حكام وجوامع| مسجد أحمد بن طولون.. قبلة الحكام الثالثة في رمضان
تصوير- أميرة محمد
في الجمعة الثالثة من شهر رمضان يستمر الحكام الفاطميين في ممارسة طقوس احتفالاتهم بالشهر الكريم، والتي نقدمها لكم خلال سلسلة “حكام وجوامع”، بالتعاون مع محمد خليل، مدير إدارة الوعي، وتتضمن تلك الطقوس الصلاة في 4 جوامع كان ثالثهم هو مسجد أحمد بن طولون، بعد أن أتموا الصلاة في الجامع الأزهر والثانية في الحاكم بأمر الله.
يقع جامع أحمد بن طولون في ميدان السيدة زينب، وهو حاليًا يتبع هيئة الآثار، فيتردد عليه الكثيرون كأثر إسلامي ذو تاريخ امتداد حوالي 1151 سنة، منذ أن أنشاءه أحمد بن طولون عام 877 م، هكذا يبدأ محمد خليل، روايته عن جامع أحمد بن طولون.
الحكاية بدأت من العراق، وليس أرض القاهرة التاريخية، إذ بعد وفاة والد أحمد بن طولون والذي كان حارس للخليفة العباسي في العراق، تزوجت والدته من الأمير بكباك وهو أحمد الأمراء العاملين مع الخليفة العباسي، ومن ثم عين والي على ولاية مصر، وكانت الميزة حينها في الخلافة العباسية إنشاء ولاية في الأماكن أو البلاد التي يتم فتحها، وإرسال والي عن كل مدينة لا ينقل الوالي بل يرسل نائب عنه، فقرر بكباك إرسال أحمد بن طولون إلى مصر، وهنا كانت البداية.
المدينة والجامع
ما أن وصل أحمد بن طولون أرض مصر إلا ووجد العديد من المشاكل، ولكن بحنكته العسكرية استطاع السيطرة على مصر والإسكندرية، ليفكر ببناء عاصمة جدية له، فاختار المكان المطل على نهر النيل قبل أن ينقل للجهة الغربية، فكانت مدينة القطائع.
مدينة القطائع التي أسسها أحمد بن طولون هي ثالث مدينة تأسست في مصر بعد مدينة الفسطاط الكائن بها جامع بن العاص، ومدينة العسكر ومكانها عند مذبح السيدة زينب، سميت بذلك نتيجة لإقامة العساكر القادمين مع أحمد بن طولون فيها، على هيئة قطائع وقبائل، ليقرر مع بناء المدينة بناء جامع ليس له مثيل، في وسط المدينة.
“جامع لا يغرق ولا يُحرق ولا يمت إلى العصور الإسلامية أو القبطية أو الفرعونية بصلة”، تلك الشروط التي وضعها أحمد بن طولون لبناء مسجده، ليأتي المهندس سعيد ابن كامل ويحقق حلم الوالي.
المهندس سعيد ابن كامل الفراغني انشأ من قبل قناطر أحمد بن طولون وفي الافتتاح غرست قدم الحصان الخاص بأحمد بن طولون ففكر أنها مؤامرة من المهندس فأمر بسجنه، لذا حاول بن سعيد إرضاء الولي من خلال تحقيق أحلامه في بناء المسجد.
اختار المهندس بناء المسجد دون عمدان بناءًا على رغبة أحمد بن طولون، فانشأ المسجد على نظام دعامات من الطوب الأجر لأنه لا يسمك فيه النار بسهولة، كما اختار أن يبني المسجد فوق ربوة مرتفعة وجبل مرتفع وهو جبل يشكر.
“يشكر” هو اسم قبيلة جاءت أثناء فتح عمر بن العاص واستقرت عند هذا الجبل، كما يُقال أن الجبل مبارك لأنه وقف عليه سيدنا موسى يناجي فيه ربه، كما أن هذه المنطقة لا يأتي عندها فيضان النيل.
يروي “المقريزي” أن “المهندس النصراني وضع يده في البناء في الموضع الذي هو فيه الآن، فكان ينشر منه الحجر ويعمل منه الجير ويبني إلى أن أفرغ منه وبيضه وعلق فيه القناديل بالسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر العبداني وحمل إليه صناديق المصاحف ونقل إليه القراء والفقهاء”.
أحلامك أوامر
أحمد بن طولون كان له العديد من الروايات منها أنه أراد أن يروج لفكرة أن المسجد بمال حاله، فحكي أنه في يوم من الأيام في الأهرامات غرس بحصانه في أحد الحفر ووجد بها كنز من أيام الفراعنة، فقام ببناء المسجد منه، كما أن المسجد لم يكن له مئذنة فمسك أحمد بن طولون ورقة وشكلها على هيئة قرطاس وقال إنها المئذنة وبنيت فعلًا على هذا الشكل كمئنذنة ملوية أو أسطوانية وهى المئذنة الوحيدة في مصر بهذا الشكل.
جاء في كتاب القاهرة جوامع وحكايات للمؤلف حمدي أبوجليل:
“يعتبر جامع ابن طولون من أشهر الجوامع المعلقة في مصر والعالم الإسلامي، ويصعد إلى أبوابه الداخلية بدرجات دائرية، ويحيط بصحنه أربعة أروقة نقشت تيجانها بأشكال نباتية محفورة بأسلوب “الأرابيسك”، وتعلو الدعائم عقود غطيت بطبقة جصية غنية بزخارف متنوعة”.
يتكون رواق القبلة من خمسة صفوف من البوائك، ويعلو العقود إفريز خشبي زخرفي من الجص، يعلوه إزار خشبي يحيط بأرواقة الجامع جميعها، مكتوب فيه بالخط الكوفي البارز آيات من سورتي البقرة وآل عمران، كما يحيط بجدران الجامع الأربعة من أعلى 129 نافذة من الجص المفرغ بأشكال هندسية ونباتية محفورة.
يوجد بالجامع خمسة محاريب لإلقاء الدروس، والرئيسي منها مجوف ومزخرف بفصوص من الفسيفساء الذهبية والزجاجية المتعدة الألوان، وكتبت بخط النسج “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، كما أن طاقية المحراب صنعت من الخشب المزخرف بنقوش زيتية زاهية.
يعتبر جامع أحمد بن طولون أقدم مسجد أو مؤسسة في العالم يحتوي على لوحة تذكارية للبناء، وهي من البازلت الأسود، وحفر عليها بالخط الكوفي تاريخ إنشائه واسم منشئه، وتقع مئذنة في الناحية الغربية وتعتبر الوحيدة في جوامع مصر القديمة التي تحتوى على سلالم، ويقال إن ابن طولون كان يصعد إليها بحصانة حتى يشاهد من فوقها ما يدور في أرجاء المدينة، وهي مكونة من أربع طبقات.
مراحل تطور
يعود خليل يوضح مراحل تطور جامع أحمد بن طولون، يقول إن المسجد حظي باهتمام كبير من الدولة في عهد ابن طولون وفي عهد الإخشيدي، وفي عهد الدولة الفاطمية ورغم وجود الجامع الأزهر والحاكم إلا أن العزيز بالله اهتم به، والحاكم بأمر الله من بعده قرر شراء المسجد من أحفاد أحمد بن طولون، فيقول المؤرخين إنه اشتره بـ30 ألف دينار من الذهب المغربي.
ولكن المسجد نظرًا لتقسيمه صحن أوسط مكشوف يحيط به 4 أروقة أعظمها وأكبرها رواق القبلة، ويضم 3 الجهات بـ3 زيادات جانبية في المساحة، صمم في الزيادة الشمالية المئذنة، فقام أحفاده بفصلها وهدمها، فاضطر الحاكم بأمر الله لشراءها بـ5 آلاف دينار.
المسجد ما بين الدولة الفاطمية والمماليك حدث به بعض الإهمال، إلى أن جاءت الدولة العثمانية وشهد خلال عهدها بعض الترميمات، ولكن في أيام الاحتلال الفرنسي انهارت أجزاء عديدة من المسجد، وجاءت بعد ذلك لجنة حفظ الآثار العربية رممت الجامع مرة أخرى وأرجعته لحالته الأولى تقريبًا.
وفي عام 2002 رمم المسجد مرة أخرى ضمن مشروع القاهرة التاريخية، وفُتح عام 2004، وهو حاليًا تحت مشروع وصيانة دورية من وزارة الآثار وقطاع الآثار الإسلامية.
ما يميز مسجد أحمد بن طولون
جامع أحمد بن طولون من ضمن المساجد التي حافظت على مساحتها الكبرى والتي تبع 6 أفدنة ونصف، من وقت أن بني منذ ألف و151 عامًا، ويعتبر هو المسجد الوحيد في مصر بالمئذنة الملوية، فهي تعد من أشهر وأغرب منارات مساجد القاهرة فقد صممها ابن طولون بنفسه، كما أن شرفات المسجد من الخارج على هيئة عرائس رافعة أيديها إلى فوق، على أساس أن الجامع على جبل يشكر المستجاب الدعوة عليه.
خصص بالمسجد أول بيمارستان في مصر، فكان فيه طبيب بعد صلاة الجمعة، والشريط الكتابي تحت أسقف المسجد كتب عليها أكبر سورتين البقرة وآل عمران حوالين المسجد بأكمله، كما أن الباكئات الخارجية ذات زخارف نباتية كأنها تصميم 3D.
تعليق واحد