تابوت خشبي ولسان ذهب.. تاريخ حفظ جثث الملوك من الفراعنة للبطالمة
كان لدى قدماء المصريين مجموعة من الطقوس الجنائزية والعادات شديدة الصرامة خاصة الملوك والملكات، والتي كانوا يروا أنها ضرورية، وبدونها لن يكون هناك خلود للروح، ولن يكون جسد المتوفى محفوظا بالشكل المطلوب، وتوارثت فيما بعد في العهد اليوناني والروماني في مصر ولكن تم تنفيذها بطريقة مختلفة.
بالتزامن مع إقامة موكب المومياوات الملكية المهيب لنقل 22 مومياء ملكية مصرية قديمة قبل يومين، من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط، يرصد «باب مصر» تاريخ وعادات الحفاظ على جثث الملوك والملكات في العصر المصري القديم، وفي العصر اليوناني والروماني في مصر والتي مازالت تتوالي الاكتشافات الملكية الخاصة بهما.
تجنيط الملوك
شملت هذه الطقوس لدى المصريين القدماء، واحدة من أعظم أسرارهم وهي عملية التحنيط التي كانت تستغرق سبعين يوما والتي ما تزال عصية على الكشف حتى الآن، كما قالت لـ«باب مصر» د.سليمة إكرام، عالمة الآثار وأستاذة علم المصريات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ويتم استكمال عملية التحنيط بالقيام بالتعاويذ السحرية الواردة بمتون الأهرام ونصوص التوابيت وكتاب الموتى، وأيضا القيام بدفن بعض السلع التي يرون بأن المتوفى يحتاجها في الحياة الآخرة.
وكانت عملية التحنيط المتقنة هذه، ووضع جثة الملك في تابوت أو عدة توابيت، ثم وضعها في مقبرة نحتت في الصخر بإتقان، كما في مقابر وادي الملوك بالأقصر، وخاصة تلك المقابر التي احتوت على مومياوات لم تتعرض للسرقة من قبر لصوص المقابر، كل ذلك ساعد في بقاء مومياوات ملوك المصريين القدماء في حالة معقولة، على عكس طرق الدفن عن اليونانيين.
تاريخ التوابيت
وفي تاريخ المصريين القدماء واليونانين والرومان في مصر، عند وفاة الملوك والعائلة المالكة أو كبار المسؤولين، لم يتم دفنهم في تابوت خشبي عادي، ولكن تم أيضًا حفظ تابوت خشبي في صندوق، هذا الصندوق المصنوع من الحجر يسمى تابوت ويتم وضعه فوق الأرض، ويعتقد أن بدايتها في مصر هي 2686 قبل الميلاد، بحسب تقرير نشر على موقع «مركز البحث الأمريكي في مصر».
وكان يُعتقد أن عملية الحفاظ على الجسد بأمان لأنه بعد الموت سيُبعث من جديد بنفس الشكل، ولذا فإن التابوت ضروري، إلى جانب المنحوتات الخشبية، وتم أيضًا الاحتفاظ بالأحجار الكريمة والزخارف داخل التابوت، وكذلك نحت اسم المتوفى حتى لا يواجه أي صعوبة في العودة إلى جسده بعد الموت، وفي الوقت نفسه، كان التابوت مصنوعًا من تابوت خشبي مربع بناءً على جسم المتوفى ومكانته، وفي الحضارة المصرية كان يتم عمل طلاء خاص على جسد المتوفى ثم دفنه حتى لا يتلف الجسد.
أسرار البطالمة
المبدأ نفسه تم اتباعه خلال عهد اليونانين في مصر (البطالمة)، ولكن مع تطور طرق دفن جثث الملوك في العصرين اليوناني والروماني، حيث تنوعت سمات الدفن في مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، بين نحت المقابر في الصخر، أو إقامتها تحت الأرض، أو جعل البناء فوق الأرض، كما اختلفت أيضا في طريقة الدفن وفي أسلوب الزخرفة، على حسب قدرة الشخص المادية ووضعه الاجتماعي.
ومنها أساليب المقابر المنحوتة في الصخر، والتي لم تكن بالأمر الجديد على مصر، بل هي أسلوب قديم، سبق العصرين البطلمي والروماني، كما أوضح لـ«باب مصر» الدكتور حسين دقيل، الباحث الأثري والمتخصص في الآثار اليونانية والرومانية. ويقول: “ما رأيناه منذ عصر الأسرات المبكرة في مصر القديمة، وإن اتخذت أشكالا متعددة، تدل على سعى القدماء لإقامة المقابر من خلال نحت الصخور، لأنهم رأوا أنها أقدر على حفظ جسد المتوفى من التحلل”.
التمائم الذهبية
وكان يتم إتباع عادة فريدة من نوعها للملوك في الحضارة اليونانية، وهذا الطقس كان يقوم به الإغريق بعد التأكد من وفاة الشخص، وغسله بالماء أو بالخمر أحيانا، وبعد دهنه بالعطور يقوموا بغلق الفم والأعين، ثم يضعوا عملة من نوع «الأوبول» في فمه كي يدفعها الميت للمراكبي المدعو «شارون» في العالم الآخر، طبقا لعقيدتهم، وفقا لما قال د.حسين.
كما كانت توجد شرائط معدنية يتم بها إغلاق منطقة الفم، وكانت توضع وسادة مرتفعة تحت الرأس لتسند الرأس وتمنع الفم من الفتح فتسقط العملة، ويوضح الباحث الأثري أن اليونانين في مصر «البطالمة» وإن حاولوا في البداية اتخاذ النهج المصري في عملية الدفن إلا أنه تلاشى شيئا فشيئا.
مضيفا أن اليونانيين لم يقوموا بعملية تحنيط الجسد كما فعل المصريون القدماء، والطقوس الجنائزية عندهم تبدأ بعد ترك الجسد لبعض الوقت في حالته حتى يتأكدوا أنه قد مات فعلا وليس في غيبوبة، ثم يقوموا بغسله وتطهيره ولفه برداء أبيض وتكليله ببعض النباتات.
مقابر الإسكندرية
وكانت هذه الطقوس تتم في البيت كما يتضح من مقابر أثينا، غير أن مقابر الإسكندرية تبين بأن تلك الطقوس كانت تتم بالمقبرة، وبعد ذلك كان المتوفى يوضع على سرير جنائزي وهو الذي يمثل النعش لنقل الجثمان في رحلته إلى القبر، ويتحرك الموكب الجنائزي من المنزل وحوله رجال ونساء ما بين العازفين وحاملي المشاعل والنساء النائحات.
وكانت طريقة الدفن تتم إما بحرق جثمان المتوفى بوضعه فوق مجموعة من الحطب الموضوعة على شكل مذبح، ويتقدم أحد الأقارب وهو يحمل شعلة فيضرم بها ذلك الحطب، ثم يلقي الحاضرون ما يحملونه للميت من زهور في ذلك اللهب وبعد احتراق الجثة يطفئون النار ثم يجمع الرماد في آنية فخارية توضع داخل المقبرة، وإما بوضع الجسد المكفن داخل تابوت من الخشب أو الحجر أو يوضع مباشرة في حفرة في الأرض، كما قال د.دقيل.
اقرأ أيضا
بعث ملوك مدينة الموتى في القاهرة.. «موكب المومياوات» في الصحافة الدولية
2 تعليقات