جيمس بالدوين في ذكراه المئوية: إسرائيل تنفذ أعمال الغرب القذرة!

في ذكرى جيمس بالدوين المئوية التي تحل اليوم (1924- 1987)، يستدعي الملايين من محبيه أشياء كثيرة: أعماله الأدبية الرائعة مثل “أعلنوا مولده فوق الجبل” و”غرفة جيوفاني” و”لو كان بإمكان شارع بيل أن يتكلم”. مقالاته السياسية والاجتماعية التي صنعت شهرة أكثر حتى من أعماله الأدبية. مثل “ملاحظات ابن بلد أصلي”، “الحريق القادم”، و”بلد آخر”. سيرة حياته الملهمة، التي شابتها تحديات هائلة: كأمريكي إفريقي في خضم ثورة الحقوق المدنية، ومعترف بالمثلية في زمن لم يكن بإمكان أحد أن يعترف بشئ كذلك، ومفكر ومعارض سياسي ضد الهيمنة الغربية الاستعمارية.

في ذلك اليوم نقدم للقارئ مقاطع من مقال لجيمس بالدوين لم يسبق ترجمته بعنوان “إلى المولودين مجددا”. (تعبير المولود من جديد، أو المتجدد، هو تعبير مسيحي كنسي تستخدمه بعض الطوائف المسيحية). يتحدث فيه بالدوين بثقب نظر ورؤية شديدة الوضوح للصراع الفلسطيني الإسرائيلي (وقد زار بالدوين تركيا عدة مرات وقضى فيها سنوات. كما زار إسرائيل بدعوة من حكومتها في محاولة لم تنجح لاستمالته وكسب وده). نشر المقال لأول مرة في عدد 29 سبتمبر 1979 من مجلة “ذا نيشن” The Nation.

 رسالة مفتوحة إلى المولودين مجددا

لا نحتاج إلى أن نطيل الحديث عن الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن ما يسميه العالم الغربي أزمة “طاقة” يخفي على نحو أخرق ما يحدث عندما لا يعود بوسعك السيطرة على الأسواق. أو عندما تكون مقيدا بمستعمراتك (بدلا من العكس) أو عندما ينفد منك العبيد (ولا يعد بإمكانك أن تثق في أولئك الذين تعتقد أنك ما زلت تمتلكهم). لا تستطيع، بعد تفكير رصين وواع، أن ترسل مشاة البحرية، أو البحرية الملكية، إلى أي مكان. تخاطر باندلاع حرب عالمية، أو عندما لا يكون لديك حلفاء ـ بل شركاء أعمال فقط، أو “أقمار صناعية”ـ وعندما تكون قد نكصت كل الوعود التي قطعتها على نفسك في كل مكان، لكل شخص.

إنني أعرف ما أتحدث عنه: جدي لم يحصل قط على “الأربعين فدانا وبغل” الموعودين به. والهنود الذين نجوا من المحرقة إما يعيشون في محميات أو يموتون في الشوارع، ولم يتم احترام أي معاهدة بين الولايات المتحدة والهنود على الإطلاق. وهذا سجل حافل. واليهود والفلسطينيون يعرفون الوعود المكسورة. منذ صدور إعلان بلفور (أثناء الحرب العالمية الأولى) كانت فلسطين تحت انتداب بريطاني تم مده خمس مرات. وكانت إنجلترا تتعهد بالأرض ذهابا وإيابا للعرب أو اليهود، اعتمادا على الحصان الذي يبدو أنه يتقدم. وكان الصهاينة ـ لتمييزهم عن هؤلاء المعروفين باليهود ـ يستخدمون، على حد تعبير أحدهم، “الآلية السياسية المتاحة”. أي الاستعمار، ممثلا في الإمبراطورية البريطانية ـ وقد وعدوا البريطانيين بأن الإمبراطورية البريطانية سوف تكون آمنة إلى الأبد إذا ما مُنِحَت لهم هذه الأراضي.

***

ولكن لم يكن أحد يهتم باليهود على الإطلاق. ومن الجدير بالملاحظة أن الصهاينة غير اليهود كثيرا ما يكونون معادين للسامية. والواقع أن الأميركيين البيض المسؤولين عن إرسال العبيد السود إلى ليبيريا (حيث لا يزالون يعملون كعبيد في مزرعة فايرستون للمطاط) لم يفعلوا ذلك لتحريرهم. بل كانوا يحتقرونهم، وكانوا يريدون التخلص منهم. ولم تكن نية لينكولن “تحرير” العبيد، بل “زعزعة استقرار” الحكومة الكونفدرالية. من خلال إعطاء عبيدها سببا “للانشقاق”. لقد حرر إعلان التحرير، على وجه التحديد، أولئك العبيد الذين لم يكونوا تحت سلطة الرئيس. مما لم يكن من الممكن ضمانه كاتحاد بعد.

لقد أذهلني دائمًا أن لا أحد يبدو قادرًا على إيجاد الصلة بين إسبانيا فرانكو، على سبيل المثال، ومحاكم التفتيش الإسبانية. ودور الكنيسة المسيحية أو ـ على وجه التحديد الكاثوليكية ـ في تاريخ أوروبا، ومصير اليهود؛ ودور اليهود في تشكيل “العالم المسيحي” واكتشاف أمريكا.

لقد تزامن اكتشاف أمريكا مع محاكم التفتيش، وطرد اليهود من إسبانيا. ألا يرى أحد الصلة بين [مسرحية شكسبير] “تاجر البندقية” و[ ورواية وفيلم] “المرابي” The Pawnbroker؟ في كلا العملين، وكأن الزمن لم يمر، يصور اليهودي وهو يقوم بأعمال ربا قذرة للمسيحيين.

كان أول رجل أبيض رأيته في حياتي هو المدير اليهودي الذي وصل لجمع الإيجار. وكان يجمع الإيجارات لأنه لم يكن يملك المبنى. في الواقع، لم أر قط أيًا من الأشخاص الذين يمتلكون أيًا من المباني التي كنا ننظفها ونكدح فيها لساعات طويلة. حتى أصبحت رجلاً بالغًا ومشهورًا. لم يكن أي منهم يهوديًا.

***

ولم أكن غبيًا: كان البقال والصيدلي يهوديين، على سبيل المثال، وكانوا لطفاء للغاية معي ومعنا. كان رجال الشرطة من البيض. كانت المدينة بيضاء. كان التهديد أبيض، وكان الله أبيض، ولم يتردد صدى الاتهام بأن “اليهود قتلوا المسيح” ولو لثانية واحدة في حياتي. كنت أعرف القاتل حين أراه، ولم يكن الأشخاص الذين حاولوا قتلي يهودا.

ولكن دولة إسرائيل لم تُنشأ من أجل خلاص اليهود. بل أنشئت من أجل خلاص المصالح الغربية. وهذا ما أصبح واضحا (ولابد أن أقول أنه كان واضحا لي دوما). فقد ظل الفلسطينيون يدفعون ثمن سياسة “فرق تسد” الاستعمارية البريطانية. ودفعوا ثمن ضمير أوروبا المسيحي المذنب لأكثر من ثلاثين عاما [وقت كتابة المقال].

وأخيرا: لا أمل مطلقا ـ أكرر: مطلقا ـ في إرساء السلام في ما تسميه أوروبا المتغطرسة بـ”الشرق الأوسط”. من دون التعامل مع الفلسطينيين. ولم يكشف انهيار شاه إيران عن حقيقة عمق اهتمام كارتر المتدين بـ”حقوق الإنسان” فحسب. بل كشف أيضا عن الجهة التي زودت إسرائيل بالنفط، والجهات التي زودتها إسرائيل بالأسلحة. ولقد كان ذلك، على سبيل المثال، جنوب إفريقيا البيضاء.

حسنا. إن اليهودي في أمريكا رجل أبيض. “لابد أن يكون كذلك، لأنني رجل أسود. وكما يفترض، فإن هذا هو سبيل حمايته الوحيدة ضد المصير الذي دفعه إلى أمريكا. لكنه لا يزال يقوم بالأعمال القذرة للمسيحي، والسود يعرفون ذلك”.

اقرأ أيضا:

الذين يكرهون الضحك!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر