بخلاف الأوبت: 169 عيدا لقدماء المصريين أبرزها عيد الوادي الجميل
لم يكن الموكب المقدس (الأوبت) هو العيد الوحيد للمصريين القدماء، بل كان هناك عشرات الأعياد التي تكشف قدرة المصري على اقتناص السعادة.
قائمة الأعياد
عندما قال جيمس هنري برستيد “لم أجد شعبا قديما أو حديثا آمن بفكرة الحياة بعد الموت بمثل إيمان قدماء المصريين بتلك الفكرة” كان محقا ولكني هنا أضيف له بأن المصريين القدماء كانوا أكثر شعوب الأرض حرصا على إسعاد أنفسهم والتمتع بملذات الحياة الدنيا وأخذوا منها حظا وافرا، وكانوا يضعون نصب أعينهم الدار الآخرة.
استطاع قدماء المصريين جعل جميع أيام السنة أعيادا واحتفالات ومناسبات قومية وشعبية وإقليمية وفي بعض الأحيان شخصية حيث ترصد قائمة الأعياد والمهرجانات عندهم حوالي 169 احتفالا وعيدا، بخلاف الأوبت.
عرف المصريون القدماء كيف يجعلون أيام أعيادهم أيام سعد وبهجة وفرحة واحتفاءً بما تجود به عليهم طبيعة وأرض مصر العامرة من خيرات.
تحدثنا قوائم الأعياد التي ترجع لعصر الملك تحتمس الثالث وعصر الملك رمسيس الثالث عن أيام الأعياد والاحتفالات التي كان يحرص عليها المصري القديم. تجدر الإشارة هنا إلى أهم الأعياد التي احتفل بها المصريون القديم وجعلوها أيام بهجة وسعادة وتأكيد على محبتهم لأرضهم وخيراتها وتأكيدا لعقيدتهم الراسخة السعادة والخلود متلازمان.
عيد الوادي الجميل
سوف أتحدث هنا عن أعياد البر الغربي في طيبة حيث كان يقام هناك مجموعة من الأعياد والاحتفالات يأتي في مقدمتها “عيد الوادي الجميل” الذي كان لصالح الأموات الراقدين في البر الغربي حيث كان العيد يبدأ مع ميلاد الهلال الجديد للشهر العاشر (بؤونه) الذي يقابل اليوم شهر أبريل ويستمر أحد عشر يوما ويبدأ من خروج الملك من قصره المؤقت في الكرنك ويتجه صوب النيل وفي معيته مركب آمون فقط وبداخلها ناووس خشبي مغشى بالذهب وبداخله تمثال من الذهب للإله آمون ويعبر الملك في مركبه الملكية بصحبة مركب آمون المسماة آمون وسرحات أي آمون قوى المقدمة إلى البر الغربي من نهر النيل لزيارة المعالم الجنائزية لأسلافه وذلك بغرض إنعاشهم وإعطائهم نسيم الحياة ويتحد آمون في صورته كمآت إف أى آمون الذي أكمل وقته مع أرواح الأموات وكاوات الآلهة والملوك في البر الغربي.
وعندما يصل مركب آمون يتوقف عند شاطئ الجبانات ويواصل رحلته عبر قنوات توصله للمعابد الجنائزية ويتوقف أولا عند معبد الرمسيوم حيث يلتقي آمون بتمثال أمنحتب الأول حامي الموتى في المفهوم الشعبي وبعدها يتقدم كبار رجالات الدولة بعد أن عبروا النهر وينضمون لموكب آمون حاملين المراوح والمشاعل ليلا ويقومون بزيارة مقابر أقاربهم ويمنحونهم الطعام والمؤن اللازمة بالإضافة إلى إشعال اللهب الذي يعطى معنى تجديد الحياة للموتى. ولا ينسى الزوار أن يضعوا أكاليل الزهور على أبواب مقابر ذويهم ويسكبون الماء على أعتابها. تستمر زيارة آمون لمقابر ومعابد البر الغربي وتنتهي الرحلة بزيارة وأدى الملوك ثم الدير البحري وبعدها يعبر موكب آمون النهر عائدا إلى الكرنك.
عيد مين
من الأعياد المهمة التي كانت تقام في غرب طيبة “عيد مين” إله الخصوبة الذي كان يُعبد في منطقة قفط ويسيطر على طرق التجارة والتعدين بالبحر الأحمر وامتدت عبادته غلى طيبة حيث كان الملك يخرج من قصره بالقرب من معبد الكرنك أو في مقره قرب معبد مدينة هابو ويتجه نحو الرمسيوم حيث صُور احتفال مين في الفناء الثاني من الرمسيوم .
وكان عيد مين أو طلعة مين تبدأ في الشهر الأول من فصل الجفاف المسمى شمو بالمصرية القديمة ‘وكان الملك يظهر مرتديا زيه الرسمي ويجلس داخل محفظة محمولة على أكتاف اثني عشر رجلا ويحاط الملك بالمظلات والمراوح التي تيسر له سبل الراحة وفي مقدمة الموكب كان الموسيقيين والكهنة يسيرون ثم يأتي الأبناء الملكيون وكبار رجال الدولة وكان الكهنة يحرقون البخور ويتلون التعاويذ أمام محفظة الملك وخلف الملك يسير طائفة من حرس الشرف والنبلاء.
وعندما يصل الملك أمام مقصورة مين يخرج من محفظته ويقف أمام تمثال الإله ويعطره بالزيت العطري ويحرق لأجله البخور ويسكب الماء ويقدم القرابين أمام مقصورة مين التي شُكلت على هيئة الخيمة وخلف الإله يظهر نبات الخس رمز الخصوبة وينضم لموكب مين مجموعة من الملوك الأسلاف وكان الغرض من الاحتفال هو إعطاء الخصوبة للأحياء والأموات والتأكيد على استمرارية سيطرة الملك على مقاليد الأمور.
عيد سوكر
ثالث تلك الأعياد المهمة هو عيد سوكر الذي كان يقام في اليوم السادس والعشرين من شهر كيهك. حيث صُورت أحداث احتفال سوكر في البرج الجنوبي للصرح الثاني بمعبد هابو حيث نجد موكب الإله بتاح سوكر مقسما إلى صفين من الكهنة يحملون المراكب المقدسة ورموز سوكر وبعض التماثيل الصغيرة ويحضر الملك شخصيا الاحتفال وبصحبته كبار رجال الدولة. ويظهر الكهنة وهم يحملون رمز الإله نفرتم ابن الإله بتاح سيد منف ويظهرون أيضا حاملين مركب الإله سوكر المزينة بالزهور والمجاديف وتتوسطها مقصورة بها تمثال الإله على هيئة الصقر وهذا العيد يجسد رغبة المتوفي في أن يحصل على رضى أوزير وسوكور آلهة العالم الآخر.
وهناك عيد آخر يتم الاحتفال به بقديس مصر القديمة الملك أمنحتب الأول الذي رفعه عمال دير المدينة ليصير إلها شعبيا وتتم الاحتفالات الخاصة به بطريقة شعبية تشبه الموالد الحديثة للقديسين والأولياء الصالحين. هكذا عرفت مصر أعيادا عديدة كانت تتركز في المدن الكبرى مثل منف وهليوبوليس وتل بسطة وطيبة.
أقرأ أيضا:
طيبة مدينة المائة باب وساحرة الألباب
طريق المواكب المقدسة في عيد الأعياد