حكايات من الأدب الفرعوني| لماذا أنقد الفأر الأسد؟ وكيف انتقم «السنونو» من البحر؟
اتخذت الكتابة في مصر القديمة في بداية نشأتها قالبًا بسيطًا، اعتمد على تسجيل الأحداث الجارية في صورة بيانات رسمية؛ كانت تملى على كتبة الفرعون ليدونها، وكانت أحيانا تسجل على جدران المعابد والمقاصير، بحسب ما أورده الدكتور سليم حسن، في كتابه الأدب المصري القديم.
يشير حسن إلى أن التطور الذي شاب الحضارة المصرية، شمل فن الكتابة، لتظهر مع بدايات الدولة القديمة حوالي 3200 ق.م قوالب كتابة جديدة اصطبغت بصبغة أدبية، ليظهر فن كتابة التعاليم والأمثال والحكم أولا، لتتطور مع مرور الوقت وتتخذ الشكل السردي في صورة قصص وحكايات، ملفتًا إلى أن فن الحكي بدأ في قصور الملوك والأمراء بغرض التسلية، ثم انتقل إلى عامة الشعب بعد أن أدخل عليه بعض التحوير في السياق، ملمحا إلى أن أغلب الحكايات القديمة خيالية وبعضها إعادة إفراز للأساطير المصرية القديمة، ولكنها احتوت على مفاهيم أخلاقية واقعية مثل الأمانة والصدق والإخلاص، كان الحكّاء المصري في بعض الأحيان يلجأ إلى الرمزية من خلال نسج حكايات حول علاقة الحيوانات بالإنسان أو يبعضها البعض أو بالمخلوقات الأخرى، مثل قصة الفأر والأسد أو قصة السنونو والبحر.
الفأر والأسد
كتاب “حواديت فرعونية”، لمحمد أبو رحمة، جمع فيه ترجمة لأشهر القصص الفرعونية، وأورد أبو رحمة ترجمتين لقصة الفأر والأسد، الأولى مدونة بالبردية رقم 384 والمحفوظة بمتحف ليدن بهولندا، أما الأخرى فهي جزء من مجموعة “ل. فوربنيوس – أساطير كردفان”.
حسب ترجمة وقراءة أبو رحمة للقصتين، يعتقد أن كلاهما يتحدثان في سياق واحد يصور علاقة الإنسان بالحيوان وما يخلقه ذلك من صراع يؤثر على علاقة الحيوان بالآخر.
تشير الحكاية إلى أن الأسد ملك الغابة وجد ذات مرة فهدا ممزقا فسأله: “من فعل بك هذا؟” فأجابه: “الإنسان”، فتعجب الأسد قائلا: “ومن يكون هذا؟” فيجيب الفهد: “ليس هناك من هو أكثر دهاء منه، فلا أوقعك الله أبدا في يديه”، فغضب الأسد غضبا شديدا، باحثا عن الإنسان، وفي طريقه قابل عشرات الحيوانات التي إما أسرت أو جرحت أو عذبت بيد الإنسان، وفي كل مرة يلقى نفس التحذير، ليزداد تصميم الأسد على العثور على الإنسان وقتله، وبعد أن أدركه التعب صادف فأرا صغيرا فيهم لافتراسه، صاح الفأر: “يا سيدي الأسد، إذا افترستني فلن أشبعك وإذا ما تركتني فلن تشعر بالجوع بعدي، أما إذا منحتني الحياة فسوف أمنحك الحياة، وإذا حفظتني من الهلاك، حفظتك من الهلاك” فضحك الأسد من الفأر، وقال “فماذا تستطيع فعله، فهل يوجد على وجه الأرض من يستطيع مواجهتي؟”، وبالرغم من أن الأسد أخذ كلام الفأر على محمل السخرية إلا أنه قال لنفسه: “لو أكلته فلن أشبع حقا” فتركه ومضى في سبيله باحثا عن الإنسان.
وتروي الحكاية كيف أن الأسد تقابل مع الإنسان لتدور بينهما عدة جولات في كل كان الإنسان ينتصر بذكائه على الأسد، وأخيرا نجح الإنسان في الإيقاع بالأسد في شبكة متينة من الحبال، وأدرك الأسد أنه ميت لا محالة، وبينما الأسد وقد مس الحزن قلبه وقد استسلم لمصيره، يمر أمامه الفأر الصغير، ويقول له: “أتذكرني، أنا الفأر الصغير الذي منحته الحياة، وقد جئت إليك اليوم لأرد لك الجميل، فأنقذك من الهلاك، فمن الجميل صنع الخير لمن فعله”، ثم قرض الفأر الحبال وحرر الأسد من قيوده، ومن يومها اختبأ الفأر في لبدة الأسد وصارا صديقين يمضيان سويا.
السنونو والبحر
وردت حكاية السنونو والبحر، بحسب أبو رحمة في كتاب “الأساطير المصرية”، للكاتبة إما برونوترات، ونعرض قصة انتقام طائر السنونو من البحر كما ترجمها أبو رحمة، تجري الحكاية على لسان أوسقي، أمير بلاد العرب، أمام الفرعون: “اسمع، يرحمك رع، إني عائد الآن إلى بلاد العرب فهل يشاء سيدي سماع قصة السنونو؟”، كانت ذات يوم تحتضن صغارها على شاطئ البحر، وكانت تروح وتغدو لجلب الطعام لهم، فقالت للبحر: “ارع صغاري حتى أرجع”.
وذات يوم لما شاءت السنونو الخروج للبحث عن الطعام، قالت للبحر: “ارع صغاري حتى أرجع كما أفعل كل يوم”، وفي ذلك اليوم، ارتفع البحر وعلا صخبه، وابتلع الصغار، وعادت السنونو بمنقار ملئ وعيون باسمة وقلب فرح، لكنها لم تجد الصغار هناك، فقالت للبحر: “رد علي صغاري التي تركتها أمانة عندك، وإذا لم ترد علي صغاري، فلسوف أنزحك اليوم وأنقلك إلى مكان آخر، سوف أنزحك بمنقاري وأصبك على الرمال، فلتنتبه إلى ذلك، فهذا ما سوف يحدث”.
واستمرت السنونو في فعل نفس الشيء كل يوم، تذهب كل يوم وتملأ منقارها بالرمال وتلقيها في البحر، ثم تملأ منقارها بماء البحر وتصبه على الرمال، وعندما نزحت السنونو البحر، عادت بقلب جزل إلى بلاد العرب”.
هوامش
1- الأدب المصري القديم – دكتور سليم حسن – مهرجان القراءة للجميع 2000- ص 30 و31
2- حواديت فرعونية – تأليف محمد أبو رحمة – حابي للنشر 2005- من ص 45 إلى 57 ومن ص 80 إلى 82.