بعد تدمير الزخارف التراثية للقبة.. ما مصير مسجد المرسي أبوالعباس؟
تسببت أعمال الترميم التي تجري في مسجد المرسي أبوالعباس، أشهر مساجد الإسكندرية، في طمس وتدمير زخارف «شخشيخة» المسجد الذي صممه المعماري الإيطالي ماريو روسي، بقرار من الملك فؤاد الأول عام 1927. أثار الترميم الخاطئ جدلا كبيرا بين المهتمين بالتراث ورواد صفحات التواصل الاجتماعي الذين تداولوا صورا لقبة المسجد قبل وبعد الترميم.
مسجد المرسي أبوالعباس
كان المسجد مقفلا في الصباح فاتجهت لأحد مواقع الإنشاءات بجوار مسجد المرسي أبوالعباس. سألت المهندس المسؤول عن الموقع ومكان عمله بجوار المسجد عما حدث، فقال إنه من البداية ظهر له كمهندس أن من يعمل في الترميم غير محترف ولا مهني، الطريقة التي تم التخلص بها من مخلفات البناء بعد عملية عزل السطح وإلقاء مخلفات البناء من أعلى سطح المسجد أثرت بشكل واضح على المئذنة بأعلى المسجد والمشربية الأثرية في الحائط الجانبي، والمواد التي تم استخدامها كمادة البلانكو -وهي مادة خليط من الجبس ومواد بناء أخرى- غير مناسبة للاستخدام في ترميم مسجد أثري.
كل هذا يدل عن أن من كانوا يقومون بالترميم غير محترفين، ويتسم عملهم بالبدائية. وأن الأضرار التي أصابت المسجد لا تنحصر فقط في الصورة التي انتشرت عن تدمير القبة؛ لأن المئذنة والمشربية أيضا تأثرتا بعملية الترميم وتوابعها. وأن المواسير الخاصة بتصريف مياه الأمطار من سطح المسجد متهالكة ومكسورة، وربما سُرقت، فأثرت المياه على حوائط المسجد.
كما أن سقف دورات المياه متهالك ويكاد يقع.. كان يحدثني بينما يشير إلى حديد المئذنة الذي ظهر من أسفل الطوب والمشربية الأثرية الجميلة التي تأثرت. مرورا بالمياه التي رشحت على الحوائط، بالإضافة إلى المياه التي تتساقط على المسجد من جوانبه لارتفاع مستوى الحديقة بجوار المسجد عن مستواه المنخفض، مما يؤدي إلى تجمع مياه الأمطار في الساحة المحيطة بالمسجد.
المفترض عند ترميم مسجد أثري كهذا أن يتم تقديم تصوير مكتوب ومرسوم عن الوضع الذي سيرمم به المسجد.
وزارة الأوقاف
فُتحت أبواب المسجد فذهبت للعامل الذي كان يرتدى ملابس مكتوب عليها وزارة الأوقاف؛ لتبعية المسجد لوزارة الأوقاف. سألته عن المسؤول عن المسجد لأتحدث معه، قال لي إنه سيأتي في صلاة الظهر، ويمكنني ساعتها أن أتحدث معه، تحركت، كان يمكنني أن أرى القبة البيضاء التي تم إزالة كل الآثار والزخارف منها كبقعة بيضاء كبيرة في وسط المسجد وزخارفه الجميلة.
بدأ توافد السياح على المكان. كانت هناك سائحة من أصول آسيوية تنظر بمنظار مكبر للمسجد من الخارج، وسائح غربي يتجه إلى المسجد.
توجهت إلى مديرية الأوقاف في الإسكندرية في شارع فرنسا بالمنشية. لم يمكنني الحديث مع الشيخ سلامة عبدالرازق، وكيل مديرية الأوقاف، وتوجهت إلى المكتب الهندسي للمديرية. في البداية رفض الموظفون أو المهندسون إعطائي أي معلومات، لكن في النهاية قالوا إن العمل توقف في الترميم بأمر من المحافظة.
وأضافوا أن المقاول الذي قام بالترميم تابع لوزارة الأوقاف، وقد رمم العديد من مساجد الأوقاف، وأن المحافظة والآثار على علم بالترميم، وكانت هناك لجنة لمتابعة الأمر، وأن الخطأ الوحيد ربما أن المسجد لم يغلق أثناء الترميم. لأنه يجب أن يظل مفتوحا لأهميته، وهذا سمح لكل من “هب ودب” بالتصوير والحديث عما حدث على السوشيال ميديا.
إغلاق المسجد
وأوضحوا أن د. هشام سعودي، نقيب المهندسين، قال إنه يمكن استعادة الآثار التي تم تدميرها، وأن الترميم الشامل للمسجد لم يحدث بعد في انتظار الرخصة والتمويل. وما حدث كان لدرأ الخطر لتساقط سقف القبة؛ وهذا خطر على المصلين.
يقول د. محمد عادل دسوقي، أستاذ العمارة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، عن ردود مسؤولي وزارة الأوقاف :”لو كنت مكان وزارة الأوقاف لأغلقت المسجد. هذا لو كان المسجد فعلا مهددا بالهدم. أو هناك عنصر إنشائي مهم كالسقف معرضا للخطر، لكن درأ الخطورة يؤدي إلى تكسير أثر استغرق بناؤه 15 عاما، ثم نأتي ونكسره في دقائق! هذا ينم عن الجهل”.
وتابع: لو افترضنا حسن النية كان من المفترض أن تكون هناك لجنة فنية كالتي يرأسها د. هشام سعودي تتابع الأمر. لو كان قد تم غلق المسجد لتوفرت بسرعة الإجراءات القانونية والتراخيص لحل المشكلة، لكن أن أتعامل مع ترميم مسجد أثري كأني أرمم مجرد محل صغير في شارع جانبي بهذه الطريقة، فهو ما لم يكن يجب أن يحدث أبدا.
ترميم أم تدمير
وعن تساؤل حول الأضرار الأخرى التي تهدد المسجد كالمئذنة والمشربية وسقف المسجد – الذي لسنا على يقين من أنه عُزل بطريقة جيدة، وتصريف مياه الأمطار حول المسجد. أجاب دسوقي: “المشربية بها تسوس والمئذنة تحتاج ترميما نتيجة الإهمال”. وأشار إلى أن المسجد به مكتبة دينية قيمة لكنها في حالة يرثى لها.
وشدد دسوقي على أنه يجب أن تكون هناك صيانة دورية للمساجد. ولا يجب أن ننتظر ليقع سقف المسجد ثم نقوم بتكسيره بطريقة تقع ما بين حسن النية لدرأ الخطر والجهل بأهمية وقيمة المبنى الأثري. لأن ما حدث من تكسير للقبة يفوق الخيال. وقيمة مسجد المرسي أبوالعباس الروحية والتراثية التي قد يأتي من أجلها السياح من إندونيسيا ونتعامل معه كزاوية صغيرة! وربما أيضا هناك فساد.
وتابع: “أنا لدي معلومات عن مبنى تم هدم عواميده الجرانيتية التي هي أصلا من معابد قديمة، وتم بيعها للأغنياء واستبدالها بعواميد خراسانية لبناء كُتاب وعيادة أعلاه”.
استعادة القبة
واختتم د. دسوقي حديثه: “وزارة الأوقاف لديها كنوز معمارية ووثائق وأوراق ملكية ورسومات، ويجب أن تتم دراستها وأرشفتها والحفاظ عليها. قامت مكتبة الإسكندرية برقمنة وتجميع وحفظ جزء من تراثها منذ 15 عاما في مشروع AlexMed
، لكن هذا لا يكفي. علينا أيضا اتخاذ الإجراءات التي تمنع تكرار حدوث مثل ما حدث مع قبة المسجد”.
فيما أشار د. هشام سعودي، نقيب المهندسين -في تصريح له- إلى أنه يمكن استعادة القبة كما كانت.
يقول د. دسوقي: “أنا أتفق مع د. هشام، وهو رئيس لجنة الأمانة الفنية للتراث، نعم.. يمكننا هذا، لكن هذا يحتاج جهدا ووقتا ومالا كثيرا، وهناك مرممون مصريون وعمال مهرة يستطيعون إعادة الوضع إلى ما كان عليه. لكن علينا أن نجمع صورا للقبة قبل تخريبها، وقد بدأت بجمع بعض الصور.كما أنه يجب إعادة بناء نموذج ثلاثي الأبعاد لما كانت عليه. لكن هذا يحتاج لوقت طويل جدا ومجهود كبير”.
اقرأ أيضا:
«حياة جديدة في العمارات القديمة»: كيف يمكن التعامل مع المباني التراثية؟