جلسات نقاشية وإعلان الفائزين بمسابقة التصوير في ختام حملة «عمارة البلد»
تصوير: أحمد طه
افتتحت الجلسة الثانية من حفل ختام حملة «عمارة البلد» بعرض فيلم تسجيلي عن علاقة الفنان التشكيلي محمد عبلة بالمدن، خاصة القاهرة. وناقشت الجلسة التي جاءت بعنوان «الفن والمدينة»، العلاقة بين الفن والمدينة، بمشاركة الفنان التشكيلي محمد عبلة والناقد السينمائي عصام زكريا، وأدارها المخرج السينمائي أيمن مكرم.
واختتمت حملة «عمارة البلد.. هوية لا تستحق الهدم»، فعالياتها، مساء الإثنين الماضي، بمقر قنصلية وسط البلد في القاهرة، بحضور مجموعة من الكتاب والأثريين والمهتمين بالتراث المعماري.
عن السينما والفن وتوثيق المدينة
أوضح المخرج أيمن مكرم أن الحديث عن السينما والفن وعلاقتهما بالمدينة يشمل توثيق الأماكن في المدن والقرى المصرية، مشيرًا إلى أهمية دور الفنان في هذا السياق.
وقال مكرم: “عندما يكون وراء توثيق الأماكن فنان، سواء كان تشكيليًا أو سينمائيًا، فإن ذلك يكون له تأثير كبير. حيث يثبت لحظة معينة بتأثير مشاعره ويختار الأجواء والأشكال المناسبة، مما يعكس تفاعل الفنان مع المكان”. وأضاف: “لولا الفنانين التشكيليين، لكنا قد خسرنا الكثير من تراث الأماكن المصرية. فبعضها قد اختفى بالفعل، والبعض الآخر مهدد بالزوال”.
وتابع مكرم أن الفن التشكيلي كان له دور أساسي في الحفاظ على جزء كبير من آثار وتاريخ مصر، وهو الدور نفسه الذي لعبته السينما. حيث تأثر العديد من المخرجين والفنانين بالأماكن التي لم تكن مجرد خلفية للأحداث، بل كانت جزءًا أساسيًا من السرد الدرامي والفني.
الرسم والسينما: تحول التوثيق إلى الشاشة
وتحدث الفنان محمد عبلة عن أهمية الفن التشكيلي في توثيق جمال مصر والقاهرة قبل ظهور السينما. حيث كانت اللوحات وسيلة أساسية لنقل صورة حية عن الأماكن والمشاهد.
وقال عبلة: “الفنانون والرسامون حملوا لنا جمال مصر بكل تفاصيله، وقد وثقت اللوحات التي أبدعها هؤلاء الفنانين، بما في ذلك العلماء في الحملة الفرنسية، الكثير من التفاصيل المهمة التي حفظت تاريخ مصر”. وأضاف: “قبل ظهور السينما، كان الفن التشكيلي هو الأداة الرئيسية للتوثيق، ولكن مع ظهور السينما، أخذت جزءا كبيرا من هذه الوظيفة، حيث أصبح التوثيق السينمائي أكثر دقة وفعالية من خلال الأفلام التسجيلية والروائية التي تدور في نفس الأماكن”.
وأكد عبلة أن التوثيق لم يعد من مهام الفن التشكيلي بعد أن أصبحت السينما الوسيلة الأهم في تسجيل وتوثيق الواقع. وأوضح: “اليوم، لا يقتصر دور الفنان على التسجيل بل على تقديم انطباعه الخاص عن الأماكن والمشاهد التي يراها، وتسجيل علاقة الإنسان بالمكان ليس بشكل واقعي، بل من خلال العوامل الاجتماعية والنفسية التي تؤثر في هذا العمل”.
وأضاف: “الفنان الذي يسجل مدينته لا يقدم مجرد توثيق للمكان بل يعكس ما تحركه تلك العوامل الإنسانية في عمله. مما يجعل هذه المرحلة من الفن مرحلة مختلفة تماما”.
وسرد الفنان محمد عبلة تجربته الشخصية قائلا: “عندما أسير في شوارع القاهرة، لا أرسم المدينة نفسها، بل أرسم علاقتي بها. أحيانًا أتعامل مع الرسم كحاسة استشرافية، فأرسم أشياء تحدث لاحقًا. على سبيل المثال، رسمت ميدان التحرير قبل خمس سنوات من ثورة يناير. ولم يكن المكان حينها يعكس أي حركة ملحوظة، ولم يكن في ذهني فكرة الثورة. لكنني شعرت أن هناك شيئًا غير مرئي في المكان، ورسمت الميدان في وقت كانت تتسم فيه الحركة بحالة من التوتر. حيث كان هناك الكثير من الناس يجري. لقد كان إحساسًا غريبًا، ولكن مع مرور الوقت، تحقق ما كنت أشعر به”.
صراع الريف والمدينة في السينما
فيما تطرق الناقد السينمائي عصام زكريا للحديث عن العلاقة الوثيقة بين المدينة والسينما وكيف تطورت هذه العلاقة مع مرور الوقت، مؤكدا أن السينما هي “ابنة المدينة”.
وقال زكريا: “السينما هي اختراع تكنولوجي يحمل أفكارًا ومفاهيم صعبة قد لا تُقبل إلا في بيئة المدينة. أول مشهد تم تصويره كان لعمال يخرجون من المصنع في باريس، وهو مشهد تجسد فيه روح المدينة”. وأضاف: “المدينة ليست مجرد معمار، بل هي أسلوب حياة. ومع ظهور دور العرض، كانت هذه الأماكن – مثل النوادي والمقاهي – مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمدينة، حيث لم تكن هذه الأماكن موجودة إلا في المدن. وبعد عام من اختراع السينما، استضافت الإسكندرية أول عرض سينمائي في مصر. حيث كانت المدن الكبيرة هي المكان الأمثل لعرض هذا الاختراع الجديد”.
وأوضح زكريا أن السينما المصرية منذ بداياتها كانت تعكس ثقافة المدينة بما تحمله من فردية وتوسع أوقات الترفيه. وتابع: “الصور التي كانت تعرض في السينما كانت جزءًا من إبهار الحياة في المدينة. وكانت تعكس الصراع المستمر بين الحداثة، المتمثلة في المدينة، والتقاليد، المتمثلة في الريف”. وأضاف: “منذ الأفلام الأولى مثل ‘ليلى في الصحراء’ وأفلام محمد عبدالوهاب، كان الموضوع الرئيسي هو الصراع بين قيم الريف القديمة وحداثة المدينة. ورغم أن العديد من هذه الأفلام كانت تُظهر انتصار قيم الريف. إلا أن السينما في جوهرها لا تتحدث عن المشهد الختامي أو ما يقوله الشخصيات، بل تبرز عبر الصور والرسائل العميقة التي تصل للمشاهد، التي تحمل دائمًا غواية مفردات المدينة”.
صعوبات التصوير الواقعي
أشار الناقد إلى أن موضوع المدينة يُعد من أبرز المواضيع التي تطرقت إليها السينما بشكل عام، لكن تصوير المدينة لم يكن دائمًا بالقدر الكافي. فصلاح أبو سيف، على سبيل المثال، كان من أوائل المخرجين الذين اهتموا بتوثيق القاهرة من خلال أفلامه التسجيلية. ورغم ذلك، واجهت السينما الروائية تحديات عديدة في تصوير المدينة، مثل صعوبة التصوير في الشوارع بسبب التكاليف العالية، وحجم المعدات الثقيلة، إضافة إلى صعوبة السيطرة على مواقع التصوير.
ومع ذلك، نجحت بعض الأفلام في تجاوز هذه العقبات، مثل أفلام المخرج كمال الشيخ، الذي كان يحرص على تصوير حياة المدينة والشوارع. كان ينزل بالكاميرات لتسجيل الحياة اليومية، ويجمع بين الواقع والدراما لتقديم قصص تمثيلية تنبض بالحياة في المدينة.
واستكمل الناقد حديثه قائلا: “كما أن صلاح أبو سيف ويوسف شاهين قدما العديد من الأعمال التي وثقت المدينة بشكل مميز. وأبرزها فيلم “باب الحديد”، الذي يعد وثيقة نادرة لتصوير محطة قطارات القاهرة. تمكن شاهين من أن يجعل الممثلين يعيشون وسط الناس في بيئة واقعية جدًا، في وقت كان فيه التصوير يعكس الواقع بشكل صادق. وأضاف: “في الثمانينات، كان مخرجو السينما الواقعية أكثر وعيًا بكيفية تصوير المدينة والمعمار ورصد التغيرات التي طرأت عليها، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مثل الزحام والتكدس في المواصلات”.
وأشار إلى أن الدراسات والأبحاث حول العلاقة بين المعمار والمكان في السينما كانت من المجالات التي كانت تفتقر إليها الدراسات السينمائية بشكل عام. ومع ذلك، بدأ العديد من الباحثين في دراسة هذا الموضوع، حيث قاموا بكتابة كتب ودراسات حول كيفية تمثيل المكان في أفلام معينة، مما يعكس أهمية هذا الموضوع في فهم العلاقة بين السينما والمدن المصرية.
نتائج مسابقة التصوير الفوتوغرافي
واختتمت فعاليات الحفل بإعلان أسماء الفائزين بمسابقة التصوير الفوتوغرافي التي هدفت إلى تصوير المباني التراثية وإبراز جماليتها. وجاءت المسابقة ضمن جهود موقع «باب مصر» في الحفاظ على التراث المصري في مواجهة التعديات المتزايدة على المباني التاريخية.
وقد تضمنت المسابقة ثلاثة محاور: التصوير بالموبايل، التصوير بالكاميرا وكل منهما يشمل الصورة الملتقطة حديثا لأحد الأبنية التي تحمل طابع معماري خاص في أي من المحافظات المصرية. بالإضافة إلى الفيديو (الحديث أو القديم بشرط أن يكون غير معروض إعلاميا داخل أو خارج مصر). وقد تقدم للمسابقة 58 مشاركا، وجرى تقييم الأعمال من قبل لجنة التحكيم المكونة من لمياء راضي، ورندا شعث، وكريم بدر.
نتائج المسابقة
1-محور تصوير الكاميرا
المركز الأول: أحمد محسن الباشا، والثاني: إيمان الطوخي، والمركز الثالث: سلمى خالد.
2-محور التصوير بالموبايل
المركز الأول: عمر مختار، والثاني: محمد يسري محسب، أما المركز الثالث: رضوى هلال، فيما رأت اللجنة حجب جائزة الفيديو.
يشار إلى أن حملة «عمارة البلد» من تنظيم «ولاد البلد للخدمات الإعلامية» وموقعها الإليكتروني «باب مصر». وتم إطلاقها لأول مرة في 11 فبراير حتى 11 مارس 2018، ونجحت في جذب أكثر من مليون متابع على منصاتها الإليكترونية. كما شهدت تفاعلا كبيرا من المهتمين بالتراث المعماري المصري من القاهرة والمحافظات. كما تضمنت أنشطة متنوعة، منها عقد العديد من الندوات واللقاءات في محافظات قنا وأسيوط والفيوم. بالإضافة إلى مؤتمر عالمي في المعهد السويدي بالإسكندرية بمشاركة خبراء ومهتمين من دول مختلفة.
اقرأ أيضا:
اليوم.. ختام فعاليات حملة «عمارة البلد.. هوية لا تستحق الهدم»