، من خلال ترجمة أرواح في خطر، هل تعتقد أن تمثلات المصريين حول المرض والتدين لم تتغير عما طرحته لافيرون كونكه والآن مع كورونا؟
تسرد علينا “كونكه” رواية تفصيلية لمواجهة الإنسان وباء الكوليرا شبيه الآن مع كورونا، وقف علم الطب – الأوروبي وقتها – عاجزا، رغم التقدم الظاهر الجاري طوال القرن الثامن عشر والذي بلغه في الربع الأول من القرن التاسع عشر في مجال علوم التشريح والتغيرات التي تحدث بسبب المرض في أعضاء الجسم وأنسجته (الباثولوجي) والتشخيص والتسجيل الطبي بالمستشفيات.
وهي موجة وباء الكوليرا التي بدأت عام 1828 وصلت إلى أوروبا قلب العالم مثل كورونا بسبب ثورة النقل البحري، لم يكن الطب وقتها قد اكتشف الجراثيم المسببة للمرض، كما لم يكن قد اكتشف بعد المضادات الحيوية كعلاج، ولهذا لم تكن تدابير مواجهة الوباء التي اقترحها الطب الحديث وقتها سوى إنشاء المعازل “الحجر الصحي” والنظافة.
وفيروس كورونا لا يعرف مراكز الطب العالمية المتقدمة طبيعة سلوكه، ولا كيفية انتشاره يقينا، وهكذا هو دون علاج ولا تطعيم ولا يقترح الطب حاليا لمواجهته سوى العزل والنظافة وربما زاد بالتنفس الصناعي وعقاقير تجريبية.
بم تفسر ندرة الدراسات المصرية الخاصة بتاريخ الصحة في مصر خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟
تاريخ الصحة أو تاريخ الطب هو تخصص أكاديمي وقسم موجود في كليات ومدارس الطب والصحة العامة بجامعات العالم المتقدم، ولكنه غير موجود في الجامعات المصرية سواء في كليات الطب أو أقسام التاريخ بكليات الآداب.
عن الطبيب
الدكتور أحمد ذكي أحمد، من أهم المترجمين المصريين الكبار، الذين أثروا المكتبة المصرية بالعديد من المؤلفات الإبداعية ترجمة وتأليفًا لاسيما في الطب والانثربولوجيا الطبية، إضافة إلي أن له العديد من المؤلفات والترجمات في الإنسانيات، مواليد القاهرة 1956، خريج القصر العيني 1982، عمل بوزارة الصحة حتى أصبح مدير عام إدارة الرعاية الصحية لأطفال السن المدرسي، وأحيل للمعاش عام 2016.
ومن مؤلفاته “الأناركية، المدرسة الثورية التي لم نعرفها”، وترجم “الدولة ودورها في التاريخ”، و”القومية والثقافة”، “الدَيْن والخمسة آلاف سنة الأولى” و”المعونة المتبادلة أحد عوامل النشوء والارتقاء”.
2 تعليقات