بالمستندات.. وزارة الآثار تشطب قبة مصطفى بك جاهين
اتخذت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية قرار بشطب قبة مصطفى بك جاهين من عداد الآثار الإسلامية. جاء قرار الشطب بناء على كتاب مدير عام مناطق آثار مصر القديمة والفسطاط أثر رقم 389 بمنطقة الإمام الشافعي بمحافظة القاهرة.
وقد ورد بمحضر معاينة القبة في 25-1-2022 أنه من خلال المعاينة على الطبيعة تبين أنه لا توجد معالم للأثر المذكور حيث وجد أطلال من المخلفات والأتربة ولا ويجد أي معالم للمبنى وحدوده. وعليه رأت اللجنة المشكلة عرض الموضوع على اللجان المختصة للموافقة على شطب القبة من عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية حيث أن الأثر مندثر بالكامل وفقد كافة عناصره المعمارية والزخرفية.
وبناء على ذلك قررت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في جلستها بتاريخ 8-2-2022 بشطب القبة المسجلة بالقرار الوزاري رقم ١٠٣٥٧ لسنة 1951 من عداد الآثار وذلك لفقد عناصرها المعمارية والزخرفية بالكامل، كما قررت اللجنة الدائمة بعد ٦ سنوات من سقوطها إحالة الموضوع للشئون القانونية للتحقيق!
زخارف بديعة
تعود أحداث سقوط قبة مصطفى بك جاهين لسنوات قريبة إذ إنه في عام 2016 تفاجأ الأثريون والمهتمون بالتراث بسقوط القبة بعد تحذيرات طويلة من إمكانية سقوطها نتيجة المياه الجوفية المحيطة بالقبة، فلم يتم الاستجابة حينها لتلك المناشدات وهي المشكلة التي لم تُحل إذ لم تتبنى الوزارة حتى الآن مشروعات “جدية” لترميم الكثير من المباني المتداعية حالتها وبدلا من ذلك لم تكشف الوزارة عن الإجراءات القانونية التي اتخذتها تجاه القبة سوى بالـ “الشطب” من عداد الآثار! إذ لم تخضع القبة لمشروع ترميم طوال تلك السنوات قبل أن تنهار في نهاية الأمر.
مصير مجهول
الجدير بالذكر أن وزارة الآثار اتخذت في نفس اليوم أيضا قرارًا بنقل قبة رقية دودو الواقعة بالقرب من قبة مصطفى جاهين.
وتساءل الأثريون عن أسباب اتخاذ تلك القرارات خلال تلك الفترة، وقد تم اتخاذ قرار نقل رقية دودو أثر رقم 388 بناء على معاينة القبة بتاريخ 18-1-2022 وجاء بالتقرير الهندسي المقدم من مدير الإدارة الهندسية لمناطق مصر القديمة والفسطاط، أن القبة بها كمية كبيرة من الهيش والذي يصل حتى تاج الأعمدة الرخامية الحاملة للقبة، وقد اتضح خلال المعاينة أن الأعمدة من أسفل القبة وكذلك التركيبة غمرتا بالمياه حتى ارتفاع 20 سم تحت مستوى سطح الأرض، وقد أكد التقرير أن الحالة الإنشائية للأثر “جيدة” ، باستثناء وجود “بعض” الأملاح على بدن الأعمدة والتركيبة الرخامية، مع وجود روابط خشبية بها بعض التشققات.
وبناء على ذلك رأت اللجنة أن عملية الترميم تحتاج لإحدى طريقتين من خلال ترميم القبة في مكانها دون أي عملية “نقل” وجاءت الطريقة الأولى بإمكانية ترميم القبة من خلال عمل ستارة خزوقية حول القبة غير النافذة للمياه، ثم بعد ذلك يتم تخفيض منسوب المياه على أن تكون الستارة الخازوقية لا تقل عن متر عن جدار القبة، أما الحل الثاني فكان رفع الأثر عن سطح الأرض بحوالي 50 سم.
لم تذكر اللجنة المعاينة للأثر كلمة “نقل” لكن بتاريخ ١- ٢- ٢٠٢٢ عرض مساعد الوزير للشئون الهندسية الأمر على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية للموافقة على رفع القبة لمنسوب أعلى من منسوب المياه الجوفية بالمنطقة و “نقلها” على أحد جانبي الطريق المقترح بنفس المنطقة، وبتاريخ 8-2-2022 وافقت اللجنة الدائمة على نقل القبة.
الجدير بالذكر أن القرار الذي اتخذته اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، لم يتطرق لوضع قبر رقية دودو القابع أسفل القبة، وما زال مصيره مجهولًا!
تاريخ القبة
وقد ذكر المؤرخ أبو العلا خليل وقال إن منشئ هذه القبة هو الأمير مصطفى بك جاهين المعروف بالقرد على عهد الوالي العثماني محمد أمين باشا عام 1166 هـ/ 1752 م. والقبة مقامة على تركيبة حجرية على قبر صالح بك القاسمي المتوفى عام 1182 هـ، فقد كان صالح بك مملوكا لمصطفى بك المعروف بالقرد ولما مات سيده تقلد الإمارة عوضا عنه وتقلد إمارة الحج عام 1172 هـ فسار بها أحسن سيرة.
وكانت إمارة الحج هي إحدى الوظائف المهمة في الدولة العثمانية وصاحبها يتولى الإشراف على قافلة الحج في ذهابها إلى مكة المكرمة كما كان عليه تسلم ونقل الإعانات النقدية والعينية المرسلة سنويا من الخزانة المصرية لأهالي الحرمين الشريفين. وقد تطلع صالح بك القاسمي لتولى منصب شيخ البلد- أرفع المناصب في البلاد- والشخصية الثانية في مصر بعد الباشا حاكم البلاد إلا أن طريقه لم يكن مفروشا بالورود فقد كان ذلك المنصب موضع تنافس شديد بين المماليك بعضهم بعضا وبخاصة كبيرهم على بك الذي دبر مؤامرة انتهت بقتل صالح بك.
وعن ذلك يقول الجبرتي في التاريخ (اجتمع الأمراء بمنزل على بك وفيهم صالح بك وقد بَيْت على بك مع اتباعه على قتل صالح فلما انفض المجلس وانصرف صالح بك والأمراء فلما وصلوا إلى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة عصفور سحب محمد بك أحد الأمراء سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم وكملوا قتله ووقع طريحا على الأرض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم إلى القلعة وعندما مماليك صالح بك وأتباعه ما بسيدهم خرجوا على وجودهم وأقام صالح بك مرميا تجاه الفرن الذي هناك ثم أخذوه في تابوت وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة ضريحه بالصورة.
في وصف القبة
ويصف الجبرتي صالح بك في عجائب الآثار في التراجم والأخبار (كان أميراً جليلاً مهيباً لين العريكه يميل بطبعه إلى الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين وكان وقوراً محتشماً كثير الحياء وكانت إحدى ثناياه مقلوعة فإذا تكلم مع أحد جعل طرف سبابته على فمه ليسترها حياءً من ظهورها حتى صار ذلك عاده له). وقد كانت قبة مصطفى بك جاهين مقامة على أربع أعمدة رخامية ذات بدن أسطواني ذو قاعدة وتاج ناقوسي الشكل ويتصل على عامودين بعقد نصف دائري وتحمل هذه العقود قبة أجريه هرمية الشكل- والتي تبدو واضحة بين الأنقاض- مغطاة بطبقة من الملاقط الخالي من الزخارف ويتوجها هلال من المعدن. وتقول كلمات شاهد القبر:-
“بشرى لصالح قد حل بروضة.. في جنة الفردوس مع رضوان
قد حاز بالتقوى الرضا من ربه.. فله الهناء من العلى الرحمن
الله يرزق أهل منزله صبرا.. ويزيدهم فضلا بلا نقصان
هذا قبر المتوفى إلى رحمة الله تعالى الشهيد المظلوم صالح بك أمير الحج سابقا تابع المرحوم مصطفى بك جاهين توفى يوم الأحد غاية شهر ربيع الآخر سنة 1182 هـ
مبان فريدة
وخلال السنوات الأخيرة لجأت وزارة الآثار لشطب العديد من المباني الأثرية الفريدة، بدلا من ترميمها، منها منزل عبد الواحد الفاسي بالموسكي، وقصر ميخائيل لوقا الزق بأسيوط، ومحطة القطار الملكية بكفر الشيخ، وكذلك محاولة شطب أجزاء من حديقة الأسماك!
وقد تداعت أيضًا حالة العديد من المباني الفريدة نتيجة عدم ترميمها وإهمالها لسنوات فسقطت أجزاء من ميضأة مسجد السلطان حسن، وكذلك أجزاء من الحمام العثماني الأثري بقنا رغم مناشدات المنطقة الأثرية لترميمه منذ سنوات، وبعده سقطت طابية فتح الأثرية بأسوان ولم تعلن وزارة الآثار بدورها حتى الآن نتيجة التحقيقات حول ما تعرضت له الطابية الأثرية!
اقرأ أيضا:
«الدير الأبيض»: كيف تم إهمال أقدم مبنى حجري مسيحي على وجه الأرض؟