ترميم مشبوه وبيع قياسي.. كيف خرجت مشكاة «صرغتمش» الأثرية من مصر؟

حطمت مشكاة مسجد صرغتمش الأثرية الأرقام القياسية خلال بيعها في مزاد بونهامز للفنون الإسلامية والهندية في لندن، حيث بيعت بمبلغ 5.130 مليون جنيه إسترليني، ما يعادل 322 مليون جنيه مصري. وقد فاقت هذه القيمة التقديرات الأولية التي تراوحت بين 600 ألف ومليون جنيه إسترليني، لتصبح بذلك أغلى قطعة زجاجية تُباع في مزاد على الإطلاق.

ترميم مشبوه لمشكاة صرغتمش

القطعة الأثرية، التي يقدر عمرها بـ700 عام وخرجت من مصر قبل أكثر من 150 عاما، تحمل دلائل مختلفة عن المدونة قديما. إذ يعد الدبلوماسي والباحث وجامع التحف الفرنسي تشارلز هنري أوجست شيفر (1820 – 1898) هو أول مالك للمشكاة.

اقتنى شيفر المشكاة أثناء سفره كدبلوماسي، وفي افتتاحية لمعرض الفن الإسلامي عام 1878، كتب الصحفي هنري لافوا عن شيفر أنه استخدم بحثه ومعرفته للحصول على أفضل الأمثلة من الأواني الزجاجية والسيراميك في رحلاته إلى سوريا ومصر خلال خمسينات القرن التاسع عشر. وبعد وفاته في عام 1897، تم بيع مجموعة هنري، بما في ذلك المشكاة، في دار مزادات فندق دروو في باريس. وأعرب الباحث الفرنسي الشهير هنري كوردييه عن أسفه لهذه العملية، قائلاً: “كان من المؤسف أن تُباع هذه المجموعة القيمة التي كان من المفترض أن تبقى جزءًا من التراث الثقافي الفرنسي”.

ولفت كوردييه في مقالته المنشورة في “جريدة الفنون الجميلة” عام 1898 إلى أن قدم المشكاة أو الجزء السفلي قد تم ترميمه. مما يعني أن هنري هو من طلب هذه الترميمات بنفسه. “المصباح مرّ بعدة أياد حتى وصل إلى عائلة نوبار باشا، ومن المحتمل أن يكون قد تم تقليده في مرحلة ما”. كان هذا تعليق الباحث التاريخي عماد أبو العلا، موضحا لـ”باب مصر” أن القطع الأثرية من هذا النوع عادة لا تُسجل رسميًا إلا بعد إجراء تقييمات ولجان مختصة. كما حدث مع بعض المواقع التاريخية مثل مدرسة السلطان حسن، وجامع الرفاعي، ومدرسة الظاهر برقوق في شارع المعز.

ويضيف: “بما أن المصباح خرج من مصر منذ فترة طويلة ولم يتم تسجيله رسميًا أو إعطاؤه رقمًا أثريًا، فهذا يعني أنه لم يدخل ضمن تعداد الآثار المعترف بها. وإذا كان المصباح حقيقيًا فعلاً، فلا يمكننا المطالبة به قانونيًا لأنه لم يخضع للتسجيل الأثري الرسمي منذ البداية”.

الإشارة إلى ترميم الجزء السفلي من المشكاة
الإشارة إلى ترميم الجزء السفلي من المشكاة
زجاج إسلامي نادر

أقيم المزاد في 12 نوفمبر الجاري، وشهد منافسة قوية بين المزايدين في الغرفة وآخرين عبر الهاتف، وتصف مجلة “ذي آرت نيوز ورلد” الحدث بأنه يعكس حجم الأهمية التاريخية والثقافية التي تحملها المشكاة والزجاج الإسلامي النادر.

احتفت الصحف العالمية بصفقة بيع المشكاة التي ترجع للقرن الرابع عشر ميلادي ومطلية بالمينا والذهب، باعتبارها أغلى قطعة زجاجية تُباع في مزاد على مستوى العالم. وبحسب موقع المزاد، فإن هذه القطعة من الزجاج المملوكي تم صنعها لرئيس الأركان سيف الدين صرغتمش في مصر أو سوريا حوالي عام 1351-1358م.

تم إدراج المشكاة في دار مزادات بونهامز للبيع بتوقعات تتراوح بين 600 ألف إلى مليون جنيه إسترليني. لكن تم بيعها بأكثر من خمسة أضعاف هذا الرقم. وبحسب موقع المزاد، “قرر البائعون، أصحاب المشكاة، وهم أحفاد نوبار باشا، أول رئيس وزراء لمصر، بيع هذه القطعة بعدما تحول استخدامها في منازلهم لقطعة ديكور أو مزهرية للزهور المجففة”. ويصف الخبراء هذا التحول في استخدامها، رغم قيمتها التاريخية الكبيرة، بأنه يتناقض مع قيمتها الحقيقية. ويروون أن القطع الأثرية تمر بتحولات عبر الزمن، كما انتبه لها أحفاد نوبار باشا بعد مرور عشرات الأعوام.

سرقة وتقليد من المتاحف المصرية

فحص صور مشكاة صرغتمش الدكتور محمد الكحلاوي، رئيس المجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب. ويقول لـ”باب مصر”: “أعتمد في معلوماتي على هيئة الآثار أو وزارة الآثار، التي لم تعلن عن فقد مشكاة، كذلك لم تكن مشكاة صرغتمش على القائمة الحمراء للمفقودات”. كما يشير إلى أنها قد تكون من المقتنيات الخارجية أو المجموعات الخاصة. ويضيف لـ”باب مصر”: “على وزير الآثار وقف البيع واستردادها، وليس لأحد الحق في نسبتها غير مصر، لكن قوانين اليونسكو تحمي هذه المسروقات طالما أنها غير مسجلة ولا تحمل رقما، ولا يحق المطالبة بها”.

ويتطرق عضو المجلس الأعلى للتخطيط التابع لمجلس الوزراء إلى حوادث سابقة تتعلق بالمشكاوات في مصر، والتي تعرضت لمخاطر كان آخرها التفجيرات التي حدثت في المتحف الإسلامي. يقول: “كان هناك عدد 2 مشكاة تم ضبطها في مزاد بإنجلترا وهما من مقتنيات متحف الفن الإسلامي، لكن عند نقلهما من المتحف إلى متحف الحضارة، قام اثنان من المفتشين المعنيين حينها بالاتفاق مع مرمم آثار وعصابة، بصنع مشكاوات مماثلة وسلموا المقلد لمتحف الحضارة، وهربت المشكاوات الأصلية خارج مصر. وتواصلت معي الدكتورة شهيرة محرز وأبلغتني بما حدث، وكان لابد من التدخل لأن المشكاوات كان سيتم عرضها. وتواصلت مع الوزير وتدخلت السفارة بالقاهرة وأوقفت العمل. واتضح أن هذه المشكاوات مسجلة بمتحف الفن الإسلامي، وبالرجوع لمتحف الحضارة اتضح أن هذه المشكاوات ليست أصلية، وأدركوا أن العملية تمت عن طريق مفتشين آثار ومرمم وعصابة”.

مشكاوات مساجد مصر

يتحدث عماد عثمان مهران، الخبير الأثري ومؤرخ الآثار الإسلامية، ويقول لـ”باب مصر”: “المشكاوات كانت جزءًا من الإضاءة في المساجد خلال العصر المملوكي. وتُعتبر من القطع الزخرفية الهامة التي كان يتم وضعها في أماكن الصلاة. جزء من هذه المشكاوات محفوظ في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة”.

ويستكمل: “اكتشف الراحل حسن عبدالوهاب، مفتش لجنة الآثار العربية، مجموعة من المشكاوات في جدار حائطي بجامع السلطان برقوق في شارع المعز، واعتُبرت جزءًا من مقتنيات المتحف”. يضيف: “قبل صدور قانون حماية الآثار في عام 1983، خرجت بعض القطع الأثرية من مصر بشكل غير رسمي. إذ اشتراها بعض التجار من “ناظر الوقف” أو تملكوها بطرق خاصة، وانتقلت مشكاة صرغتمش من أكثر من شخص وصولا إلى بوغوص باشا، حتى تم عرضها في مزاد مؤخرا. هذه القطعة كانت ضمن مجموعة تاريخية تعود لأكثر من 150 عامًا، وبيعت بمبلغ كبير لأنها أصلية وتحمل قيمة تاريخية وثقافية عالية”.

ويرى أن السعر الذي بيعت به ليس مُبالغًا فيه بالنظر إلى قيمتها الحرفية والزخرفية، خاصة أن الزخارف تحمل رموزًا تخص الأمير صرغتمش الناصري، الذي كان من مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وله دور كبير في فترة حكم ابنه السلطان الناصر حسن. كما أوضح: “كان للأمير صرغتمش قبة دفن بجانب جامع أحمد بن طولون، وهي جزء من مدرسة الأمير صرغتمش التي تتميز بطرازها السمرقندي. وكان المماليك في تلك الفترة يتنقلون بين مصر والشام. حيث أسسوا مدارس وأسبلة وساهموا في العديد من المشاريع العمرانية في المنطقة”.

إضاءة المساجد.. قرآن وذهب ومينا

كانت مصابيح المساجد في تلك الفترة من الأشياء الدينية والثقافية المهمة للغاية، وكانت بمثابة تحف فنية لأفضل صناعها. إذ حكمت سلالة المماليك مصر في الفترة ما بين القرن الثالث عشر والسادس عشر.

وقالت نيما ساغارشي، رئيس قسم الفنون في الشرق الأوسط والإسلامية وجنوب آسيا في دار بونهامز: “مصباح صرغتمش هو عمل فني وحرفي رائع. هذا المصباح ليس نادرًا فقط. بل يتمتع بتاريخ عرض مثير للإعجاب وواسع، وتم عرضه في بعض أهم المتاحف في باريس”.

وتعتبر مصابيح المساجد من أكثر الأمثلة على الأواني الزجاجية التي تعود إلى العصور الوسطى، وتظهر براعة فنية نادرة في أي مكان في العالم. كانت تقنية التذهيب والطلاء بالمينا فريدة تقريبًا في بلاط المماليك. حيث تم إنتاجها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر لأغراض الزينة وتوفير الإضاءة في المساجد. كان إضاءة المسجد يُعتبر عملاً من أعمال الرعاية الدينية، لذلك كانت مصابيح المساجد عادةً مخصصة للسلاطين وكبار الشخصيات. تصف الأعمال الزجاجية في مصر بأنها لم يستطع أحد آخر في العالم صناعة هذا النوع من الأعمال في تلك الفترة.

صُنعت المشكاة لسيف الدين صرغتمش بن عبد الله الناصري بناء على طلبه. وهو أمير مملوكي تمتع بمكانة بارزة في عهد السلطان الناصر حسن (حكم 1347-1351، 1354-1361). تحمل المشكاة اسمه واسم السلطان، بالإضافة إلى شعار صرغتمش. ومن المحتمل أنه تم تعليقها في مدرسة صرغتمش بالقاهرة، والتي لا تزال موجودة حتى الآن.

احتفل العالم يعقوب أرتين باشا بجمال المصباح قديما، قائلاً: “هذه المشكاة، من أجمال مشكاوات الزجاج المطلية بالمينا التي رأيتها ودرستها”.

مشكاة مسجد يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر في تركيا، كما صورها الرسام عثمان حمدي بك
مشكاة مسجد يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر في تركيا، كما صورها الرسام عثمان حمدي بك
شعار الأمير صرغتمش

تتسم المشكاة بشكلها المميز للون الأزرق بالمينا المدمج بالذهب، ويعلو المشكاة درع أبيض به شكل أحمر. وهذا الشكل هو شعار صرغتمش المتكرر في أسفل المشكاة أيضا. يظهر فيه منديل أحمر ( بقجة) يبرز على خلفية بيضاء، ويحدده باعتباره (جمدار)، وهو لقب ووظيفة في العهدين الأيوبي والمملوكي، حيث كانت مهمته الاعتناء بملابس السلطان. ويظهر شعار الأمير صرغتمش على ثلاثة “بيضات” من الزجاج المطلي بالمينا في المتحف القبطي والمتحف الوطني للفن العربي في القاهرة. اثنان منها يحملان اسم صرغتمش.

على الرغم من وجود اختصارات في النقوش التي تظهر على القطع المعروضة حاليًا. فمن المحتمل أن المصباح قد تم إنتاجه في نفس الفترة الزمنية التي أنتجت فيها تلك القطع. يمكن تفسير النقش المصغر الذي يظهر عليه المصباح بصغر حجم القطع. كما أشار الخبير ليو أ. ماير في كتابه *Saracenic Heraldry* (أوكسفورد، 1933، ص31، رقم2). إلى أنه تم العثور على نسخة مشابهة في مدرسة صرغتمش. ويذكر أنه لم يتم تسجيل أي مصابيح مسجد أخرى تحمل اسم “صرغتمش”.

وبعد تلك الحادثة، بدأ السلطان الناصر حسن ينظر إلى صرغتمش كتهديد، ليقوم في عام 1358 باعتقاله وسجنه في الإسكندرية. حيث توفي هناك في وقت لاحق من نفس العام.

كتابات وزخارف مشكاة صرغتمش

يبلغ ارتفاع المشكاة 38.5 سم، وتتسم بأن لها جسما مستديرا ذو فوهة مخروطية متسعة، وستة مقابض حلقية مطبقة حول الجسم، ومزينة بالمينا الأزرق والأحمر والأبيض والأخضر مع شريط من الكتابات بالثلث متشابكة مع زخارف نباتية في الجزء العلوي من الجسم.

وبحسب الموقع الرسمي للمزاد، يزين الجزء العلوي كتابات تتخللها ثلاث حليات تتكون من شعارات دائرية محاطة بشرائط نباتية من الزخارف. والجزء السفلي من الفوهة به شريط من الزخارف النباتية المغطاة بحلقات دائرية مملوءة بالزهور وخراطيش صدفية. كما يحتوي الجزء السفلي من الجسم على ثلاث حليات تتكون من شعارات دائرية محاطة بشرائط من الزخارف النباتية تتخللها خراطيش مفصصة جزئية مليئة بتشابك نباتي.

تحمل المشكاة كتابات من القرآن، وهي آيات من سورة النور: “الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح”، ويصف الخبراء كتابة آيات القرآن كرمز ديني. بالإضافة إلى كتابة اسم صرغتمش ورتبته، ويستكمل روبرت: “كانت مثل هذه العروض شائعة بين النخبة، الذين استخدموا مصابيح المساجد كلوحة لإبراز المكانة والالتزام الديني. وإنتاجها كان يُعتبر عملاً مهماً من أعمال الرعاية الدينية من قبل الشخصيات الغنية والقوية. وكانت الكتابات العلوية قرآن تتم كتابتها بالمينا”.

وفي مصباح صرغتمش نجد المزيد من الأبيات الشعرية، في ثلاث طبقات، وتكرار اسم ورتبة الأمير صرغتمش. وتنتهي باسم السلطان الحاكم: “صاحب المعالي والجلال، سيدي الملكي، المحترم، السياف، صرغتمش، رئيس فيلق مماليك الملك الناصر”.

رقم قياسي

عُرضت المشكاة في ثلاثة متاحف بباريس في القرن التاسع عشر. وهي متحف غيميه في عام 1869، ومتحف الفنون الزخرفية في متحف اللوفر في عام 1903، وقصر تروكاديرو في عام 1878. كما ظهرت في عشرة منشورات رئيسية يعود تاريخها إلى عام 1869. بما في ذلك توضيحها في وقت مبكر من عام 1907 في نشرة المعهد المصري. حيث كان موضوعًا لتعليق موسع من قبل العالم الأرمني المصري البارز، يعقوب أرتين باشا.

وحققت المشكاة الرقم القياسي كأغلى قطعة زجاجية تُباع في مزاد. بعدما سجلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية بيع كأس زجاجي روماني يعود تاريخه إلى عام 300 بعد الميلاد مقابل 520 ألف جنيه إسترليني في عام 1979. واشتراها صندوق معاشات السكك الحديدية البريطاني. وأعيد بيعها في عام 2004 في مزاد أقيم في لندن مقابل 2.646.650 جنيه إسترليني.

تاريخ ملكية مشكاة صرغتمتش

انتقلت مشكاة صرغتمش لأكثر من شخص على مدار 150 عاما، وبحسب الموقع الرسمي لمزاد بونهامز، هؤلاء هم من أبرز من اقتنوها:

تشارلز هنري أوغست شيفر (1820-1898)

أول مالك مسجل للمصباح هو الدبلوماسي والباحث وجامع التحف الفرنسي تشارلز هنري أوجست شيفر (1820– 1898)، الذي نشأ في باريس ودرس اللغات العربية والتركية والفارسية. شغل شيفر منصب مترجم وزارة الخارجية الفرنسية بين عامي 1843 و1857. وكان يقيم في عدة مدن في مصر والإمبراطورية العثمانية مثل بيروت، القدس، إزمير، الإسكندرية وإسطنبول.

خلال مسيرته، اعترفت الحكومة الفرنسية بإسهاماته الأكاديمية والثقافية ومنحته العديد من الأوسمة الرفيعة، أبرزها وسام جوقة الشرف في عام 1862. كما تبرع شيفر بمجموعة مختارة من مقتنياته للمتحف البريطاني في لندن بين عامي 1866 و1878. إلى جانب متاحف أخرى مثل متحف متروبوليتان ومجموعة غولبنكيان.

غالبًا ما يتم جمع أعمال شيفر أثناء سفره كدبلوماسي، سواء كان ذلك عبر هدايا من أكاديميين محليين أو كمقتنيات شخصية. ومن المحتمل أن يكون المصباح قد تم الحصول عليه خلال إحدى رحلاته بين عامي 1843 و1857. وكان موجودًا في حوزته بحلول عام 1869، عندما تم عرضه في المتحف الشرقي (الآن متحف غيميه) تحت اسمه. بعد وفاته في عام 1897، تم بيع مجموعة شيفر المدهشة، بما في ذلك المصباح، في دار مزادات فندق دروو في باريس. وقد أعرب الباحث الفرنسي الشهير هنري كوردييه عن أسفه لهذه العملية. يقول: “كان من المؤسف أن تُباع هذه المجموعة القيمة التي كان من المفترض أن تبقى جزءًا من التراث الثقافي الفرنسي”.

ولفت كوردييه في مقالته المنشورة في “جريدة الفنون الجميلة” عام 1898، إلى أن التراث الشرقي في فرنسا بحاجة إلى اهتمام أكبر. إذ كتب: “من المؤسف أن تتشتت مجموعة شيفر بهذه الطريقة، فالعالم الشرقي لا يزال ممثلًا بشكل ضئيل في فرنسا. سواء في صالات العرض الخاصة أو في متاحف الدولة. ورغم أن فرنسا كانت وما زالت قوة إسلامية كبرى، فإن هذا التمثيل يظل ناقصًا للغاية. وهو ما يتضح جليًا في قلة وجود الأعمال الشرقية في متحف اللوفر، الذي يعكس بشكل واضح الفقر في محتوياته من هذا النوع. أما المتاحف التي أسسها سيرنوسكي والسيد غيميت، فهي تركز بشكل رئيسي على الصين واليابان. في حين يبقى السؤال: من سيهتم بإنشاء مجموعة مماثلة من قطع الشام ومصر والمغرب؟”. ذكر في نفس المقال أن قدم المشكاة قد تم ترميمها، مما يعني أن شيفر هو من طلب هذه الترميمات بنفسه.

موريس ستورا (1879-1950)

بعد بيع المصباح في مزاد درووت عام 1898، ظهرت مشكاة صرغتمش مجددًا في كتالوج معرض الفن الإسلامي الذي أُقيم في متحف الفنون الزخرفية بمتحف اللوفر عام 1903. وقد تم إدراجها هناك على أنها معارة من قبل “م. ستورا”. وكان موريس ستورا، تاجر الفنون والتحف المعروف، يدير متجرًا في باريس مع شقيقه رافاييل ستورا (1887-1963) في 32 بوليفارد هوسمان.

وعلى الرغم من عدم وجود سجل رسمي يثبت ذلك. تشير الأدلة إلى أن عائلة ستورا قد تكون اشترت المصباح في مزاد درووت. حيث تم بيعه بمبلغ 4000 فرنك. وهو ما ورد في ملاحظة مكتوبة بخط اليد في نسخة كتالوج المزاد المحفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية.

بوغوص نوبار باشا (1851-1930)

المالك التالي للمصباح هو بوغوص نوبار باشا، نجل نوبار باشا، أول رئيس وزراء لمصر (1825-1899). وحصل على المصباح في عام 1906 من تاجر التحف م. ك. إسبينيان، الذي كان يمتلك متاجر في إسطنبول والقاهرة، وفقًا لما ورد في تقرير نشرته “نشرة المعهد المصري” عام 1907. في عام 1921، تقاعد بوغوص نوبار باشا وتوفي في باريس عام 1930. وقد انتقل المصباح إلى ابنه أراكيل نوبار باشا (1881-1954)، وظل في ممتلكات العائلة حتى تاريخ بيعه.

أهمية المشكاوات في المساجد

أوضح البروفيسور روبرت هيلينبراند في مقال كتبه لمجلة بونهامز عن الوظيفة العملية والجمالية لهذه القطع الأثرية: “في ظل هذه المباني الخافتة، كانت هذه المصابيح ضرورة عملية. فقد كانت تغلق الفتائل المعلقة في حاويات زيت زجاجية وتخلق الضوء الأصفر المتحرك وسط الظلام”.

ويوضح: “كان كل مصباح معلقًا بسلاسل من السقف أو عوارض خشبية في مكان للعبادة. بغض النظر عن نوع المبنى الذي يزينه. وكانت وظيفته عملية ودينية وسياسية. وكانت هذه المصابيح ضرورية للمساجد. فقد كانت تغلق فتائل معلقة في حاويات زيت زجاجية وتشكل بركًا من الضوء الأصفر المتحرك وسط الظلام. وكان الضوء ينبعث وينعكس، ومع تحرك المشاهد، كانت الألوان المنفصلة للمصباح – الأزرق والذهبي والأسود – تظهر بوضوح”.

اقرأ أيضا:

كواليس سقوط «ألماجيا» زعيم عصابات المقابر.. آثار الإسكندرية المسروقة بخط يده في «الكتاب الأخضر»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر