«بركات حمزة»: نحات على خطى الأجداد


وسط الطبيعة وحضارة الأجداد بقرية القرنة بالبر الغربي في الأقصر، نشأ النحات بركات حمزة، 26 عاما، إذ ظهرت موهبته في النحت منذ صغره ولكنه تركها بسبب عمل غالبية أهالي القرية به، واتجه للرسم. لم يكمل حمزة تعليمه الجامعي، وفضل العودة للنحت ولكن بشكل مختلف وإثراء موهبته في التشكيل. فكانت المعابد هي معلمه الأول استلهم منها وساعدته في تنمية موهبته وإخراجها للنور.. «باب مصر» يتعرف على رحلة الشاب.

بركات حمزة

ظهرت موهبة بركات حمزة في الرسم خلال المرحلة الابتدائية، إذ كانوا يلقبونه بـ«رسام المدرسة»، فيقول عن بدايته: “أحببت الرسم منذ صغري، ولم أكن أهتم بالنحت وقتها، بالرغم من أن والدي وأخوتي وأغلب أفراد عائلتي يعملون بالنحت مثل غالبية أهالي القرية، وبعد أن أنهيت دراستي الثانوية الأزهرية في عام 2017، قررت ألا أكمل الدراسة الجامعية بكلية الدراسات الإسلامية، وقتها التحقت بمدرسة فرنسية خاصة بالبر الغربي بالأقصر تعلم النحت المعماري الهندسي”.

وتابع: كانت مدة الدراسة بهذه المدرسة عامين فقط، ولا تقبل في الدفعة الواحدة سوى 10 من الشباب، يتم تدريبهم على التخطيط الهندسي لهياكل المعابد والأماكن الأثرية الإسلامية، وبعد تخرجهم يتم تعيينهم بتلك المعابد في مجال الترميم، لاحظ مدرسو المدرسة تفوقي فاختاروني أثناء الدراسة وبعد تخرجي للعمل مدرسا معهم بالمدرسة، وكنت أول مدرس مصري في تلك المدرسة، طوال خمس سنوات إلى أن أغلقت المدرسة أبوابها.

النحت وممارسته

«المجهود الكبير وضعف العائد المادي من وراء النحت» كان السبب الأساسي لعدم حب «حمزة» النحت في البداية، فيقول عن ذلك: “لم أحب النحت في البداية حيث كنت أرى والدي وباقي أفراد عائلتي يعملون أغلب الوقت ويبذلون مجهودا كبيرا في النحت وفي النهاية كان العائد المادي ضعيفًا للغاية، لذا ابتعدت عن النحت منذ صغرى وكنت أعمل في عدة مهن أخرى للحصول على دخل”.

وتابع: بدأ التحول عندما أتى إلي أحد الأصدقاء، وكان يعمل مع والدي في النحت، لكنه استقل بعمله الخاص الذي اكتشف أنه يختلف عن عمل والدي البسيط التجاري، كنت وقتها أعمل بائع في أحد المحال، وعرض علي صديقي تعليمي النحت بشكل أفضل وبالفعل ذهبت معه وتعلمت أشياء جديدة لمدة عام، لكنى لم أتعلم كل شيء وبدأ النحت يجذبني إليه، وكنت أريد معرفة المزيد من تفاصيله، لا أريد أن أكون نحاتًا عاديًا مثل والدي أو العديد من أبناء القرية، وبالفعل ذهبت لعدة نحاتين من الكبار المعروفين لدينا بالأقصر لكنهم رفضوا تعليمي، أو حتى شراء أي من أعمالي، وهو ما زادني إصرارًا على استكمال مشواري وأن أعمل على نفسي جيدًا حتى أكون نحاتًا معروفًا ومتمكنًا.

يكمل حمزة: لمدة عام كامل وأنا أعمل على تنمية وصقل موهبتي بشكل ذاتي، لم يكن العائد المادي وقتها هدفي، بل أن أثبت نفسي أولا في هذا المجال وأن أتعلم كافة مهاراته، بدأت في تطوير إمكانياتي بشكل ذاتي، اشتغلت كثيرا من الأعمال على الجرانيت أخفقت كثيرًا، ثم نجحت بعد ذلك، ذهبت لكافة معابد ومتاحف الأقصر لرؤية المنحوتات والجداريات والتماثيل لأتعلم منها، استخدمت الإنترنت في البحث عن الصور، إلى أن وصلت في النهاية لدرجة عالية من الإتقان أشاد به الكثير وأصبحت أعمالي تُباع بشكل جيد في سوق النحت بالأقصر، وبعد عامين أصبحت أقوم بتعديل الأعمال النحتية لنحاتين ممن رفضوا تعليمي في البداية بطلب منهم، وهناك العديد من طلبة الفنون الجميلة أو الفنون التطبيقية يأتون إلي لتعليمهم النحت.

خامات ومراحل العمل

يوضح حمزة أن نحت أي قطعة تتم على 3مراحل وهي: (مرحلة الهيكل أو التوجيه والتي خلالها يتم تشكيل الحجر ليصبح تمثال يكون واضح في هيكله الظاهري لكن بدون أي معالم للوجه أو تفاصيل أو رموز، ثم المرحلة الثانية وهي مرحلة التجعيد، وفيها يتم إضافة التفاصيل لكنها بدون تشطيب نهائي مثل تفتيح الوجه أو رسم النقوش أو رسم الملامح)، مشيرا إلى أن أغلب النحاتين يقفون عند المرحلة الأولى أو الثانية وقليل جدًا يصل للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة التفاصيل الدقيقة، وهؤلاء هم من أردت أن أكون منهم.

وعن الخامات التي يستخدمها، يقول: استخدم كافة الخامات في أعمالي النحتية مثل: الجرانيت بكافة ألوانه الأخضر والأحمر والوردي والأشهب والرمادي والأسود الذي أحبه كثيرا، كما استخدم حجر الهمر الأبيض، الحجر الرملي والجيري، وأحجار الألباستر والكوارترز والبازلت والمرمر، وأقوم بجلب هذه الخامات من محافظة أسوان، وأعمل على كافة المقاسات فهناك تماثيل مثل الأوباتشي الصغيرة التي يصل طولها إلى 10 سم إلى تماثيل يصل ارتفاعها إلى متر ونصف المتر أو أكبر، وتتراوح مدة العمل على حسب حجم التمثال وتبدأ من أسبوع إلى عدة شهور في التماثيل الكبيرة، وتعد أحجار الكوارتز الصلبة من أصعب الخامات التي تستهلك أيضًا الكثير من الأدوات.

التسويق والمبيعات

يذكر حمزة أن مشكلة التسويق لمنتجات النحاتين بالأقصر هي المشكلة الرئيسية، إذ تتم حتى الآن عن طريق الوسطاء ودائرة الأصدقاء، يأخذون أعمال النحاتين ويقومون ببيعها في مصر وخارجها بطرقهم الخاصة، ولا يعلم الكثير من هؤلاء التجار قيمة أي عمل فني، ولا يعلم النحاتين أسعار بيعها في الخارج، وكنت بالفعل أنا الآخر أتبع هذا النظام، إلى أن فكرت أن أقوم بتسويق أعمالي بشكل شخصي على الإنترنت، وساعدني أحد الأصدقاء بعرض أعمالي للبيع على موقع أمازون الشهير، وبالفعل أصبح الآن لدي العديد من الزبائن حول العالم وفي داخل مصر يطلبون مني أعمالًا بعينها أقوم بتنفيذها لهم خصيصًا.

ويضيف، أجد متعة كبيرة في تشكيل الأحجار الصلبة وتحويلها إلى أعمال فنية، وأعمل في منطقة الجبل حيث نقلت ورشتي هناك بعيدًا عن الناس وأيضًا لأن استخدام الصاروخ من أدوات عملي يصدر ضوضاء شديدة، وأحيانًا يطلب منى أعمال بعينها أقوم بتنفيذها، لكني أقوم بالبحث عن أشكال حديثة لتنفيذها، ويفضل أغلب النحاتين بالأقصر مدرسة “رمسيس الأول” في تصنيع التماثيل والتي تتمثل في ضخامة التمثال والمبالغة، وهناك مدرسة “تحتمس الثالث” والتي تجمل ملوكها دون إظهار عيوب الملوك عكس مدرسة “أخناتون” التي اعتادت أن تكون أكثر واقعية فكانت تظهر عيوب الملوك دون تجمل، وأنا أعمل بمعايير المدارس الثلاثة، ولكن أحب مدرسة “تحتمس الثالث” بشكل خاص لأنها مدرسة جميلة وبسيطة.

وعن أشهر القطع التي تُطلب من النحات، يقول بركات حمزة: أكثر ما يطلب مني تماثيل الملك تحتمس الثالث، حورس، أنوبيس، الأمير حور محب، أوزوريس، وبعض تماثيل للكهنة المصريين المشهورين، الملكة حتشبسوت، الأميرة إيست نفرت، أما عن نوعية الزبائن فهناك من يعجبون بشكل التمثال دون معرفة اسمه أو تاريخه، وهناك دارسو الآثار أو المهتمين بها الذين يعلمون جيدًا اسم وتاريخ صاحب التمثال، وهناك من يشتريه لبيعه في مكان آخر ولا يهمه معرفة أي معلومات عنه.

حلم وأمنية

يختتم بركات حمزة حديثه، ويقول: “أتمنى أن يكون لدي متحفي الخاص أعرض فيه أعمالي، فأنا أفضل عرضها للناس دون بيعها في الفترة الحالية، كما أتمنى من الدولة الاهتمام بالنحاتين وأعمالهم المتميزة ووضعها في الميادين، فهل يعقل محافظة مثل محافظة الأقصر بها العديد من النحاتين ولا يوجد في شوارع مدنها أي من التماثيل الحديثة من صنع نحاتي الأقصر، فالنحاتين كثيرون والشوارع فارغة لا تجملها التماثيل”.

اقرأ أيضا

الفنان إبراهيم صلاح: فن من حديد الخردة

 

مشاركة

‫2 تعليقات

  1. تنبيه: Jaxx Liberty

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر