بالمستندات| قصر «برسوم باشا» مخزن أسرار ثورة 1919
على مساحة 1600 متر مربع، شُيد قصر تاريخي يعود عمره إلى قبل 165 عاما، امتلكه برسوم باشا في مطلع العشرين ضمن 7 قصور أخرى لديه. القصر قيمة تاريخية كبيرة وتم تدشينه على الطراز الإيطالي وتعرض للتجديد 3 مرات بمبالغ مالية باهظة. ومؤخرا تم تسجيله في جهاز التنسيق الحضاري.. «باب مصر» يتعرف على قصة القصر.
قيمة تاريخية
هذه الأعوام الطويلة لم تؤثر على الحالة العامة للقصر الذي ما زال شامخا في حالة تشبه حالته الأصلية، ويرجع الفضل في الحفاظ على هذا الإرث إلى أحفاد برسوم باشا، وتواصل «باب مصر» مع المهندس المعماري شريف حنا، حفيد برسوم باشا، لتوضيح القيمة الأدبية والحضارية للقصر التاريخي.
«القصر يعد أقدم من بعض البلاد العربية» بهذه الجملة افتتح شريف حنا حديثه عن قصر جده، واصفه بأنه يعد رمزا تاريخيا وأثريا يصل عمره إلى 156 عاما، مما يجعله جزءا أساسيا من عبق القاهرة التاريخية التي تتميز بالتنوع والتعدد، وهو أقدم من «قصر البارون» بهليوبوليس أيضا بحوالي 46 عاما، ويقول: «لا نستطع البحث عن الحداثة في مصر دون الحفاظ على التاريخ المميز».
قصر برسوم باشا
وكان قد شيد قصر برسوم على الطراز الإيطالي، وكل الأسقف كانت مرسومة يدويا، وحاليا يحافظ شريف الحفيد على سقف واحد مرسوم يدويا بالألوان والدهانات الأصلية له، ويحتفظ أيضا ببعض القطع على سبيل الذكرى، ومنها مكتبة وقطع جرامافون ومقتنيات بسيطة كانت موجودة بالقصر منذ أن اشتراه برسوم باشا عام 1912، وتم تسجيله عام 1923، مثل مرآة تضاهي مرآة ماريوت للخديوي إسماعيل تزينها شعلتين على اليمين واليسار.
والعقد فرنساوي تم تصويره «فوتو كوبي» المستخدم حينها على خلفية سوداء، ومترجم في الشهر العقاري، أما عن قيمته المادية فيصل سعر الأرض فقط إلى 42 مليون جنيه، فهو على مساحة 1165 مترا لثلاثة شوارع كاملة، ويصل سعر المتر هناك إلى 35 ألف جنيه، ويقول: “القيمة الحقيقية للقصر تكمن في قيمته التاريخية والثقافية وليس ثمنه، وبالنسبة لي فإنه لا يقدر بثمن ولا أقبل فيه أي تعويض مادي”.
يحتفظ شريف بالمستندات التي تؤكد ملكيته للقصر عن جده، ويقول: “من ضمن المستندات التي تؤكد أثرية القصر وجود الشعار الذي يؤكد الحقبة الزمنية للقصر أعلى القبة، ويتضمن الشعار الهلال وداخله النجمة الخماسية وكانت شعار الدولة العثمانية وعلم مصر أثناء حكم الخديوي سعيد”.
قديم كالجديد
تم تسجيل القصر في جهاز التنسيق الحضاري مؤخرا، برقم مسلسل 03170000109 فئة أ، ولكن بخلاف ذلك فإن الحفاظ عليه بعد وفاة برسوم باشا حتى الآن لم يكن أمرا سهلا على الأحفاد، ويوضح شريف سر الحفاظ عليه، قائلا أنه خضع لعمليات ترميم وصيانة باستمرار على الحساب الشخصي للأحفاد، ويتم جمع أموال الصيانة والتجديد من الورثة والشركة المالكة لنصف القصر بعد أن اشترته من أحد الورثة، وهم شريف حنا، ويقول عن صلة القرابة: “جدي شريف حنا جبرائيل حفيد برسوم باشا من ابنته”، وأحد الورثة ابن خالة والد شريف.
خضع القصر للتجديد 3 مرات، الأولى كانت من 32 عاما بتكلفة 170 ألف جنيه وكان مبلغا ضخما على حد وصف حنا، والمرة الثانية منذ 14 عاما بتكلفة 680 ألف جنيه، وتم ترميم البيت كاملا حينها بالواجهات الأربعة مع تسجيله في جهاز التنسيق الحضاري، بإشراف لجنة مكونة من 18 خبير ودكتور جامعي لتحديد الألوان الأصلية للقصر والتي يتوجب تجديده بها، “وصلنا لدرجة اللون الأصلي بالظبط”.
أما المرة الثالثة للتجديد فكانت قبل 7 أعوام بتكلفة 380 ألف جنيه، خلال حفر مترو الأنفاق والذي أثر على القصر بحدوث تصدع في البرج الأمامي وانفصل، واستعان حفيد برسوم باشا بلجنة من مكاتب استشارية لدعم مدخل القصر وثباته حتى لا يتعرض للانهيار وذلك دون إفساد شكله الجمالي.
صالون النحاس
لشقيق الجد برسوم حنا باشا، سنيوت حنا، تاريخ طويل في العمل السياسي، حيث كان رفيق الزعيم الراحل سعد زغلول في المنفى أثناء ثورة 1919، وكان كثيرا ما يتردد على قصر برسوم باشا، أما وجود سعد باشا في القصر حينها فلا يوجد رواية أو ما يثبت ذلك مما توارثه الأحفاد، ويقول شريف الحفيد، إن النحاس باشا كان كثيرا ما يحضر الاجتماعات بصالون في القصر، حتى أنه أطلق عليه «صالون النحاس» باشا.
واعتاد النحاس مقابلة قيادات حزب «الوفد» الحاكم حينها منذ عام 1943 حتى عام 1948 بالقصر، ويستكمل شريف أن ابن خالة والده ويدعى جرجس كرم كان أمين عام حزب الوفد للفترة الزمنية نفسها، وعلى مدار الأعوام الخمسة كانت أسرار وأوراق الحزب تُحفظ بالقصر ويقول شريف: “كانوا يخافون حينها من تركها في الوزارة خوفا من تغييرها لهذا يتم الاحتفاظ بها في مكان آخر حتى لا يتم حرقها”.
أملاك برسوم باشا
أما برسوم باشا فلم يكن رجلا سياسيا، بل اقتصادي جمع ثروته الضخمة كلها من البورصة حيث كان من أكبر مضاربي بورصة القطن، وقد توفي عام 1933، وكان يمتلك 6 قصور أخرى بخلاف قصر العباسية، وحوالي 2800 فدان في مركز الفشن التابع وقتها لمحافظة المنيا وحاليا لمحافظة بني سويف، كما أوضح شريف.
القصور الستة تم بيعها بواسطة الأبناء والأحفاد، خاصة أن برسوم باشا كان أب لـ6 فتيات وولدين، وحفيدته أنجبت 7 رجال، مما اضطرهم لبيع بعض الأملاك بعد تقسيمها، والتي لم تتأثر بثورة يوليو عام 1952، أما قصر العباسية الحالي.. فهو مكون من 4 شقق، يعيش فيها الورثة ومنهم شريف، الذي حافظ على تاريخ القصر.