بهائم أسامة سرايا

كتب أسامة سرايا تعليقا مهينا لقطاع عريض من الشعب المصري وهو يدافع عن جريدة الأهرام بقسوة وعنف وابتذال أمام شاب صغير، كل ذنبه، أنه لا يعرف جريدة الأهرام، ويتساءل بكل براءة عن سبب عدم وجود إعلانات تُعرِّف الناسَ بها.

“مش محتاجين نعمل إعلانات للبهايم”

كان هذا تعليق الأستاذ على منشورٍ كتبه الأستاذ “أنور الهواري” على صفحته على الفيس بوك بتاريخ 16/3/2025، قال فيه:

“امبارح بالمصادفة جمعني لقاء عابر مع شباب في العشرينيات، دارت بيننا دردشة، قلت لهم صحفي في الأهرام، طلعوا ما يعرفوش الأهرام، ولا أي صحيفة غيرها، واحد منهم قال: ليه متعملوش إعلانات علشان الناس تعرفكوا؟!

لا نحتاج إلى تحليل هذه الحكاية القصيرة حتى نكتشف عفويَّة الشاب، ونظرته البريئة، وتعبيرَه الصادق عن شعوره. فالشابُ لم يترصد، ولا يحمل ضغينة للأهرام، ولم يذهب إلى مناظرة الصحفي الكبير، بل كان اللقاءُ عابرا، والشاب ببساطة لا يعرفها، ولم يسمع بها هو وكل المجموعة التي معه، وهذا أمر يمكن فهمه منطقيا في ضوء المتغيرات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، وكان الواجب على سرايا أن يحزن على مصير الجريدة التي صنعت له مجدا، و أن يتساءل عن سبب جهل الشاب بالأهرام، وبدلا من التفكير العقلاني تعامل مع الشاب باعتباره عدوا، وتصدى له بالشتيمة، وهو لم يشتم مواطنا واحدا بل تورط  في شتم الملايين من أبناء الشعب المصري الذي لا يعرفون الأهرام فعلا. كان الأستاذ أنور الهواري حكيما عندما أنهى الحكاية نهاية مفتوحة وقفت عند كلام الشاب، دون أن يعلق عليه، لقد أراد لجملة الشاب أن تبقى كالجرس الذي ينبهنا وينذرنا ويعلمنا درسا بصوته البريء.

***

لقد قدم الشاب هدية رائعة عندما تساءل عن سبب غياب الدعاية للأهرام، وعبَّر بذلك عن الواقع الجديد، والتحدياتِ التي لم تعرفها المؤسسة العريقة من قبل، لكن كيف يتحدث هذا الـ “إنسان” عن جريدة الأهرام هكذا وهي سلطانة الإعلانات، هي التي ترفع وتخفض، إلى آخر الصورة المتوارثة من زمن غابر، ولم يعد لها وجود، لكن بعض المستفيدين منها يعيشون الماضي ولا يعيشون الحاضر، يتشبثون بالصورة الزائفة ويهربون من الصورة الحقيقية. يُضيِّعون فرصة التفاعل مع المستجدات، ومسايرة التطور، وتطوير أنفسهم، ويحكمون على جريدتهم بالموت. كان على الرجل أن يتألم لحال الأهرام ويفكر في استعادة مجدها القديم، لكن، لماذا نعترف بالواقع، يجب أن نزيفه ليتفق مع رغباتنا، هذا تفكير خرافي يشبه تفكير الأطفال، لقد كان الشاب ناضجا جدا، لكنهم ربطوا النضج بالأعمار والمناصب فضيعوا مجدهم وقرَّاءهم.

كلمات أسامة سرايا القليلة كشفت بوضوح عن عقلية سلطوية زائفة لا تبحث عن الفهم بقدر ما تبحث عن إدانة الآخرين المختلفين، تفكر في الإقصاء والنبذ ولا تفكر في الاحتواء والتسامح، عقلية مغرورة متشبعة بأوهام خرافية تمتلئ غيظا كلما اقتربَتْ من الواقع ولم تجده على هواها. كان يجب عليه التساؤل عن السبب الذي جعل الشباب لا يسمعون عن شيء اسمه جريدة الأهرام، وعن عدد الذين لا يعرفون الأهرام في بلادنا، والسبب الذي يحوِّل شبابنا من الفطرة الإنسانية التي ولدوا بها إلى “بهائم” وفق تعبيره. الصحفي رمز الرأي والحوار لم يجد ما يواجه به النظرة البريئة سوى العنف والقسوة، كلمة الفتى البريء نكأت جراحا كثيرة تتعلق بجدارة الكثيرين بالأماكن التي يتربعون عليها.

***

لقد آلمني أسامة سرايا، وأوجع كثيرين أعلنوا غضبهم من كلماته، وقد علق حتى كتابة المقال عدد 334، منهم 263 بعلامة الغضب وعدد 48 بعلامة الضحكة الساخرة وعدد 9 بعلامة الإعجاب، وعدد 6 بعلامة الاستغراب، وعدد 1 بعلامة الحزن، وعدد 2 بالقلب الأحمر. وهذا يعني أيضا أن سرايا ليس وحده، فهناك قلة تآزره في إهانة قطاع كبير من المصريين.

آلمني سرايا لأنني أيضا لا أعرف الاهرام، ولا أسمع بها، لقد كنت أعرف جريدة الأهرام عندما كنت في عمر هذا الشاب وأصغر، عندما كانت الأهرام مدرستي التي تعلمتُ فيها من خلال مقالات توفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود ولويس عوض وغيرهم من الكبار، وبخلاف المقالات كانت هناك عروض الكتب الحديثة وترجمة أجزاء منها، كذلك الروايات المسلسلة وغير ذلك، وما زلتُ أحتفظ حتى الآن بكمية من الأوراق التي كنت أقصها من الجريدة، ويعز علي التفريط فيها، كما يعز على الإنسان هدم المدرسة التي تعلم فيها، لكن، هذه أهرام مضت.

لماذا عرفتُ جريدة الاهرامَ أنا الولدُ البسيط الذي يقيم في أقصى جنوب الصعيد، في بداية الثمانينيات، ولا يعرفها الشباب الذي يقيمون في العاصمة الآن؟!

اقرا أيضا:

«تقهرن» المدن: القاهرة وما فعلته في «عواصم» المحافظات

«الهلالية» سيرة كل إنسان

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر