بكلاويز وكابيس.. أول خطوة عالمية بجهود مصرية لتوثيق المطبخ المصري
«لكل بلد مطبخ خاص بها وهو جزء لا يتجزأ من تراثها وهويتها، لماذا المطبخ المصري غير موثق ومعروف!» هذا السؤال الذي خطر بذهن شابين وسيدة مصرية، كان بداية كل منهم في رحلته الخاصة لتوثيق المطبخ المصري بأكلاته المميزة المتعددة، والشئ المشترك بينهم هو استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر كل ما يتعلق بالمطبخ المصري، أحدهم جاب مصر من الشمال إلى الجنوب بالبحث الميداني، الآخر بالقراءة ونشر المعلومات والسيدة بتشجيع السيدات على طهي وإعداد الأكلات المصرية مع معرفة أصولها، حتى وصل الأمر إلى أول خطوة عالمية لتوثيق المطبخ المصري برعاية منظمة «الأمم المتحدة».
توثيق المطبخ المصري
رحلة سميرة عبدالقادر، مهندسة الاتصالات، مع توثيق المطبخ المصري، بدأت من خلال بحثها عن أصول الأكلات المصرية وتفاجئها بالتراث الهائل المجهول للكثير، منها أكلات نسبت لدول أخرى على الرغم من أصولها المصرية، وملاحظتها أيضا لعدم تسجيلها بمنظمة اليونسكو.
دشنت سميرة صفحة بمواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم «توثيق المطبخ المصري» سعت من خلالها لنشر كل المعلومات المتعلقة بالأكلات والمطبخ المصري على مر العصور، وتقول: “كنت أنوي السفر إلى المحافظات لمعرفة الطرق الأصلية لبعض الأكلات التي أوشكت على الانقراض”، مضيفة أن تفشي فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» تسبب في تأجيل هذه الخطوة، وتصحح سميرة المعلومات المتعلقة بأصول الأكلات المصرية، ونشر طرق طهي أكلات مصرية أصيلة.
البحث في المطبخ
شعر أحمد عرنسة صاحبة الـ34 عاما بأن التراث المصري يندثر بعدما شاهد حسابات المشاهير للطبخ، وكذلك طهي الأكلات المصرية في بلاد أخرى بأسماء مختلفة مما دفع البعض لإدعاء أنها ذات الأصول الأجنبية، وهذا ما لاحظه مع أكلة «المسقعة» وهي أكلة عربية تحولت للمطبخ التركي ومنه إلى اليونانية، وبحسب ما قال فيوجد كلمة بالفعل في اللغة اليونانية وهي «الموساكا – Moussaka» ولكن أصولها مصرية.
وعلى الرغم من أصول المسقعة المصرية إلا أنها صُنفت بأنها يونانية وفقا لما ذكر عنها في كتب ترجع إلى القرن الثامن عشر، على الرغم من أنها ذكرت في كتب الطهي العربي في العصر العباسي والمملوكي، حيث برع المصريون في طهي الباذنجان بأكثر من طريقة نظرا لرخص ثمنه، والباذنجان أيضا من الأكلات الرئيسية للمصريين القدماء، وفقا لما قال عرنسة.
الطهي حاليا ليس مجال عمل أحمد عرنسة، لأنه ما زال يدرس لاحترافه والعمل في المجال قريبا، ويعرف نفسه بأنه شيف هاو ومحب للطعام والتذوق، وخطرت له فكرة «توثيق الطعام المصري» من إعجابه بالمطبخ والأكلات الغربية، بعد ذلك بدأ في البحث عن المطبخ المصري وقرأ كتاب «وصفات من المطبخ الفرعوني» والذي أفتح عينيه على دراسة تاريخ المطبخ المصري منذ أيام المصريين القدماء حتى الآن.
البحث والقراءة في المطبخ المصري تعد متعة خاصة، وحاول نقلها بشكل أوسع مستغلا مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبع تاريخ وأصول بعض الأكلات المصرية، بجانب الأكلات التراثية التي تختص بها كل محافظة مصرية من خلال رحلاته إليها، أو عن طريق المبادرات الأخرى مثل مبادرة «الباحث في التراث» لأسامة غزالي، برنامج «دوقني» و«النملية».
بعد البحث والدراسة، يطمح عرنسة إلى تطوير الأكلات المصرية وتقديمها بصورة تتناسب مع العصر الحالي وبخامات محلية، بعدما لاحظ عدم تبني مطاعم مصرية لهذه الفكرة، فيما يتم تطبيقها بالفعل في دول أجنبية مثل كندا، أمريكا، بلاد أوروبية ونالت إعجاب الجميع من غير المصريين.
خطوة عالمية
يجوب هيثم بيومي، باحث ميداني ومقدم برنامج «دوقني» لتوثيق الأكلات المصرية والتراثية في مصر، المحافظات واحدة تلو الأخرى لتوثيق أكل كل محافظة ومنطقة، أربعة سنوات قضاها الشيف هيثم في هذه الرحلة التي لا تنتهي، حتى وقع عليه الاختيار واحدا ضمن مشروع الأمم المتحدة لتوثيق المنتجات المصرية.
ويروي تجربته مع الأمم المتحدة في توثيق المنتجات والأكلات المصرية، بأنهم قد اختاروه بشكل فردي لرصد وتوثيق المنتجات المصرية الأصيلة، لتسجيلها باسم مصر، ويعتمد المشروع على المنتجات الغذائية بشكل أكبر مثل المخبوزات والجبن وغيرها.
ويشمل الفريق مجموعة كبيرة من المشاركين، وانتهى البحث والتوثيق منذ أسبوعيا تقريبا كما قال بيومي، وتم تقسيمه لعدة مراحل وفقا لـ7 أقاليم مصرية منها الصعيد، الدلتا، الوادي، وكل إقليم يوجد به مجموعة من الخبراء المتخصصين لدراسة الثروة السمكية والزراعية لمعرفة المصري الأصيل منها، واستطاع الفريق توثيق 92 منتجا في الدلتا فقط، ومنهم «البط بالمرتى» في بورسعيد، «رقاق أممه» في دمياط، الجبن الدمياطي، المشبك والفطير، «الشيكال»، «بكلاويز»، «التمرية»، «الكسبة»، «كابيس» و«كاساتا».
المطبخ الفرعوني
تناول كتاب «وصفات من المطبخ الفرعوني» للباحثة ماجدة المهداوي ودعمرو حسين، وراجع المادة التاريخية العالم د.عبدالحليم نور الدين، الأكلات في العصر الفرعوني، ونافس في معرض كتب الطبخ جورمو الأول في فرع تاريخ الطهي عام 2009، وفاز بالمركز الأول متفوقا على 29 دولة مشاركة.
وتناول الكتب وصفات الطهي في العصر الفرعوني بعد جمعها من الجداريات، صور القرابين، بقايا الطعام والمحاصيل الموجود حاليا ف يالمتحف الزراعي، واستنبطوا منها الأكلات القديمة وبعض طرق الطهي التي ما زال بعضها مستمر حتى الآن، واعتمدوا على المطبخ الصعيدي والنوبي باعتباره الأقل احتكاكا مع الغزاة على مر العصور.
ومن هذه الأكلات المستمرة منذ العصر الفرعوني حتى الآن، العيش الشمسي، خبز البتاوي، الفطير، الرقاق، الكحك، طرق حفظ الطعام بالتمليح مثل الجبنة والمش والفسيخ والأسماك والطيور المملحة بأنواعها، وطرق طهي الفول والعدس وغيرها من البقوليات، وصنع مشروبات البيرة والنبيذ والبوظة، وأكلات مثل الشلولو وهي الملوخية المجففة، وطرق طبخ الطواجن والخضار.
المطبخ المصري
يعد كتاب «كنز الفوائد في تنويع الموائد» واحدا من الكتب التي تناولت طرق الطبخ المصرية في القرن الرابع عشر، ويحتوي على العديد من الوصفات التي ما زالت مستمرة في المطبخ المصري حتى الآن، ومنها طرق طهي اللحوم، الدجاج، الكبدة، العجة، وغيرها من البقوليات.
الطعمية والمغات
أثارت أكلة «الطعمية» جدلا كبيرا بإدعاء كل دولة بأنها جزء من تراثها، وعلى الرغم من ذلك فهناك عدة أدلة تشير إلى أن الفلافل جزء من المطبخ المصري كما أوضحت سميرة عبدالقادر، وأبرزها ذكر مصطلح «الفلافل» في كتب الكنايات العامية المصرية، وتطابق وصفتها مع وصفات مصرية قديمة مثل البصارة التي تعتمد أيضا على الفول المدشوش ولكن مع قليها بدلا من غليها في الماء.
وكان قد احتفل محرك البحث جوجل بالفلافل باعتبارها أكلة مصرية، وذكرت أيضا الفلافل في الشعر المصري، فضلا عن تقرير نشر في عام 2016 بصحيفة جارديان البريطانية عن فوز فوز مؤسس مطعم زوبة للأكلات الشعبية المصرية في مهرجان للفلافل في لندن.
فيما يعد المغات مشروب مصري أصيل، ارتبط تناوله في مصر بمناسبات الولادة وسبوع المواليد الجدد، ووفقا للنصائح الشعبية فإنه يعد المشروب المثالي لإدرار لبن المرضعة في الفترة الأولى بعد الولادة، وكذلك يعمل على زيادة النشاط ويسرع من عملية التعافي بعد الولادة.
والمغات عبارة عن مشروب مكون من الحلبة المطحونة، السمسم، السمن البلدي، اللبن، المكسرات، ويتم تناوله لهدف آخر وهو علاج آلام الظهر والمفاصل، النقرس، إخراج البلغم، ويتم تناوله كمشروب ساخن بهدف التدفئة في الشتاء.
الخبز المصري
دقيق، خميرة، وماء، هذه المكونات الثلاث برع المصريون في تقديم أنواع مختلفة من الخبز بواسطتها، بل واشتهرت كل منطقة في مصر بإعداد الخبز بطريقة شهيرة خاصة بها، حتى وصلت أنواع الخبز المصري إلى أكثر من مائة نوع بعضها مستمر منذ مصر القديمة حتى الآن.
«العيش الشمسي» يعد أقدم أنواع الخبز المصري وأشهرها وما زال موجودا حتى الآن في قرى ومدن الصعيد، و«عيش البتاو» الذي يعد بأكثر من طريقة أشهرها بدقيق الذرة والحلبة، ويطهي في الصعيد بكثرة أيضا، أما في شمال سياء فيطهون الخبز الطري ويطلق عليه اسم «الفراشيح».
ويطهي الخبز في سيناء أيضا ويكون أكثر صلابة ويعرف باسم «قرص اللبة أو الملة»، أما في القرى الريفية فيعدون خبز يعرف باسم «العيش القبوري» ويتكون من نفس عجين خبز البتاو ولكن ذو سمك مرتفع ويتم حشوه بالسمن والسكر، ويدهن الوجه بالسمن والسكر، ويعرف خبز النوبة الطري باسم «عيش الدوكة».
وهذه بعض الأسماء للخبز في أكثر من محافظة «المجردق» في مرسى مطروح، و«القرص الفلاحي»، «الفطير المشلتت» و«بتاوي فلاحي» و«عيش مرحرح» و«الملدن» و«عيش فلاحي ناشف» في القرى الريفية، و«عيش السعادة» في الوادي الجديد، و«عيش القرقوش – المنقوش» في قنا وإسنا ويختلف نطق الاسم فقط.