توثيق علاقة النبات والحيوان بالأمثال الشعبية في كتيبين

العلاقة بين التراث الثقافي والطبيعي كانت دافعا للباحث أسامة غزالي لمحاولة توثيقها، وآخرها إصدار سلسلة «النبات والحيوان في التراث المصري الثقافي والطبيعي»، ليكشف العلاقة بين النبات والحيوان والأمثال الشعبية في الصعيد والريف. إذ يؤمن أن فهم الأبعاد الثقافية لأي مجتمع يساعد على فهم تفاعله مع الطبيعة، ويستكمل بهذه السلسلة جهوده السابقة في توثيق هذه العلاقة.

العلاقة بين التراث الثقافي والطبيعي

تحدث أسامة غزالي، الباحث في مجال البيئة والتراث الثقافي، عن جمع وتوثيق الأمثال الشعبية في الكتيبين، وقال لـ«باب مصر»: “الفكرة الأساسية التي أحملها دائمًا هي الاهتمام بالعلاقة بين التراث الثقافي والطبيعي، وكيف أن فهم الأبعاد الثقافية لأي مجتمع يساعدنا على فهم تفاعله مع الطبيعة”.

اهتم غزالي بهذا الجانب، وأعد من قبل أطلسا للحرف اليدوية وآخر خاصا بالأكلات، مع التركيز على العلاقة بين النباتات والأمثال الشعبية والتقاليد. حرص خلال رحلاته في مصر على مدار الخمسة عشر عاما الماضية على تسجيل الأمثال التي كان يسمعها من الناس، ومع مرور الوقت أصبح من الصعب تسجيل جميع الأمثال.

وأضاف: “بدأت أركز أكثر على تلك المتعلقة بالطبيعة. وبعد مراجعة مجموعة من المراجع، بما في ذلك المرجع الذي ذكرته في الكتيب، شعرت أنه قد حان الوقت لاستكمال هذه الدراسة”.

بدأت الفكرة تأخذ شكلها الفعلي منذ خمس سنوات، وقال: “كل فترة كنت أقول لنفسي يجب أن أجمع المزيد من الأمثال”.

الثقافة الشعبية وسلوك الحيوانات

في الجزء الأول، تناول الباحث الأمثال الشعبية المصرية المتعلقة بالحيوان وعلاقتها بالتراث المصري الثقافي والطبيعي، ويقسم الكتيب الصغير إلى 10 أقسام، يبدأها بالثدييات البرية. وذكر حيوانات مثل الذئب والثعلب والضبع، وتتنوع الأمثال الخاصة به مثل: “ابن الديب ميترباش” و”صلح ديب يساع ميت حبيب”، “لحم السبع يكسر سنة الثعلب”.

في القسم الثاني، يعدد الباحث الأمثال الشعبية المتعلقة بالحشرات المنزلية والبرية والزراعية مثل: الناموس، الدبور أو الذنبور، النحل، النمل، الجعران، البرغوث، الدود، الخنافس، العقرب، الصرصار، الذباب.

وذكر العديد من الأمثلة المتعلقة بهم، ومن بينها «كد النملة وتعمل عملة»، و«أفقر من الدبور» و«دود المش منه فيه».

فهم طبيعة الحيوانات

أما القسم الثالث عن الحيوانات الصغيرة التي ارتبطت بالمنزل، مثل الفأر والقطط، وكان لهما النصيب الأكبر من الأمثال الشعبية، حيث وصلت الأمثال المتعلقة بالفأر إلى 13 مثلا شعبيا، بينما وصلت الأمثال المتعلقة بالقطط إلى 18 مثلا شعبيا.

وزع الباحث الأمثال في الكتيب إلى أقسام حسب نوع النباتات والحيوانات، محاولًا تسهيل فهم المثل بما يتناسب مع البيئة. وقال: “نجد أن الأمثال المتعلقة بالحيوانات غالبًا ما ترتبط بالكلاب والقطط، وهذه الأمثال تعكس نظرة الناس لهذه الحيوانات الأليفة، حيث يُنظر إلى القط على أنه كائن لعوب ويُربط بالمنزل، في حين أن الغراب والبومة يرتبطان بالتشاؤم”.

رغم عدم تقديم شرح مفصل لكل مثل، لكن كان لدى الباحث سؤال شغله ويرغب في معرفته، وهو “هل يفهم الناس العلاقة بين الحيوانات والأمثال أم لا؟”، وأضاف: “تبين لي أن الناس يدركون العلاقة بشكل جيد ويحفظون هذه الأمثال، مثل المثل المعروف عن الصراع المستمر بين القط والفأر، أو الأمثال التي تربط البرسيم بالثور والبقرة، والعلاقة بين الذئب والماعز أو الغنم، وكذلك الغراب والبومة. عندما ينشئ الناس هذه الأمثال، فإنها تعكس فهمًا حقيقيًا لبيئتهم”.

كائنات خرافية

لم يكتف الباحث بذكر الحيوانات الحقيقية فقط، بل تطرق لذكر الأمثال الشعبية التي ذُكِر فيها حيوانات خرافية، إذ وثق الأمثال الشعبية التي ذكر فيها الغول، وهو حيوان غير حقيقي، مثل «ماحدش يقول يا غولة عينك حمرا»، و«إذا كان الرجل غول مش حياكل مراته».

في القسم الرابع، يتطرق للطيور الداجنة، مثل الأوز، الدجاج، الديك والحمام، مثل: «زي الحمام يهوى الأبراج»، و«اللي يكون الديك دليله القفص مأواه»، والقسم الخامس عن الطيور البرية مثل الصقر، الكركي، الحداة والبومة، الهدهد، الغراب ويمتاز بوجود 20 مثلا يغلب عليها الطابع الشؤم، مثل «اتبع الغراب يوديك الخراب»، و«حداية ضمنت غراب.. قالوا بيطيروا سوا»

بالإضافة إلى العصافير والزرازير، النعام، أبو فصادة، الرخمة المصرية، وتتنوع الأمثال: “اللي يعمله الديب.. يلد على الرخمة”، و”زي أبو قردان عويل ونضيف”. وفي القسم السادس عن حيوانات الحقل الأليفة، مثل الأبقار، الجاموس، الكلب، الثور وغيرها، لينتقل في القسم السابع إلى أمثال شعبية ذكر فيها الزواحف وبرمائيات الريف مثل الثعابين والسحالي والضفادع.

أمثال الريف والصعيد

جمع غزالي الأمثال الشعبية، خلال الفترة من عام 2014 حتى عام 2020، وتم مراجعتها بناءً على الاعتماد على كتاب موسوعة الأمثال الشعبية في مصر للدكتور إبراهيم شعلان. وأوضح: “اقتصر التوثيق على أمثال الصعيد والريف في الدلتا فقط، ولم أوثق أمثال سيوة وسيناء والواحات. كان هدفي أن أقدم شيئًا يمكن للناس البناء عليه، وأن تظل الذاكرة محفوظة”.

يستعد الباحث لطرح نسخة باللغة الإنجليزية من الكتيبين، واستكمل: “معظم المتابعين لي من الأجانب، وهم يهتمون بما أكتبه عن التراث في مصر. وعمليّة التعريب لن تستغرق وقتًا طويلاً بقدر ما سيستغرقه البحث عن المصطلحات المناسبة في القواميس لإيجاد جذور الكلمات القديمة”.

وأردف: “واجهت صعوبة في بعض الأمثال، مثل “قالوا البومة هتضمن الغراب.. قال آه ماشيين مع بعض”، الذي يعني أن شخصًا مديونًا للغراب ويريد ضامنًا، فوجد البومة ووافق. لكنه كان مخطئًا لأن البومة والغراب لا يمكن أن يطيروا معًا لفترة طويلة. وهذه الحكمة تعكس كيف أن الناس كانوا يختارون الأمثال بطريقة عميقة وحكيمة. ومن خلال هذا العمل، اكتشفت أنني أتعلم أكثر عن الطبيعة، والناس، والبيئة”.

من الجولات الميدانية للباحث أسامة غزالي
من الجولات الميدانية للباحث أسامة غزالي
النباتات والأمثال الشعبية

ينتقل الباحث في الكتيب الثاني من السلسلة لتوثيق العلاقة بين النباتات والأمثال الشعبية. واعتمد في هذا الكتيب على تقسيم النباتات إلى 10 أقسام. بدأ بنباتات البيئة الزراعية الخضروات والبقوليات واختتمها بالنباتات العطرية والزيوت. وتشترك في ربط كل فئة بالأمثال الشعبية التي ذكرت بها.

في القسم الأول عن الخضروات والبقوليات، يذكر العديد من الأمثال الشعبية المتعلقة بها مثل الكوسة: «ده هنا بالكوسة»، والطماطم، والباذنجان: «بدل اللحمة والبدنجان هات لك قميص يا عريان». والخيار والفاقوس والقرع، ومنها المثل الشعبي: «لما القرع استوا قال للخيار يا لوبيا».

ويستكمل هذا الجزء بنباتات أخرى مثل الملوخية: «اللي ياكل ملوخية في أبيب يجيب لنفسه طبيب»، والخس: «إن كانت زيارته خس.. ماكانش جه ولا بص»، والفجل: «ياريت الفجل يهضم روحه». بالإضافة إلى نباتات مثل الجرجير: «إيش عرف الحمير أكل الجرجير». والبصل الذي يمتاز بعدد كبير من الأمثال الشعبية تصل إلى 9 أمثال شعبية مثل: «يوم عسل ويوم بصل»، و«بصلة المحب خروف»، و«يصوم يصوم ويفطر على بصلة وغيرها».

ويشترك مع البصل في كثرة عدد الأمثال الشعبية نبات البطيخ الذي تصل الأمثال الشعبية المتعلقة به إلى 8 أمثال. مثل “البطيخة القرعة لبها كتير” و”حط في بطنك بطيخة صيفي” و”يخبط الأرض تطلع بطيخ”.

اللي يحب الكمون!

وذكر الباحث النباتات في الأمثال الشعبية مثل الثوم، والجزر والكرنب: «زي غيط الكرنب كله روس»، والبامية. ويتسم الفول بوجود 13 مثلا شعبيا يتعلق به مثل: «فاهم الفولة» و«على قد فوله ادفوله». واشترك في ذكر الأكلات التي يُستخدم فيها الفول مثل: «بياكلوا بيصار ويقلدوا الناس الكبار». واختتمه بالبقوليات مثل الحمص والعدس والسمسم والترمس: «دوا العدس. كمره».

القسم الثاني بعنوان “نباتات التوابل المنزرعة”، وذكر فيه أنواع من نباتات التوابل مثل الكمون، الكرفس، الزعفران، والبقدونس والكسبرة. ومن هذه الأمثال: “اللي يحب الكمون يتمرغ في ترابه”، “عفص وكرفس وشئ يصد النفس”، “إسكندرية ماريا وترابها زعفران”،”بيحتر الحبهان ويلم الكسبرة”.

ثم تطرق إلى الأمثال الشعبية الخاصة بنباتات محاصيل الماشية. وأشجار الفاكهة والأشجار المثمرة، مثل المشمش والخوخ والمانجو والعنب، والتوت والخوخ والرمان والخروب “نص الفطرة خروب” والموز والليمون “سردين من غير لمون”، والتين “للتين قوم والجميز أقوام”. بالإضافة إلى أمثال الأشجار الريفية الشائعة ومتعددة الاستخدامات، كالبلح. والنخيل يتعدد الأمثال المتعلقة به وتصل إلى 15 مثلا: “جحا طلع النخلة أخد بلغته معاه”، و”نواية تسند الزير”، نخيل الدوم والجميز والسنط والقرض، والنبق والسدر، والكافور “زي الكافور بطوله يغور”.

تبسيط التراث

أعد “غزالي” الكتيبين بمجهود شخصي، وعن سبب عدم إعدادهم كتب عبر دور نشر، قال لـ”باب مصر”: “بالنسبة لكتبي، فقد عُرض عليّ من أكبر دور النشر في مصر وألمانيا النشر منذ سنوات طويلة. لكنني لم أسعَ لهذا، لأنني دائمًا كنت أركز على تبسيط التراث والعلوم للناس. فكرة تقديم كتاب يتطلب الكثير من الجهد، لذا أفضل توزيع جهدي على مشاريع مختلفة. حتى تصل الفكرة وتصل للناس في النهاية”.

ومن بين الأمثال الشعبية التي وثقها، النباتات البرية مثل: الهمبوك “كله همبكة على الفاضي”، والجعضيض،  والهلوك “زي الهلوك لا تبن ولا غلة” والحنظل والشويكة والنجيل واللوتس والخبيزة “فشر فشر والعشا خبيزة”.

أطلس الموروثات المعمارية القديمة

تكمن اهتمامات أسامة الباحث البيئي، في ربط الطبيعة، سواء كانت نباتات أو حيوانات، بالثقافة. وقال: “شعرت أنني بدأت بخطوة أولى في هذا المجال. وربما يمكن لشخص آخر أن يكمل البناء عليها. تأتي الأفكار من حين إلى آخر”.

عن خططه القادمة، صرح غزالي لـ”باب مصر”: “أحد الأحلام التي تراودني هو إعداد أطلس خاص بالموروثات المعمارية القديمة. خاصة تلك المتعلقة ببناء المنازل في مناطق مثل النوبة، شلاتين، الواحات، الصعيد، والجيزة. القصة هنا ليست عن طرز البناء فقط، بل عن وظيفة البيت ذاته”.

وتابع: “في البيوت النوبية، كان هناك مكان مخصص للزير لتخزين المياه، وكان البيت مصممًا لتربية الحيوانات والماشية. من خلال هذا السياق، يمكننا فهم حياة الأسرة وتفاعلها مع البيت، وفي الصعيد، نجد الشونة، غرفة الشتاء، غرفة الصيف، والسطح. إذا كان هناك أطلس عن موروثات الطرز المعمارية في مصر. سنلاحظ أن هناك أيضًا دورًا كبيرًا للسيدات في بناء المنازل، إضافة إلى الرجال والزخارف التي تزينها”.

اقرأ أيضا:

تحقيقات فرنسية تكشف تورط رجل أعمال مصري في تهريب آثار إلى باريس

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.