«عرضها أمر مسئ»: هل تعود المومياوات المصرية من بريطانيا؟

يناقش-اليوم- البرلمان البريطاني مطالب مجموعة من أعضائه بوقف عرض أي بقايا بشرية في متاحف المملكة المتحدة، أو السماح ببيعها، ومن بينها المومياوات المصرية المعروضة في المتحف البريطاني، ووصف أعضاء البرلمان الاستمرار في عرضها بأنه  «أمر مسئ ويجب إيقافه».

جلسة البرلمان البريطاني

بحسب الموقع الرسمي للبرلمان البريطاني، عقدت جلسة في السابع من مارس تحمل عنوان «أجزاء من الجسم البشري للبيع وللعرض: القانون، السياسات، والحملات من أجل إعادة الاسترداد» لأن استمرار عرض وبيع الرفات البشري يعد انعكاس لظلم مستمر دون داع. تشير تفاصيل الجلسة إلى أنها عُقدت، لمناقشة إجراء تعديلات بقانون في المملكة المتحدة يسمح بحفظ أجزاء الجسم البشري في المتاحف والمجموعات الخاصة، بالإضافة إلى عرضها للبيع، وجُمعت العديد من هذه القطع أثناء الاستعمار دون موافقة البلاد الأصلية لها، والتي تُناضل الآن من اجل استعادة رفات أجدادهم. وشغلت هذه القضية الرأي العام خارج مصر على مدار السنوات الماضية، وفي المملكة المتحدة، يُحفظ الرفات البشري في المتاحف والمجموعات الخاصة. قد تكون أجزاءً من الجسم، أو هياكل عظمية كاملة، أو بقايا محفوظة، أو عناصر مثل الشعر أو الأسنان أو العظام المدمجة في قطع أثرية أخرى.

إعادة المومياوات المصرية

ونشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية، تقريرا توضح فيه أن هذه الجلسة عقدت بناءا على مطالب أعضاء البرلمان بعدم عرض الرفات البشري في المتاحف، ومناقشة الجريمة التي لحقت بالشعوب المالكة للرفات البشري وأجزاء الجسم البشري ومن بينها المومياوات المصرية التي يتم عرضها بالمتاحف البريطانية وأجزاء الجسم البشري التي يتم بيعها في مزادات علنية. وأشارت الصحيفة البريطانية أيضا إلى تقرير صادر عن مجموعة البرلمان لجميع الأحزاب المعنية بالتعويضات الأفريقية (APPG-AR)، ويوضح أنه يجب أن يصبح بيع بقايا الأجداد أو عرضها دون موافقة جريمة.

وقال التقرير الذي يحمل عنوان “راحة الأجداد”، والذي يهتم بشكل رئيسي ببقايا الأجداد الأفارقة، إن امتلاك المتاحف والجامعات لأجزاء من الجثث التي تم جلبها إلى المملكة المتحدة نتيجة للعبودية والاستعمار تسبب في معاناة عميقة لأحفادهم، وللجاليات، وللدول الأصلية. يدعو التقرير إلى إعادة رفات البشر، التي تشمل العظام والهياكل العظمية والجلد والشعر والأنسجة التي تم دمجها في القطع الأثرية الثقافية، إلى بلادها الأصلية. مع مطالب بتعديل القانون للسماح للمتاحف الوطنية، مثل متحف فيكتوريا وألبرت، ومتحف العلوم، ومتحف التاريخ الطبيعي، بإلغاء الرفات من مجموعاتها الدائمة.

قضية أخلاقية

واحدة من أبرز المدافعين عن هذه القضية، النائبة بيل ريبيرو-أدي، وهي رئيسة “مجموعة البرلمان لجميع الأحزاب المعنية بالتعويضات الإفريقية (APPG-AR)”، وقالت: “عرض بقايا البشر أمر غير أخلاقي، خاصة عندما لم يتم الحصول على موافقة، أعتقد أن إزالة عرض هذه الأشياء يغير الثقافة في النهاية”. وبحسب الصحيفة البريطانية، كانت قد شهدت السنوات الأخيرة جدلاً أخلاقيًا متزايدًا حول عرض مومياوات المصريين، وبدأ العديد من العاملين في قطاع المتاحف الآن في الإشارة إليها كـ “أشخاص محنطين” كعلامة على الاحترام. وعلى الرغم من أنها لا تزال من المعالم الجاذبة للزوار. عبرت ريبيرو-أدي عن غضبها قائلة: “أود أن يتخيل الناس أخذ بقايا الملوك إلى بلد آخر ووضعها للعرض. حتى وإن وضعوها في توابيتهم، هل سنعتبر ذلك مقبولاً؟”. كما يقترح التقرير إنشاء نصب تذكاري أو موقع دفن في بريطانيا، لدفن بقايا الأجداد التي لا يمكن إعادتها لأن أصولها قد دُمرت نتيجة للعنف الاستعماري. وقال متحدث باسم المتحف البريطاني: “المتحف يعي التزاماته الأخلاقية ويتبع عن كثب الإرشادات التي وضعتها وزارة الثقافة والإعلام والرياضة وقانون الأنسجة البشرية لعام 2004”.

الاستعمار واللصوص الأجانب

وفى ضوء هذا يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية إلى أن هذه القضية محل نقاش منذ فترة طويلة. وأضاف الدكتور ريحان لـ “باب مصر” بأن سرقات المقابر المصرية انتشرت في ظروف الاستعمار خلال القرنين الـ18 والـ19 حيث راجت تجارة بيع المومياوات القديمة خلال هذه الفترة وظهر اللصوص الأجانب من الدبلوماسيين وغيرهم من التجار”. وعلى حد وصفه، تم الاستهانة بالمومياوات المصرية في القرن العشرين، إذ تم طحن المومياوات المصرية وتحويلها لوقود للبواخر والسفن، وتم استخدام الرماد أيضا في الرسم، وتم تنفيذ العديد من اللوحات بهذه الطريقة. وأضاف أن مدينة ليفربول الإنجليزية حولت المومياوات المصرية إلى سماد للأراضي الزراعية، بعد فشل محاولتهم في بيع آلاف المومياوات.

أبحاث زائفة

“هل من الممكن امتلاك جزء من جسم شخص آخر ؟”، بالنسبة إلى القانون البريطاني، فإنه لا تعتبر أجزاء الجسم البشري ملكية، وبالتالي لا يمكن “امتلاكها” أو المطالبة بامتلاكها. وبحسب الموقع الرسمي للبرلمان البريطاني، لا يجوز لأي شخص امتلاك أجزاء من جسم الإنسان وشرائها وبيعها، شريطة ألا يكون قد حصل عليها بطريقة غير مشروعة. ورغم ذلك كشفت إيبين بو، الاستشارية الرئيسية في مشروع بقايا الأجداد الأفارقة، إن القانون الحالي لا يأخذ في اعتباره أن بقايا الأجداد التي تحتفظ بها المملكة المتحدة تم نهبها من إفريقيا. وبحسب صحيفة “الجارديان” قالت إن المومياوات المصرية تم التنقيب عنها ونقلها إلى بريطانيا من أجل أبحاث عنصرية زائفة. وهو الأمر الذي أكده الدكتور ريحان الذي وثق العديد من الأبحاث الزائفة والانتهاكات التي تعرضت لها المومياوات المصرية في المتاحف العالمية، وقال: “تم التعامل معها باستهتار واستغلالها لأغراض دعائية سياحية دون أي احترام لقدسيتها”.

وزعمت إدارة متحف في مدينة مانشستر البريطانية، في يونيو 2013، أن كاميرات المراقبة رصدت حركة تمثال مصري قديم داخل فاترينة العرض نتيجة “لعنة الفراعنة”. ورأى البعض أن هذا الحرك ربما يكون نتيجة للاحتكاك بين التمثال وزجاج الفاترينة أو بسبب ذبذبات ناتجة عن حركة الزوار. وأثار المتحف الوطني، بالعاصمة البولندية وارسو الجدل وجود مومياء حامل بالمتحف كنوع من الدعاية، فى أكتوبر 2022، لكن كشفت الدكتورة سحر سليم أن الحمل كاذب وأنها مجرد حشوات للتحنيط. وعلى حد وصفه، الأمر الذي مثل الاستهانة بالحضارة المصرية، كان نشر متحف «الشرق الأدنى ومصر والبحر الأبيض المتوسط»، بجامعة سابينزا فى روما، مقالة علمية في يونيو 2024 عن استنساخ مومياء رمسيس الثانى من المومياء الأصلية بمواد عضوية، وسمحوا بعرضها للجمهور بدون واجهة والسماح بلمسها.

إحياء صوت كاهن مصري

وتابع الدكتور ريحان بأنه فى يوليو 2024 إدّعى علماء آثار فى إنجلترا أنهم قاموا بإحياء صوت كاهن مصري يدعى نسيامون، بفضل التقدم المذهل في تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد. وأوضح أن هذا الأمر لعبة دعاية تحت ستار علمى بدليل نشر الخبر مرتين بينهما 4 سنوات لنفس الفريق العلمى بجامعتى لندن ويورك ومتحف ليدز ببريطانيا واستغلوا عبارة مكتوبة على النعش “نسيامون صادق الصوت” وهى أمنية نسيامون في العالم الآخر فى إطار المعتقد المصرى وبدأوا اللعب على هذا الوتر لتحقيق أمنيته لإعطاء مصداقية لما قاموا به.

الرفات حق أصيل للشعوب

ومن هذا المنطلق ترفض حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان العبث بالمومياوات المصرية بالمتاحف العالمية الذى يتنافى مع قواعد الأخلاق المعروفة كما يعد إهانة لكرامة الأجداد، وفى حالة أى دراسات علمية يجب أن تكون بمشاركة علماء مصريين لنضمن أمانة احترام هذه المومياوات فى التعامل معها ونتائج الدراسات، وكيفية تصويرها دون اختراقها أو إتلافها. ورحب الدكتور ريحان بمطالب أعضاء البرلمان البريطاني والذى يعتبرها فرصة لوجود ميثاق يتضمن أخلاقيات التعامل مع المومياوات باعتبارها حق أصيل للأحفاد في الشعوب التي نهبت منها هذه المومياوات.

أشار الدكتور ريحان إلى أن عمليات استخراج بقايا الحضارات القديمة على مر العصور تمت دون مراعاة لحقوق الثقافات المحلية، حيث قام المنقبون والدبلوماسيون بسرقة الآثار القديمة دون الحصول على موافقة من السكان الأصليين أو أحفادهم. وهذا الأمر يفرض ضرورة استعادة حقوق الأجيال القادمة في تلك الآثار والكنوز الحضارية. وتطالب حملة الدفاع عن الحضارة بمخاطبة الدولة لهذه المتاحف بعودة المومياوات المصرية إلى الأحفاد، وقال: “لحين عودتها الأمر يتطلب أمانة إدارات هذه المتاحف فى التعامل مع الأجداد، وفى حالة الدراسات العلمية يجب أن تكون فى وجود وبمشاركة علماء مصريين لضمان حرمة التعامل وعدم اختراق المومياوات أو إتلافها”.

غضب مستمر

بحسب قوانين المتاحف بالمملكة المتحدة فإنها تنص على أن «الغالبية العظمى من الرفات البشرية المعروضة في متاحف المملكة المتحدة تعود أصولها إلى المملكة المتحدة، وقد عُثر عليها في ظروف غير مثيرة للجدل». ومع ذلك، تُشير أيضًا بأن: “بعض الرفات البشرية قد تم الحصول عليها في ظروف تُعتبر غير مقبولة. على سبيل المثال، تم الحصول على بعضها قبل ما بين 100 و200 عام من الشعوب الأصلية في ظلّ ظروف استعمارية”. وبحسب الموقع الرسمي للبرلمان البريطاني، نجحت منظمة حكومية في عام 2003، في توثيق رفض الشعوب لنقل للرفات، وهناك العديد من السجلات التي تشير إلى محاولات المجتمعات لمنع نقل الرفات، واحتجاجاتٍ عند نقلها. وكان عجز الناس عن منع نقل الرفات البشرية مصدر غضب مستمر حتى الآن.

تحايل على القانون

أما القانون محل التغيير، هو قانون «الأنسجة البشرية» لعام 2004 على أنه لا يتم التعامل مع البقايا البشرية إلا بموافقة مسبقة من الشخص الذي أُخذت منه الأنسجة. ولا تخضع الرفات البشرية من خارج المملكة لهذا القانون والتي يزيد عمرها عن 100 عام. وبحسب صحيفة «الجارديان» كشفت ريبيرو-أدي أنه يتم التحايل على هذا القانون وتحويل الأعضاء البشرية لتصبح قطعة فنية حتى لا تخضع للقانون، وطالب أعضاء البرلمان، الحكومة بتعديل قانون الأنسجة البشرية لعام 2004. وقالت أدي: “رأينا أقراطًا على شكل أجنة، وأجنة في برطمانات، وعمودًا فقريًا لطفل في السادسة من عمره يُستخدم كحقيبة يد، وعظمة فخذ لشخص يتم تشكيلها إلى عصا، وكل هذه الأشياء مسموح بحدوثها لأنها تم تعديلها”. بالإضافة إلى المطالب بتعديل قانون التراث الوطني لعام 1983 الذي انشأ متحف العلوم، ومتحف فيكتوريا وألبرت كهيئات عامة غير تابعة لوزارات. وينص القانون على أنه لا يجوز لمجلس الأمناء التصرف في أي قطعة من مقتنياته إلا إذا كانت نسخة مكررة، وبالتالي عدم استرداد الرفات البشري منها.

أزمات سابقة

في أبريل 2024، عرضت دار مزادات مقرها المملكة المتحدة جماجم مصرية قديمة للبيع. وقد أُدرجت البقايا على أنها أُخذت أصلاً من مقابر في الوادي، المنطقة الجنوبية الغربية من مصر، عام 1881. وصرحت النائبة بيل ريبيرو-آدي، قائلة: “من المُقزز أن يظل بيع البشر قضيةً قائمةً حتى عام 2024. تُخلّد هذه التجارة إرثًا مظلمًا من الاستغلال والاستعمار واللاإنسانية. إنها انتهاكٌ صارخٌ للكرامة الإنسانية، وإهانةٌ لذكرى من دُنّست مدافنهم”. وتابعت: “لا يُمكننا السماح بالتربح من استغلال أولئك الذين طالما أملوا في العثور على دليلٍ على أيديولوجيتهم العنصرية. من الضروري أن نتخذ إجراءاتٍ حاسمةٍ لإنهاء هذه الممارسات، وضمان إعادة رفات من سُرقوا من أوطانهم”.

اقرا أيضا:

محضر رسمي ضد أعمال البناء في «حديقة المسلة» التاريخية بالزمالك

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر