مسارح وسينمات الأسكندرية.. التراث الثقافي الذي هوى
“حالة حزن طبعا، لأنه مش مجرد مسرح ده رمز و ذكريات”.. هكذا عبر رامي نادر، ممثل و مخرج مسرحي في الأسكندرية، عن شعوره هو وزملائه من هدم مسرح السلام بالأسكندرية.
يذكر أن مسرح وسينما السلام الصيفي في منطقة مصطفى كامل جرى بناؤه أول السبعينيات على أرض تابعة للقوات المسلحة، واستقبل أعمال مسرحية لنجوم وفرق صاعدة، إضافة إلى عروض الفرق القومية وحفلات العرائس التي كانت تزيد عروضها خلال فصل الصيف، إلا أنه بسبب تآكل الجدران الخارجية للمسرح صدر قرار بترميمه ووقف استقبال أي أعمال به منذ عامين، وهو ما لم يحدث حتى صدر قرار آخر بهدم المسرح ونفذ بالفعل منذ أيام قليلة.
أعاد هدم مسرح السلام منتصف الشهر الحالي إلى ذهن رامي ذكرياته على مسارح الأسكندرية التي وقف عليها في يوم من الأيام والتي وهدمت رغم قيمتها الثقافية والفنيه أو تحولت إلى صالات أفراح على حد وصفه. مضيفا “أنا عملت بروفات على مسرح العبد بالإبراهيمية اللي اتهد ومسرح نجم اللي بقى قاعة أفراح في كامب شيزار، وبروفات على مسرح محمد عبدالوهاب، أما مسرح السلام شوفت فيه عرض واحد و كان لمحمد نجم”.
“حاجة زي ديه كان المفروض تتجدد مش تتهد حاجة فعلا تزعل”.. عبرت مي عباس، ممثلة في فرقة الأسكندرية التابعة للبيت الفني للمسرح، عن غضبها من هدم مسرح السلام والتي تتذكر كيف كان يقف عليه النجوم ليؤدوا أهم المسرحيات مثل شارع محمد علي، والزعيم، ومسرحيات لمحمد نجم.
بلد الفن والفنانين
يذكر عباس عبدالمنعم، مخرج وممثل مسرحي بالثقافة الجماهيرية بالأسكندرية قصر ثقافة الأنفوشي، إن مسرح الأنفوشي المغلق منذ ما يقرب من 8 سنوات لأعمال الترميم به وفي انتظار إعادة افتتاحه قد أخرج عليه نجوم الفن الجميل مثل عبدالمنعم مدبولي، وسعد أردش، وفهمي الخولي، وسمير فهمي، وهاني مطاوع، وأحمد عبدالعزيز.
كما أن من أقدم مسارح الأسكندرية والباقية حتى الآن المسرح الروماني هو مزار أثري ومسرح أوبرا سيد درويش، ومسرح ليسية الحرية التابع لأقدم مدارس الأسكندرية، وبالنسبة لمسارح الثقافة الجماهيرية فهم مسرح الأنفوشي وبرج العرب والشاطبي ومحمد عبدالوهاب.
أول عرض سينمائي ناطق بسينما محلات عزيز ودرويس بالأسكندرية
بعد أن كانت هذه المدينة تحكي تاريخ لا يخص مصر فقط، بل محطات شهدها تاريخ العالم فهي “بلد الفن والفنانين” تحمل ذكريات أهل الفن منذ تاريخ نشأة المسرح والسينما ومع ارتفاع أصوات البلدوزرات وعربات الهدم التي يستيقظ عليها أهالي الأسكندرية نجد تراث وتاريخ يطمس وما تبقى هو بعض الذكريات فلا تخلو صفحات المؤلفات المصرية والعربية التي تحكي عن تاريخ المسرح والسينما في القرن 19 و20 في مصر من ذكر مدينة الأسكندرية ودورها الرائد كمدينة الفن والثقافة، وتذكر كتب مثل المسرح والتغيير الاجتماعي في مصر تأليف كمال الدين حسين تقديم مختار السويفي، وتاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر تأليف دكتور علي إسماعيل، وفي كتاب وقائع السينما المصرية في مائة عام من 1896-1995 تأليف علي أبوشادي لا تخلو صفحة منها وهي تسرد تاريخ نشأة السينما في مصر ودور العرض من أن الأسكندرية كانت الرائدة دائما، حيث كانت العروض السينمائية جزء من العروض في الأسكندرية والقاهرة من عام 1898 حتى عام 1905 وقد شاهدت أول عرض سينمائي ناطق بسينما محلات عزيز ودرويش الأسكندرية .
“بورصة طوسون” أول دار عرض للسينما و “سينجراف جورنال” أول مجلة للسينما في الأسكندرية
وتوالت بعد ذلك إنشاء دور العرض في الأسكندرية وكان أولها تأسيس الشركة الإيطالية “سيتشيا” فيذكر الكتاب بالتواريخ الدقيقة النشأة وأوائل دور العرض التي أنشأت في الأسكندرية “بورصة طوسون”، كما أن هذه المدينة شهدت أول مجلة في السينما عام 1919 كانت بعنوان “سينجراف جورنال” شهرية كانت تصدر باللغة الفرنسية.
فقد أنشئت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الثورة توثق أعمال الهدم المتلاحقة للمباني التراثية والثقافية بالأسكندرية مثل صفحة “أنقذوا الأسكندرية” والتي أصدرت أكثر من بيان تدين فيه أعمال هدم مسرح العبد الذي تحوي أرضه آثارا من العصر “الهلنيسي” ومسرح السلام بالشاطبي إلى هدم سينما ريالتو من أقدم سينمات الأسكندرية.
ما تبقى من أكثر من 48 مسرحا ودار عرض في الأسكندرية
ويذكر أيضا عن مسارح الأسكندرية التراثية والتي كانت أكثر من 48 مسرحا قبل هدم أغلبها وما تبقى يعد أقدمها مسرح زيزينيا، حيث يرجع نشأته للكونت دي زيزينيا، وكان تاجر للقطن وقنصل لبلجيكا فيمصر، و قد أنشأ مسرحين وهو زيزنيا الصيفي وزيزينيا الشتوي، مسرح زيزينيا الصيفي أصبح بعد ذلك فندقسان ستيفانو الشهير وهو الآن فندق الفور سيزون، ومسرح زيزينيا الشتوي الذي تحول إلى تياترو محمد علي سنة 1918 ثم إلى مسرح سيد درويش سنة 1962 ثم إلى دار الأوبرا بالأسكندرية 2004 وقد شيد على الطراز الفرنسي.
مسرح زيزينيا وسارة برنارد
وعلى هذا المسرح شاهد الخديو عباس باشا حلمي الثاني جورج أبيض ناظر محطة سيدي جابر وقتها وهو يمثل مع فرقة أبناء مدارس الفرير المسرحية، والتي كانت تقدم أعمالًا باللغة الفرنسية ووافق الخديوي على سفره إلى فرنسا لدراسة المسرح وسافر عام 1904، وعلى هذا المسرح مثلت سارة برنار عندما زارت مصر عام 1908.
وتتذكر وفاء سعد، ربة منزل من سكان الأسكندرية، أنها في ستينيات القرن الماضي حضرت على هذا المسرح أوبريت العرائس “الليلة الكبيرة” للراحل صلاح جاهين وكانت في هذه الفترة في المرحلة الإعدادية، كانت الأسكندرية عامرة فيها بالمسارح من شرقها إلى غربها على حد وصفها.
مسرح الليسية 1909
مسرح ليسية الحرية يوجد بمنطقة الشاطبي وهو تابع لمدرسة ليسية الحرية التي أنشأتها البعثة الفرنسية عام 1909، وتم تأميمها عام 1961 ويعتبر مسرحها من أهم المسارح التراثية بالأسكندرية التي شهدت العديد من العروض المسرحية للفنانين، وهو الآن يعرض عليه مسرحيات البيت الفني للمسرح التابع للدولة.
مسرح إسماعيل ياسين (منتصف القرن الماضي)
اسمه الحالي مسرح عبدالمنعم جابر (إسماعيل يس سابقا) في حي الإبراهيمية وهو من المسارح التي أنشأت منتصف القرن الماضي ولا تزال تستضيف بعض العروض المسرحية حتى الآن رغم ما تعانيه الثقافة والحركة الفنية من حالة خمول.
مسرح بيرم التونسي
بمنطقة الشاطبي والذي أغلق لترميمه قرابة السبع سنوات وافتتح ثانية يوم 26 أبريل 2012 ليستقبل العروض المسرحية التابعة للبيت الفني للمسرح.
مسرح محمد عبدالوهاب
هو مسرح صيفي يقع في منطقة الأزاريطة فهو دائما كان يستضيف العروض الاستعراضية والفنون الشعبية مثل عروض فرقة رضا، فهو تابع للبيت الفني للفنون الشعبية لم يتم تجديده حتى الآن، ويعاني الإهمال وسقوط أجزاء من واجهة المسرح، وأوضح موظف حجز التذاكر به أنه قيد الترميم.
مسارح الثقافة الجماهيرية
مسرح قصر ثقافة الحرية الإبداع الموجود بشارع فؤاد، وكان يطلق عليها في الماضي كلوب محمد علي، و أنشأ منذ القرن 19 وهذا وفقا لما ذكر في الصفحة الرسمية للمركز وموقع صندوق التنمية الثقافية على الإنترنت، فهو أول مركز ثقافي مصري أنشأ في الأسكندرية، وهو تابع لصندوق التنمية الثقافية منذ عام 1962.
مسرح قصر ثقافة الأنفوشي
افتتح مسرح قصر ثقافة الأنفوشي في 23 يوليو 1963م، ويقع بشارع قصر رأس التين بحي الجمرك، و ظل 8 سنوات مغلق قيد الترميم ومن المقرر أن يعاد افتتاحه للجمهور والمثقفين قريبا.
ويعتبر من أقدم المسارح التابع للثقافة الجماهيرية بالأسكندرية قصر ثقافة الشاطبي بجوار مسرح بيرم التونسي، وكان قيد الترميم وأغلق أكثر من عشرين سنة إلا أن تم إعادة افتتاحة عام 2014.
مسرح قصر تذوق سيدي جابر
يقع بمنطقة سيدي جابر الشيخ، توقف نشاطه منذ حوالي 9 سنوات بناء على طلب الدفاع المدني، إضافة إلى توقف الأنشطة في أغلب قاعاته لنفس السبب.
أما بالنسبة لما هدم فالكثير
وكان آخرهم مسرح السلام بالشاطبي فهناك الكثير من المسارح التراثية هدم من بينها:
مسرح نجيب الريحاني بمنطقة كامب شيزار على الكورنيش، والذي هدم من بدايات الستينيات بعد أن أهمل أصابه التدهور، وشيدت مكانه مبنى سكني أسفله مقهى الريحاني الذي أراد صاحبه عام 1965 برواية العاملين في المقهى تخليد ذكرى الريحاني في مكان مسرحه حيث نجد على جميع جدران المقهى صور لنجيب الريحاني من أفلامه بالأبيض و أسود.
مسرح العبد بمنطقة كامب شيزار، كان أسفله آثار ترجع إلى العصر الهلنيسي وكثيرا ما استضاف عروض مسرحية للنجوم، وقبل هدمه تحول إلى قاعة أفراح ثم بعد ذلك هدم عام 2015 وسط غضب من أهالي و المثقفين و الأثرين.
مسرح كوته على أرض كوته بالأزاريطة، كان يعرض عليه مسرحيات الفنان محمد نجم أصبح أرض مهجورة تخرج من جوارها الروائح الكريهة والقمامة، واكتفى بتعليق إعلانات المسرحيات إن وجدت على وجهته، والتي تعرض على المسارح المتبقية في الأسكندرية.
مسرح الفن (جلال الشرقاوي) بالمنتزه، هدم و أصبح مكان مهجور، ومسرح نجم ومسرح اللونا بارك بالإبراهيمية فقد تحولا إلى قاعات أفراح ويعد مسرح لونا بارك من المسارح القديمة في الأسكندرية التي شيدت مطلع القرن العشرين.
ولم تسلم دور العرض التراثية من نفس المصير إذ كان الهدم أو الإهمال، وأكثر السينمات التراثية كانت في منطقة محطة الرمل والمنشية وكان آخر سينما تم هدمها في الأسكندرية سينما ريالتو بمنطقة محطة الرمل، والتي تعد تراث تحمل ذكريات العروض السينمائية في الإسكندرية في القرن الماضي، كان من المفترض إعادة ترميمها لكن تم هدم أجزاء كبيرة منها لتحويلها إلى مولات تجارية وذلك في أبريل 2013 ولقد عرضت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” وقتها بعنوان اسكندرية إيد واحدة فيديو تفصيلي لتوثيق مراحل الهدم على هذا الرابط:
أما مسرح وسينما الهمبرا بمحطة الرمل، والتي تعتبر من أقدم دور العرض السينمائية بمحطة الرمل وأكبرها مساحة فهي كانت مجوارة لسينما ستراند وفريال، كان مسرحها يقام عليه حفلات نجوم القرن الماضي أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وعبدالوهاب، وسينماتها كانت تعرض الأفلام الأجنبية التي كانت في ذلك الوقت.
يتذكر كمال سعيد، بائع عصير، على المربع الذي كانت تقع عليه السينما قبل أن تهدم منذ أكثر من 20 عاما وتقام على أرضها ملاهي السندباد “هنا زمان كان أحلى الأفلام الأجنبية بتتعرض، وأحنا كنا نزوغ من المدارس ونروحها زي فيلم إسبارتكوزو”، ويشير إلى باب مغلق للحائط المتبقي من سور السينما هنا كان شباك قطع التذاكر.
أما أحمد عبدالله، بائع فاكهة، يقف منذ سنوات طويلة أمام السينما يتذكر قائلا “هنا كنت بحضر حفلات الست وكان لازم ندخل لابسين البدل، وهنا عبدالحليم حافظ اضرب بالطماطم أول ظهوره ورجع تاني في الستينيات وغنى لنفس جمهور اسكندرية في الهمبرا والسينما ديه كانت مصدر رزق لكل المحلات ديه، وكان على نفس الأرض كمان سينما ريتس اللي اتهدت برضه، وبجد زعلنا جدا بس مين يسمع”.
على هذا الرابط حفل لعبدالحليم حافظ 21 أبريل عام 1966 على مسرح الهمبرا بالأسكندرية:
وفي مدونة جدران مدينة متعبة توثق لسينمات الأسكندرية التي تم هدمها والتي تزيد عن الثلاثين دور سينما، ومنها سينما النصر الصيفي في الدخيلة، وسينما المنتزه الصيفي، وسينما الهلال بالقباري، وسينما الجمهورية براغب، وسينما ستار بمحطة مصر، وسينما التتويج وريتس والهمبرا والكوزمو والشرق وبارك وماجيستيك بالمنشية ومحطة الرمل، وسينما قيس وسينما ليلى بباكوس، وسينما سبورتنج ولاجيتيه وأوديون وغيرهما من سينمات الدرجة الثانية والثالثة.. هدمت هذه السينمات وتحولت إلى عمارات أو مولات أو تحولت إلى ورش ومخازن، أما ما تبقى من سينمات الاسكندرية التراثية بمحطة الرمل هي سينما راديو وفريال ومترو وأمير وريو، وما تبقى من كل هذا التراث الثقافي يسكن فقط في ذاكرة من عاشوه وحكاياتهم التي تبدأ دوما بـ”كانت الأسكندرية يوما”.