بينهم «الأوستراكا العربية».. 300 قطعة أثرية بجزيرة «إلفنتين» في أسوان
يحظى معرض الآثار العربية في جزيرة إلفنتين بوسط النيل في مدينة أسوان بالعديد من كسرات الفخار الأثرية، تحتوي على نقوش عربية تؤرخ للعصر الإسلامي المبكر خلال الفترة بين القرنين السابع والتاسع الميلادي، ومنها الأوستراكا العربية.
كما توضح هذه المقتنيات الأثرية أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان هذه الجزيرة مثل عادات الزواج وحركة البيع والشراء للحيوانات الأليفة مثل القرود، التي كان يتم جلبها للملوك والسلاطين من أجل التسلية والترفيه، إذ كان يباع القرد الواحد بأربعة دنانير.
الأوستراكا العربية
يقول الدكتور محمد عبداللطيف، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، إن البعثة الألمانية التي تعمل في جزيرة إلفنتين بأسوان اكتشفت العديد من كسرات الفخار الأثرية التي يطلق عليها مصطلح “أوستراكا” وهو جمع الكلمة اليونانية “أوستراكون” ومعناها كسرات الفخار أو قطع الحجارة المسطحة، والتي تم استخدامها كسطح للكتابة كما هو الحال في البردي، ويبلغ إجمالي القطع التي تم اكتشافها في جزيرة إلفنتين نحو ألف قطعة من الأوستراكا العربية.
ويتابع: “توصلنا لوجود 300 قطعة لها قيمة أثرية وعلمية.. وتتميز بقيمتها التاريخية الكبيرة خلال العصر الإسلامي المبكر في مصر.. تحديدا من القرن السابع إلى القرن التاسع الميلادي.. وتبرز هذه القطع أنماط الحياة الاجتماعية في جزيرة إلفنتين.. مثل عادات الزواج ومقدم الصداق والمؤخر والطلاق والمواريث.. علاوة على إبراز الأنشطة التجارية في هذه الجزيرة، التي كانت مركز تجاري كبير يحتوي على محكمة لفض النزاعات التي تحدث بين التجار”.
يصالات بالفورمة
وأضاف دكتور محمد عبداللطيف: أن جميع القطع الأثرية والوثائق مؤكدة وموثقة، لأنها مكتوبة بأيدي أصحابها فقط.. وهذا نادرا ما يحدث.. بخلاف الوثائق الأخرى التي قد يكتبها بعض المؤرخين أحيانا لمجاملة بعض الحكام.. والطريف وجود بعض القطع عليها إيصالات موقعة بالفورمة وليس باسم التاجر فقط حتى لا يتم تقليدها.
موضحا أن فرز القطع الأثرية اخذت مجهود كبير من أعضاء البعثة الألمانية والباحثين المصريين.. لأن حالة بعض القطع كانت سيئة بسبب العوامل الجوية.. كما أن بعضها كان داخل تربة طينية مما أدى إلى حدوث التصاق شديد بين التربة والقطعة الأثرية.. وكنا نتعامل معها بحرص شديد أثناء الفرز، خوفا من حدوث أي تلف في هذه القطع.
ويشير إلى أن قطع الأوستراكا العربية أعطت معلومات سياسية هامة عن العصر الإسلامي المبكر في مصر.. من أهمها العلاقة القوية بين مصر وأفريقيا.. مما يؤكد أن هذه العلاقات وثيقة وممتدة في جذور التاريخ وأحيانا تهدأ قليلا ولكنها لا تضعف.
طريق الحج
وأوضح رئيس القطاع، أن هذه القطع تؤكد أن دور جزيرة إلفنتين بأسوان لم ينتهِ عند العصرين الروماني واليوناني.. ولكن لها تاريخ في الفترة المسيحية ثم دخول الإسلام لمصر… وكان سكان جزيرة إلفنتين من المسلمين والأقباط على حد سواء يعيشون في سلام.. حيث تم العثور على كنائس ترجع للعصر الروماني المتأخر (395-642 م ).. والعصر الإسلامي المبكر (642-969 م)، حيث أصبحت أسوان.. ضمن طريق الحج من درب الأربعين إلى ميناء عيذاب الذي يقع على شاطئ البحر الأحمر.. بالقرب من مثلث حلايب وشلاتين ومنه إلى مكة أو الهند.. كما توجد العديد من النقوش والكتابات التي تؤرخ لهذه الرحلة في أسوان.
تجارة مزدهرة
وقال الدكتور أحمد صالح، مدير آثار أسوان، إن جزيرة إلفنتين التي تسمى جزيرة أسوان حاليا كانت منذ عام 3500 قبل الميلاد موقعا تجاريا مزدهرا ومدينة حدودية محمية جيدا في الطرف الجنوبي من المملكة الفرعونية، وكانت تزدهر فيها تجارة الجرانيت الوردي والحجر الرملي لمصقول والسلع التجارية المختلفة مثل العاج والصوف والوبر والجلود والأسماك، وكان يوجد داخلها حلقة كبيرة للسمك.
وأوضح أن وثائق جزيرة إلفنتين في الكتابات الفرعونية واليونانية والقبطية والعربية تعتبر دليل على أهميتها الاقتصادية المستمرة منذ تأسيس المدينة قبل 3500 سنة قبل الميلاد، أصبحت التجارة تمارس بشكل رئيسي في جزيرة إلفنتين باعتبارها مكان آمن للسلع التجارية، لأنها محاطة بنهر النيل ومن السهل حمايتها.
ويشير إلى أن هذه القطع الأثرية العربية بالمعرض توضح لأول مرة أن العرب اتجهوا إلى أقصى جنوب مصر في محافظة أسوان، ولم يقتصر نشاطهم داخل الفسطاط أو الإسكندرية فقط، حيث تكيفت أسوان سريعا مع اللغة العربية عقب فتح مصر، لكونها مدينة حدودية ومركز تجاري.