حكاية شطب| من هم الأخوين بدير ريفا؟
تصوير: أحمد دريم
تزامنا مع صدور “حكاية شطب” أول قصة موجهة للأطفال ومبنية على التراث الأثري بقرية شطب أسيوط، تتبع “باب مصر” الأماكن التراثية التى حكى عنها الكتاب ومنها الأخوين بدير ريفا.
تقع مقابر الأخوين الأثرية “خنوم نخت” بالجبل الغربي بقرية دير ريفا التابعة لمركز أسيوط، وتعد واحدة من أضخم المدافن التي وجدت في حالتها الأصلية برغم من مرور 4 آلاف سنة، وتحتوى على تماثيل ذات الحرفة العالية في الصنع، والتي أثبتت دراسات أجريت حديثا على الحمض النووى بجامعة مانشستر أنهما كانا بالفعل أخويين من الأم، ولكن لكن تظل هوية الأب غامضة بالنسبة لنخت عنخ.
ذكر كتاب “أسيوط المدينة الحارسة” الصادر عن المتحف البريطاني، أنها شيدت فى دير ريفا مقابر حكام الولاية ومقابر الصفوة من المحليين تقريبا في منتصف المسافة أعلى الجروف، وأمامهم مباشرة كانت ثمَ قبور أصغر، هي الأضرحة العمودية لعائلاتهم وأفراد حاشيتهم، وفيما يعود تاريخ بعضها إلى الدوله الحديثة، فإن معظم القبور الهائلة المنحوتة فى الصخر قد بنيت فى وقت سابق فى نهاية الفترة الانتقالية الأولى والدولة الوسطى.
وبحلول عام 1907، بدأ السير فليندرز بيترى أعمال التنقيب فى دير ريفا، كانت الجبانة قد تم نهبها بضراوة وجرَدت القبور العمودية تماما، ورغم ذلك انبثقت عن أعمال التنقيب بعض القطع المميزة، كالعديد من التوابيت الخشبية ذات الصنعة المتقنة والتى تتخذ شكل الجسد ملونة بصورة الميت ومزينة بأنماط استثنائية من الزهور أو الخرز ويعود تاريخها للدولة الوسطى، حين ندر استخدام التوابيت الشبيهة بالبشر، كان “ناب الولادة” المصنوع من ناب فرس النهر، وعادة ما تنقش عليه تعاويذ لحماية نسوة الصفوة والأطفال، هو الغرض الوحيد الذى تم العثور عليه فى مقبرة تعود لأواخر الدولة الوسطى، قبر آخر من نفس الفترة عثر فيه على قلادة ذهبية لم يلتفت إليها لصوص القبور.
مقبرة الأخوين
كانت أشهر الاكتشافات فى دير ريفا “مقبرة الأخوين”؛ إحدى أضخم المدافن هناك، وقد وجدت فى حالتها الأصلية بتاريخ يعود للأسرة الثانية عشرة من 1994 حتى 1781 قبل الميلاد، واكتظت المقبرة بالأثاث والتماثيل ذات الحرفة العالية فى الصنع.
وتشير الكتابات المنقوشة إلى أن المقبرة كانت لكل من “خنوم نخْت”، كاهن بمعبد خنوم، و “نخت عنخ”، الذى أشير له بـ“الرجل ذى الجدارة” وقد أشير إلى والد خنوم نخت وجده كمحافظين محليين، وفيما اشترك الأخوان فى النسب لنفس الأم، إلا أن نسب الأب بالنسبة لنخت عنخ كان غامضا، ولا يوجد ثمة تشابه عائلى بين وجهيهما، الممثلين على التابوتين اللذين أُمعن فى زخرفتهما.
إثبات الأخوة
أثبتت الدراسات أنهما كانا بالفعل أخويين من الأم، لكن تظل هوية الأب غامضة بالنسبة لنخت عنخ، لكن الأخوين على أية حال، قد تمتعا سويًا بنفس المكانة الموسرة، كما يظهر من كيف وكم الممتلكات الجنائزية المدفونة بالداخل، ومن ضمنها نموذجان مصغران من الخشب لسفينتين بتفاصيل مذهلة، إحداهما للإبحار أعلى النيل جنوبا، إذ يرفع طاقمها الشراع، والأخرى بأشرعة تم خفضها وأخرجت المجاذيف للتجذيف شمالا.
وعلى السفينة الأولى، يرفع الشراع أربعة مراكبية، وأربعة آخرون يجلسون على السطح، ويقف بصّاص فى المقدمة ومدير للدفة فى المؤخرة، فيما يقف القبطان أمام قمرته وقد استخدمت أجزاء من الخيط بديلاً عن حبال الشراع، كما طُليت الدفة بشكل مزخرف يظهر العين الحارسة لحورس مع رسم لزهرة اللوتس على السفينة الأخرى تم ربط الأشرعة بأسفل الصارى، وأخذ عشرة من المراكبية يجذفون، بينما ارتدى كل من مدير الدفة والبصاص ثوبين أبيضين لحمايتهما، على نحو محتمل، من الرياح الشمال الباردة.
ترك الأناس العاديون هذا العالم وفى جعبتهم إكسسوارات “كماليات” أقل لتصحبهم للعالم الآخر، فكانت مدافنهم تقبع بالسهل أسفل جرف دير ريفا الجبلى، وتتكون غالبا من قبور بسيطة على هيئة حفرة فى الأرض كانت تعود ربما لسكان شاشوتب أو لقرية ريفة المجاورة للجبانة، وتعكس بعض القبور التى تحوى سلالاً ومصنوعات من الجلد والفخار عادات الدفن لأهالي النوبة الذين هاجر كثير منهم إلى مصر إبان الفترة الانتقالية الثانية 1550 – 1700 ق.م.
دير ريفا
دفن أموات أسيوط وشاشوتب في السلسة الجبلية الواقعة غرب مدينيتهما، حيث امتدت الجبَّانتان لأكثر من عدة كيلومترات على طرف السهل الزراعي، وقد أطلت مقابر الصفوة “عِلية القوم” فى أسيوط القديمة على المدينة فى جبانة الجبل الغربى، كذا كانت تدعى “الأرض الأخرى” ودفن حكام “محافظو” شاشوتب فى جروف الجبل إلى الجنوب، غرب قرية دير ريفا، بينما دفن الأناس العاديون بمواضع أقرب إلى السهل.
وأثناء الفترة الانتقالية الأولى والأسرة الثانية عشرة، لم يكن جبل أسيوط الغربى يستخدم سوى للدفن، والطقوس الجنائزية وزيارات القبور وقد اقتلعت الأحجار اللازمة لبناء المدينة من مناطق إلى الجنوب من الجبانة، ولكن مع بداية الأسرة الثامنة عشرة، مرورا بسبعمائة عام، أضحت بعض القبور القديمة فى حد ذاتها هدفا لتقليع الأحجار، وافتتحت فى الجبل محاجر جديدة.
نهب القبور
كما لم يصبح من غير المعتاد فى الدولة الحديثة أن يعاد استخدام المقابر القديمة، إلا أن مقابر جديدة قد أضيفت أيضا على مدار الحقبة الأخيرة من الدولة الحديثة مرورا بالعصر البطلمى، وفي عديد من الأوقات تعرضت جبانتا أسيوط وشاشوتب كغيرهما من الجبانات فى مصر، للأذى من قبل الغزاة الأجانب الذين نهبوا القبور والمعابد كما تراءى لهم، فى الوقت الذى كانت فيه كذلك تتم عمليات السلب للمقابر بشكل بطئ لكنه ممنهج من قبل المعوزين أو الجشعين في المجتمعات المحلية، تاركين النذر اليسير من المدافن سليما.
أديرة وكنائس
بعد ذلك بعدة قرون، حين أمسى دين الأجداد محض ذكرى، ونسيت اللغة المنحوتة على جدران المقابر والمعابد، أقلمت المجتمعات القبطية فى أسيوط وشاشوتب مناطق الدفن لاحتياجاتها، فبمعزل عن دفن موتاهم هناك، ابتنوا الأديرة وحولوا بعض القبور إلى كنائس صغيرة، كما استخدم النساك المقابر كملاذات منعزلة لإكمال مسارهم الروحانى، وقد ذكر رحالة القرن الثانى عشر كلا من كنيسة السيدة العذراء وكنيسة القديس ثيودور فى دير ريفا، اللتين لا تزالان تعملان حتى اليوم.
وعلى مدى أكثر من أربعة آلاف من السنين، عبثت قوى الطبيعة كذلك بمصائر الجبانتين من سيول وزلازل وعوامل للتعرية تؤدى للتآكل إلى وطاويط وحمام يعشش فى القبور فى إصرار على تدمير ما تبقى من دواخلها، لكن على الرغم من كل ما فقد، فإن البنى التى صمدت، والقطع الأثرية.
هوامش
- كتاب “أسيوط المدينة الحارسة” الصادر عن المتحف البريطاني.
اقرأ أيضا
- حكاية شطب| “تاضروس الشطبي”.. كنيسة شاهدة على الحضارة منذ 4 آلاف سنة
- مصممة رسومات كتاب “حكاية شُطب”: حاولت الحفاظ على ألوان العصر الفرعوني
- حكاية شطب| حوار مع “إلونا ريجولسكي” أمين قسم الثقافة المصرية المكتوبة
- صور| بالرسومات والألوان.. “حكاية شطب” ترويها فاطمة كشك
- حكاية شطب| الدرب الأخضر والديك المسحور
11 تعليقات