حوار| الفنان التشكيلي عمر الفيومي: المقهى حياة اجتماعية متكاملة في مصر
افتتح أمس الأربعاء، الفنان التشكيلي عمر الفيومي، معرضه الجديد «وجوه ومقاهي» بجاليري بيكاسو، الذي يضم مجموعة من اللوحات المعبرة عن الوجوه والمقاهي، فضلا عن رسومات تمثل بورتريهات الفيوم.. «باب مصر» أجرى معه حوارا على هامش افتتاح معرضه الجديد.
متى ظهرت موهبة الفيومي في الرسم؟
بدأت الرسم عندما بدأت الكتابة، وخلال مراحل عمري المختلفة لم أتوقف عن الرسم. كان أبي يرغب في إلحاقي بكلية الهندسة. لكني التحقت بكلية الفنون الجميلة، وطوال الخمس سنوات الدراسية كنت من الطلبة المميزين. وبعد التخرج قمت بعمل العديد من المعارض الفنية المشتركة مع الأصدقاء بالدفعة. وبعدها في عام 1986 سافرت إلى الاتحاد السوفيتي حتى عام 1993.
وماذا أضافت لك دراستك في أكاديمية الفنون بروسيا؟
سافرت إلى روسيا لتكملة دراستي في التصوير الجداري. وكان من حسن حظي أني تتلمذت على يد واحد من أشهر الفنانين الروس هو “أندرية أندريڤيتش ميلنكوف”. وقام هذا الفنان بعمل عظيم حيث جمع الفنانين وطلبة أكاديمية الفنون إبان الحرب العالمية الثانية. وقاموا برسم المباني التاريخية القديمة بمدينة لينينغراد، التي كانت محاصرة وقتها، بنفس الألوان والتصميمات، خوفا من تعرضها للتدمير وقت الحرب. وتم حفظ تلك الأعمال في بدروم الأكاديمية، بهدف إعادة أي مبني يتم تدميره إلى شكله الأصلي من جديد.
ولا أنسى أن هذا الفنان العظيم قال عني أمام زملائي: “أنتو قدام شخص أتي ليتعلم عندنا، لكن المفروض نحن من نتعلم منه لأنه مصري”، وتكلم كثيرًا عن الحضارة المصرية القديمة.
وهل كانت تجربة السفر مفيدة لك على الجانب الفني والإنساني؟
بالطبع كان السفر لروسيا نقلة كبيرة لي. فقد كان بمثابة عالم سحري مختلف من حولي، بشر ولغة وثقافة جديدة مختلفة. لكن كان الأهم هو عظمة وروعة المدينة التي كنت أعيش فيها وهي لينينغراد، والتي أعتقد أنه تم تأسيسها عن حب. والأجمل أن تجد في كل مكان بها التماثيل والمتاحف الفنية، لذا كان يطلق عليها “المدينة المتحف”. وقد استفدت من هذه الأجواء حيث كنت أمضي وقتي ما بين تعلم اللغة والرسم. وبالفعل أنتجت مجموعة كبيرة من اللوحات مازلت محتفظ بها إلى الآن.
لكن بالرغم من كل الجمال الذي كان حولي بالمدينة الروسية. كنت أحمل بداخلي إرث كبير عمره آلاف السنين، من حضارة وفن، ومخزون بصري ووجداني هائل من الصور لشوارع القاهرة، وناسها وحواريها ومقاهيها، وكل ذلك انصهر بداخلي مع دراستي بروسيا.
وماذا فعلت فور عودتك من روسيا؟
بدأت العمل على موهبتي ولم أتوقف. نفذت العديد من المعارض الفنية سواء كانت فردية أو جماعية وتقريبًا حتى الآن يتم ذلك بشكل سنوي، وأتمنى ألا يتوقف إنتاجي الفني، لأني أعشق الرسم.
لوحاتك تعبر دائما عن الشارع المصري ومفرداته وشخوصه فهل اخترت هذا الخط الفني أم ماذا؟
منذ صغري وأنا مولع بمشاهدة ومراقبة من حولي في الشارع، من ناس ومقاهي طريقة جلوسهم، ماذا يفعلون، كنت أجلس في بلكونة منزلنا في الطابق الأول بمنطقة بين السرايات، أشاهد المارة والمنازل من حولي. وكنت دائما ومازلت مهتمًا بقضايا مصر والشارع المصري والناس.
وماذا عن ولعك وشغفك ببورتريهات الفيوم؟
بدأ تعلقي بوجوه الفيوم أو ما يطلق عليها بورتريهات الفيوم، منذ كنت طالبًا في كلية الفنون الجميلة. فقد كنت معتادًا على زيارة المتحف المصري، والتجول ما بين آثاره العظيمة. شدتني كثيرًا القاعة التي كانت بها عرض لبورتريهات الفيوم. ثم أصبحت عادة لدي حيث يكون الختام بعد انتهاء جولتي في المتحف الصعود لرؤية وجوه الفيوم والمكوث أمامهم لبعض الوقت.
وعندما سافرت إلى روسيا وشاهدت هناك الأيقونات وعملت في ترميم الكنائس وتعلمت الكثير. أهداني أحد الأصدقاء كتاب أو كتالوج يضم صورا للعديد من وجوه الفيوم. وكنت أذهب كثيرًا إلى متحف موسكو لأقارنها بالبورتريهات الحقيقية الأصلية الموجودة هناك.
وبعد أن عدت إلى مصر لمعت بداخلي التجربة، ومحاكاة بورتريهات الفيوم العظيمة. ومن شدة تفكيري في التجربة لاحظت أن العديد من وجوه البورتريهات، يسيرون من حولي وأراهم سواء من الأصدقاء، أو في الشارع أو حتى في الأتوبيس. حتى أن العديد من الأشخاص كان يستنفر أو يستغرب أني أحدق في ملامحه كثيرًا دون أن أعرفه. وأرى أننا لم ننفصل عن القديم والتشابه لازال موجودًا. وفي عام 1997 عملت معرضًا كاملًا لوجوه تشبه بورتريهات الفيوم.
وهل تستخدم نفس الخامات، أو تعتمد نفس الأسلوب الذي كان يستخدمه الفنان المصري القديم في رسم البورتريهات؟
لا، أنا استخدم منطق مختلف، فمن حيث الألوان استخدم الألوان الزيتية والأكريلك. أما الفنان المصري القديم فكان يستخدم الألوان الشمعية، والأكاسيد الطبيعية. كما أني أضفت للبورتريهات أشياء أخرى في لوحاتي مثل الورود والألوان الزاهية، ونوعت في مقاساتها. عكس الحقيقية التي كانت تعتمد على وجه الشخص فقط دون أي إضافات.
كما أني ارسم البورتريهات الآن من منطق جمالي فقط. أما المصري القديم بجانب الشكل الجمالي كان الهدف من رسمها وضعها على تابوت الشخص الذي في الصورة بعد وفاته. كي تتعرف روح المتوفى عليه، وأنا اعتبر أن بورتريهات الفيوم هي عصر النهضة الحقيقي.
إلى ماذا ترمز المرأة في لوحات الفيومي؟
المرأة رمز للجمال في الطبيعة، وهي الكائن الأجمل. حتى في معظم الكائنات الأنثى هي الأجمل، لذلك توجد نساء في أغلب لوحاتي، والفن في النهاية حالة جميلة.
وما الذي جذبك في رسم المقاهي؟ ومتى بدأ هذا الشغف؟
بدأ شغفي بالمقاهي أو عالم المقهى منذ أن كنت صغيرا. فقد كان والدي يصطحبني في جولة أحيانا في الشوارع. وأتذكر وقتها رغبتي في أن أجلس على أي من تلك المقاهي، لكن والدي كان يرفض ويقول لي “عندنا بيتنا”. إذ كان من الرجال الذين لايفضلون الجلوس على المقاهي. وعندما كبرت وبدأت أخرج وحدي وأنا في الدراسة بالمرحلة الإعدادية، جلست على الكثير من المقاهي في أماكن مختلفة.
بالنسبة لي “القهوة” في مصر على وجه الخصوص، هي من أهم الأماكن الاجتماعية في مصر. فيها تتم المقابلات بين الأصدقاء، وعقد الصفقات. وتناول كافة المواضيع الحياتية. وهناك من يجلس عليها للتأمل وتناول كوب من الشاي، أو للراحة ما بين مشوار والآخر، أو انتظار موعد ما، وتحدث بها المشادات والخناقات.
وأرى أن المقاهي في مصر لها شكل وطابع مختلف. فقد جلست على العديد من المقاهي خارج مصر، حيث لا يتعدى الجلوس على المقهى سوى تناول مشروب فقط دون أي ارتباط اجتماعي بين روادها. حتى لو ذهبت بشكل يومي لن ترى اهتمام الزبون الدائم. أما في مصر ففور جلوس زبون المقهى الدائم يأتي له “القهوجي” بطلبه المعتاد قبل أن يطلب.
وما دلالة رسم كراسي المقهى شاغرة في بعض لوحاتك؟
أرى أنه عندما اخترع الإنسان الكراسي، كان يقصد بها أن يرتاح عليها. لكن الكراسي الشاغرة تجعلني أتساءل دائما وأفكر في من صنعها وصممها، أو في الأشجار التي تم اقتطاعها منها، أو في الأشخاص الذين جلسوا عليها كثيرًا ورحلوا، والحوارات التي تمت أثناء الجلوس عليها وانتهت.
بمن تأثرت من الفنانين المصريين؟
أحببت جميع الفنانين المصريين الأوائل، وهناك العديد من الفنانين الحاليين استمتع كثيرًا بمشاهدة أعمالهم ومتابعتهم. لكنى تأثرت كثيرًا بكل من: الفنان الكبير “حامد ندا”، والفنان “وليم اسحق” وهو في نظري فنان عظيم وبمثابة أبي الروحي. وله العديد من المواقف معي التي تعلمت منها سواء في الفن أو الحياة. كما أحببت منير كنعان ومحمود سعيد، والكثير والكثير من الفنانين.
” أنا رجل متصالح مع الحياة، وأحب أن أشاهد الجميع وأرى حتى لو هناك أحد الأشخاص يقوم بالشخبطة. حيث إن وراء تلك الشخبطة شيء ما، ولا أستطيع أن أقول على إنتاج أحد الفنانين أنه سيء. وأرى في النهاية أن كل فنان يعبر عن نفسه بشكل مختلف”.
هل يلزم لتذوق الفن التشكيلي جمهور مثقف؟
ليس بالضرورة بل على العكس من ذلك، ومقولة أن الفنون التشكيلية للنخب هي “كلام فارغ”، لأن الناس البسيطة ترى بشكل أفضل مني أنا شخصيًا، لكن مشكلتهم أنهم لا يجيدون التعبير عما يرون من فن.
وهناك أشخاص حصدوا درجات علمية ليس لديهم الحس أو التذوق الفني، وهم من وجهة نظري جهلاء، لا يرون سوى أنفسهم فقط، والأهم عندي أنا شخصيًا أن يبدى البائع الذي يسكن بجواري إعجابه بلوحاتي ويسأل عما أقصد منها.