الهجرة في العمارة والأدب السكندري: عبء مرحب به
تحت عنوان «إعادة البناء معا: تأثير الهجرة على التنمية الاقتصادية والمعمارية للمدن» أقيمت حلقة نقاشية في المعهد الفرنسي بالإسكندرية بحضور قنصل عام فرنسا. دارت المناقشات التي شارك فيها الروائى والشاعر علاء خالد وخبيرة الاقتصاد إكرام بوبتان والمعماري محمد عادل دسوقي تأثير الهجرة والمهاجرين على المعمار والأدب والاقتصاد في حقب زمنية متعددة وصولا للوقت الحالي في الإسكندرية ومصر.
وجوه سكندرية
في البداية قرأ الكاتب علاء خالد نصا من كتابه “وجوه سكندرية” عن مقهى كريستال، الذي تم هدمه من حوالي أربع سنوات: “كان هذا المقهى هو قبلة المثقفين. ربما لتاريخه القديم الذي يرجع إلى الأربعينات. فقد كان المكان المفضل للروائي إدوار الخراط، وغيرهم من مثقفي الإسكندرية والقاهرة. وترجع أهميته كذلك إلى وقوعه بالقرب من مقهى التجارية وبار الوطنية الكبرى. وهذا المقهى الأول كتب عنه أيضا توفيق الحكيم الذي كان يرتاده ووالده من قبله. فقد كان بمثابة محطة إذاعة وبث وتجمع للطبقة المثقفة في الإسكندرية… في التسعينات. بدأ الشباب من الجنسين يتخذون من هذا المقهى مستقرا لهم بالمعنى البيتي الكامل، إقامة شبه كاملة كأنهم طردوا من بيوتهم. ظهر جيل جديد يحب الشوارع والتسكع فيها. ولم يجد في المدينة الواسعة مكانا يتسع لحريته وبأقل التكاليف سوى هذا المكان مع قلة من المقاهي الأخرى كانوا خليطا من عدة طبقات اجتماعية، أغلبهم كانت له علاقة بالفن من قريب أو من بعيد. ودائما كان الفن أو القرب منه يخلق مراكز تجمع في المدينة باختلاف الأجيال”.
وقال خالد: “يجب على اللاجئين أن يبقوا لاجئين أن لا يتحولوا إلى مواطنين”. واستكمل: “في اعتقادي أنك إذا أردت الحفاظ على هويتك يجب أن لا تنتمي بالكامل للمكان الجديد وأن تعيش كأنك غريب عن المكان وغير منتمى”.
واستطرد: الأدب الحديث مرتبط بهذه الفكرة. مثلا في أدب الأقليات يمكن أن نرى بوضوح موضوع عدم القدرة على التكيف نجده ربما مصاغ بشكل حاد أحيانا.
منظور التخطيط
وعّرف المهندس المعماري محمد الدسوقي الهجرة من منظور التخطيط. وقال: “نزوح بعض الأفراد من مكان لآخر. وقد تكون الهجرة اختيارية بنية البقاء بشكل مؤقت أو بشكل دائم من أجل البحث عن فرص أفضل للعيش أو أن تكون الهجرة اضطرارية بسبب الحروب والمجاعات”.
ويرى الدسوقي أن الهجرة بالنسبة لمدينة الإسكندرية شيء أساسي في تكوينها. وضرب مثالا بالعصر الإسلامي حيث هاجر المرسي أبوالعباس من بلده مرسية وجاء إلى الإسكندرية وأصبح أحد الأقطاب الصوفية فيها. وأقيم فوق قبره مسجدا يحمل اسمه، الذي تطور أكثر من مرة. والتصميم الحالي لمسجد المرسي أبوالعباس وضعه المهندس المعماري الإيطالي “ماريو روسي” الذي تمصر بعد ذلك. وهناك معماريون أجانب آخرون عاشوا وولدوا في مصر مثل “أليساندرو لوريا” الذي عاش وولد في المنصورة وكل أعماله المعمارية كانت في مصر أو “ماكس إدري” الذي ولد في السنبلاوين الذي صمم كلية سان مارك على سبيل المثال.
وأضاف: إذا تأملنا سنجد أن مدينة الإسكندرية استعانت بخبرات أجنبية عديدة في تخطيط شوارعها. أيضا المهاجرون أقاموا دور العبادة والمدارس الخاصة بهم. سواء الشوام أو مهاجرون جنوب المتوسط وغيرهم. هذا الموزاييك اختلطت وأخرجت المدينة التي نتحدث عنها اليوم، من الصعب تخيل مدينة مثل الإسكندرية دون استقطاب وجذب للأجانب ليعيشوا فيها.
الهجرة الداخلية
وتابع: لا يمكن إلقاء اللوم على الهجرة الداخلية فقط بخصوص التشوه المعماري. حدث هذا التشوه لأسباب عديدة قانونية وتخطيطية. مشيرا إلى أنه قبل المناقشة اطلع على عدد من القوانين الخاصة بالبناء مرة أخرى. وأكد الدستور المصري المعمول به حتى سنة (56) رفض التمييز لأي عرق أو أصل بل كان يتفهم أن هناك أشخاص اختاروا أن يعيشوا وينتجون هنا. أما الآن الوضع مختلف خصوصا مع وجود قانون البناء الموحد الذي يغفل طبيعة كل مدينة.
ويقول دسوقي: هجرة السوريين إلى مصر واندماجهم معنا حتى لو عن طريق المطاعم والمحلات مجرد فصل جديد من هذه العلاقة التاريخية الطويلة بين مصر وسوريا. أيضا من حيث العمران لدينا أجيال قديمة من المعماريين مثل “شارل عيروط” و”حبيب عيروط” و”نعوم شبيب” كلهم سوريون وكل مبانيهم بنيت على أرض مصر لكن الفصول الحديثة لم تصل لهذه المرحلة بعد.
وذكرت خبيرة الاقتصاد إكرام بوبتان، أن الهجرة يمكنها أن تكون داخل أو خارج القارة سواء للدراسة أو للعمل أو للم شمل عائلة. وأن للمهاجرين أهدافا منها الاندماج الاجتماعي.
الهجرة والأدب
بينما عبر الكاتب علاء خالد عن الهجرة وعلاقتها بالأدب. فقال: “في الماضي كنا نجد أعمال أدبية لمصريين وغير مصريين، مثلا في الأربعينات توجد أعمال أدبية فيها عنصر الهجرة حاضرا. لكن الآن ديناميكية الهجرة مختلفة لأسباب متعددة منها الأمن.
وأضاف أن هناك مشهد متعدد للمهاجرين في مصر يراه بشكل دوري في يومه. لكنه يرى أن هذا المشهد حاليا مناسب أكثر للصحافة أو للأفلام التسجيلية التي تخرج المشهد بشكل جديد ومختلف. لكن شكل وحياة المهجرين الآن معلق، يحتاج لمزيد من الوقت لدخول عالم الأدب.
وتقول إكرام بوبتان: مصر أصبحت بلد مضيف للكثير من الذين يبحثون عن حماية دولية. بعد أن كانت دولة يهاجر منها الناس وهذه الظاهرة نلاحظها في شمال إفريقيا بشكل كبير. إننا نعيش الآن في عالم متعولم ذلك أنه معدل الهجرة ازداد في العالم كله لنسبة تصل إلى 50%.
واستطردت: الأمم المتحدة قدرت عدد المهاجرين في مصر إلى حوالي 500 ألف مهاجر منهم 20 ألف شخص يعملون في عمل رسمي في مصر. والعمل الرسمي مهم لأنه يعطي حماية وإمكانية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي في البلد المضيف. لكن الرقم -20ألف- الذي يعبر عن المهاجرين الذين يعملون في أعمال رسمية يقول أيضا أن هناك نسبة كبيرة من المهاجرين يعملون في السوق السوداء.
عبء مرحب به
وأكدت بوبتان أن المهاجرين ليسوا عبئا على الاقتصاديات. بجانب أنه لا يوجد أي ثوابت تدل على أن المهاجرين عبء على الدولة. وجود المهاجرون لا يزيد من البطالة في البلد المضيف مثلا. لأنهم يحاولون الاندماج والمساعدة والعمل وهذا ما يسمى في الاقتصاديات التكامل في سوق العمل وليس الإحلال.
وأضافت، نحن تحولنا من عالم يسيطر عليه الصناعة ووجهة نظر مبنية على الإنتاج، إلى مجتمع استهلاكي ترفيهي يحتاج للمحلات والمقاهي. وهذا يعتبر ثراء اقتصادي مثل البناء والتعمير الذي كان يحدث في السابق.
وضربت إكرام مثالا بالمحلات والمطاعم السورية. وقالت: أن تأكل مع عائلتك في مطعم معناه أنك تساهم في الثراء الكلي. وأشارت إلى أن النظرة الاقتصادية ربما باردة. لأنها نظرة مبعدية تفكر أين سيصبح السوريون بعد عشر سنوات من الآن بعد محاولات الاندماج الاقتصادي والاجتماعي؟
اقرأ أيضا
«التيتي» بلياردو.. الذي حير الإسكندرية