«حمور زيادة» في جزويت الإسكندرية: السوشيال ميديا أكبر تهديد للرواية

Views: 39
في لقاء مفتوح بمركز الجزويت الثقافي في الإسكندرية، طرح الروائي السوداني «حمور زيادة» العديد من الأفكار حول مفهومي «الحكاية» و«الرواية»، مشيرا إلى الفارق بينهما وتأثير كل منهما على فن السرد. كما ناقش التحديات التي يواجهها الأدب في العصر الحالي في ظل تأثير السوشيال ميديا، بالإضافة إلى رؤيته حول الأدب السوداني.
الحكاية والرواية
عن الفارق بين «الحكاية» و«الرواية» قال «حمور زيادة»: “إن الحكاية عبارة عن حكي شفاهي ثم تدوين لهذا الحكي. وغالبا ما تكون غير محكمة وليس لها ضوابط من بداية وحبكة ونهاية وأشخاص محددين. وقد ينتصر فيها الخير أو الشر. ولكنك تستمتع بالحالة السردية نفسها، وليس بالضرورة أن تكون الحكاية رواية. ولكن كل أنواع الروايات فيها حكاية. فما يتلقاه الحفيد من حكايات جدته ممتع جدا في نظره”.
وتابع: “يمكنك أن تكتب رواية فيها كل الضوابط ولكن ليس بها الحكاية اللذيذة الجذابة، وبالنسبة لي الحكاية أكثر متعة حتى لو اختلف معي النقاد في ذلك. وأجد أن من مشاهد الضعف في الأدب هو استغراق الوقت في حكايات متوقعة. فالمفاجأة مطلوبة لجذب القراء. بالرغم من أن ماركيز مثلا كانت نهاياته متوقعة، إلا أن كتاباته شيقة وممتعة وتجعلك تتابع العمل حتى نهايته وأنت مستمتع”.
وأضاف «زيادة»، أنه كان يقرأ روايات الألغاز وهو صغير، مثلاً لأجاثا كريستي، فيذهب لآخر صفحة في الرواية ويعرف نهايتها ومن القاتل، ثم يعود ليستمتع بكيفية سرد القصة. وهذا كان ممتعا جدا بالنسبة له. مؤكدا أن هدفه دائما في كتاباته هو المتعة والتفكير. فلا يبرز رأيه الشخصي بل يحاول أن يخفيه قدر الإمكان. وليس لديه مانع أن يخرج القارئ بفكرة معينة تابعة لوجهة نظره. فالفن قابل للتأويل لأكثر من جهة وأكثر من رأي، وهو عاشق للغموض. ويرى أن الفكرة الصريحة مكانها المقال وليس الرواية.
وعن استشهاده بالشعر في رواياته قال: “أثناء كتابة اللغة السردية نفسها، أحاول أن يكون هناك إيقاع سواء من اللغة أو الحكاية. ومن الصعب أن تكون الرواية كلها على إيقاع واحد، ولكن جمل قصيرة في بعض المناطق أو جمل دائرية أو جمل مبتورة، كلها تستخدم في الدقة الشعورية والجمل الشعرية والغنائية. أحبها جدا في الكتابة لأني أجدها أجمل من الموسيقى التصويرية. وفي بعض الأعمال، استخدمت لغة لم تعد دارجة وقد تكون غير مسجلة أو مفهومة، وهذا أشبه بما كتبه نجيب محفوظ في الحرافيش، واعتبرها فرصة للتوثيق وتقريب الثقافة السودانية”.
السوشيال ميديا التهديد الأكبر
وأكد الروائي «حمور زيادة» أنه ليس قلقا من تهديد الصورة والڤيديو على استمرار فن الرواية، فالرواية أثبتت حتى هذه اللحظة أنها مستمرة وموجودة. والسوشيال ميديا ـ في رأيه ـ هي التحدي الأكبر للرواية مقارنة بالڤيديو أو الصورة. فالمقاطع الصغيرة تجذب الناس أكثر، نظرا لسمة السرعة الغالبة على عصرنا، ما يهدد الرواية. ولكنه يرى أن هذا تحدٍ قديم، فمنذ الستينات كتب أنيس منصور أن هذا هو زمن القصة القصيرة. وأن الناس ليس لديهم الوقت الكافي للقراءة. ولكن هذا الكلام لم يتحقق حتى الآن! وربما يكون هذا التحدي والتهديد هو نفسه. ولكنه ليس خائفا على فن الرواية وقال: “الرواية خُلقت لتستمر”، ولكن التنوع مطلوب بالطبع فهي سمة العصر.
وأضاف: “من يقرأ أعمال نجيب محفوظ الأولى يتعجب أنه هو ذاته الاسم العظيم في تاريخ الأدب فيما بعد. ولو كان هناك سوشيال ميديا آنذاك وهاجمته، لتوقف عن الكتابة، ولكنه استمر ولم يتوقف، وإلا لم نكن نستمتع بكتابته اللاحقة العظيمة. فلم يحصره أحد في كتاباته الأولى ولم يحبطه أحد. بالإضافة إلى إيمانه وإصراره، أصبح هذا الاسم العظيم”.
الأدب السوداني
وعن أعماله المتعلقة جميعها بالسودان، قال «زيادة» إنه منذ بدأ مشروعه الأدبي في عام 2014. كان في نيته أن يكون أدبه فقط داخل نطاق السودان الجغرافي. واستطرد: “يمكن أن أكتب عن شخص غير سوداني ولكنه يعيش في السودان. ولا أكتب عن شخص سوداني ويعيش في الخارج. فهذا هو الواقع الذي أريد أن أكتب عنه بعاداته وتقاليده بواقعه بشكل معين. فماركيز له نصيحة للكُتاب بأن يكتبوا عما يعرفون. وأنا أتبع ذلك. وهذه نيتي حتى هذه اللحظة، لا أعلم إن كنت سأغير خطتي فيما بعد”. وأضاف أن هناك كُتاب سودانيين يكتبون بلغات أخرى وواقع آخر من أبرزهم “ليلى أبو العلا” و”طارق الطيب” وغيرهم من الأسماء السودانية الذين أصبحوا يكتبون بلغة أجنبية. وهم ناجحون جدا في ذلك.
كما ذكر «زيادة» أن هناك كتّابا من جنوب السودان، منهم من يكتب بالعربية ومنهم من يكتب بالإنجليزية، قائلاً: “وبالرغم من اختلاف ثقافة الجنوب، إلا أن هذا النوع من الأدب نتعامل معه على أنه أدب سوداني. خاصةً في الوسط الثقافي، نحن نعتبر السودان دولة واحدة، ولكن جنوب السودان يعتبر أنه استقل عندما انفصل. ومع ذلك، وجدنا أن العلاقات الإنسانية ما زالت طبيعية. فالعلاقة بين الشمال والجنوب تطورت من شد وجذب. وأنا شخصيا أتعامل مع كتّاب الجنوب على أنهم أبناء ثقافة واحدة. ومنذ انفصال الجنوب قبل 11-12 سنة، لم يكن هذا كافيا لخلق ثقافة خاصة موازية، لكنها قد تتطور مع الوقت”.