النصر بفرشوط.. سينما الوحدة الوطنية
لم يتحول المبنى إلى أطلال، لايزال بطابقيه شاهدا أن نهضة ثقافية مرت يوما ما على مدينة فرشوط (إحدى مراكز محافظة قنا)، كما لا يزال شاهدا على التسامح الذي كان سمة المجتمع فى تلك الأيام. «سينما النصر»، هى إحدي قاعتي عرض سينما فى المدينة الصغيرة، كانت الثانية «سينما الجمال». تقع سينما النصر بالقرب من شارع المحطة، تحديدا في شارع خوري الحليمي، وتأسست في الخمسينيات بمشاركة بين الصديقين عبدالغني الأمير (المسلم) وناشد المعصراني (القبطي).
البداية
يحكي محمد الأمير وهو ابن عبدالغني الأمير سينما النصر: عمل والدي بالشؤون البلدية والقروية، وعمل في تجارة معدات الري والميكانيكا، وساهم مع والده في إقامة الورشة الميكانيكية الصناعية، والتي كانت تعد من أكبر ورش المحافظة وقتها، بإسهاماتها في إصلاح وتطوير للمشاريع الأهلية وأيضا الحكومية، قام بتأسيس مطحن غلال بالمساهمة مع ناشد قديس المعصراني، ثم تعاونا في إقامة سينما النصر، كما ساهما في إنارة شارع «خوري الحليمي» بأعمدة الكهرباء قبل أن يكون بالبلدة مصدر للتيار الكهربي عموما.
يقول الأمير: كان أبي مهتما بالسينما وفكرة وجودها في مدينته فرشوط، وكانت السينما مبنية بجهوده الذاتية ومعه شريكه، وكانت تتكون من طابقين، الصاله في الدور الأرضي، والبلكون في الأعلي، واللوج مقسم إلي جزأين، وخلفه 3 حجرات للسيدات، وكانت السيدات تدخلن من باب خلفي، ويضيف: كانت هناك سينما صيفية، وسينما شتوية، وكانت في الشتاء تغطي بالمشمع لتقلل من درجة البرودة.
سعر التذكرة
عن سعر تذكرة الدخول لسينما النصر يقول “الأمير”: كانت الأسعار تتراوح بين قرشين ونصف، وأحيانا 9 مليم، وكان والدي يقدم التذاكر بأسعار رمزية للغاية، حتى يتمكن عامة الأهالي من الدخول، ومشاهدة الأفلام، فلم يكن يهتم بالعائد المادي من بناء السينما، ولكن كان يريد نشر الوعي في مدينته فرشوط، فكانت مصاريف السينما أكثر من إيراداتها.
برنامج السينما
يضيف الامير: كان أهالي فرشوط يحرصون دائما على مشاهدة أفلام ملك الترسو “فريد شوقي” وأشهرها، رصيف نمره 5، وسوق السلاح، وجعلوني مجرما، وكانت السينما تعرض العديد من الأفلام، لفريد الاطرش، ومحمود المليجي، وعبدالحليم حافظ. في نفس توقيت عرضها بالقاهرة. ويقول الأمير: كانت السينما تقدم يوم الخميس جريدة مصر الناطقة، فتعرض نشرة الأخبار المصورة على شاشة السينما، وبعدها يعرض الفيلم، وفي فترة الصيف كان الفيلم يعرض بعد الساعة الثامنة والنصف مساءا وذلك بسب ارتفاع درجة حرارة الجو، لأن السينما كانت مكشوفة.
حافظ أبوطماطم
لا ينسى “الأمير” الجندي المجهول لعمل السينما وهو حافظ أبوطماطم، هكذا كان يسمونه، فكان له دور مهم جدا، فهو المسؤول عن لحام الأفلام، وضبط الإضاءة وكان المسؤول عن الدعاية والإعلانات، يجوب في شوارع فرشوط بالسيارة يعلن في مكبر الصوت عن ميعاد الفيلم الجديد، كذلك كان يعلق أفيشات الأفلام على جدارن الشوارع.
يضيف الأمير، استمرت سينما النصر تعمل في فرشوط، ولكن بعد زيادة الخسائر المادية لها، اضطر والدي لبيعها لأحد أبناء فرشوط، وهكذا لم تتغير سينما فرشوط، ولم يتغير مكانها ولم يتم هدمها، وذلك لأن وزارة الثقافة رفضت هدمها. وقد انتقلت للعيش في مدينة الإسكندرية ولم أقم بزيارة فرشوط إلا عند وفاة أبي، ووجدت أن معالم البلد التي عشت بها طفولتي وذكرياتي قد تغيرت، ولكن السينما موجودة ولكنها لا تعمل.
ذكريات الأهالي
عن ذكرياتهم عن سينما النصر، يحكي بخيت أبوالمجد (62 عاما)، كنت أنتظر ميعاد عرض الفيلم كل يوم أحد وكنت في العاشرة من عمري، وكانت سعر التذكرة، 3 قروش، وفي أوقات كثيرة كان الدخول مجانا، من أشهر الأفلام التي شاهدتها في سينما النصر، فيلم وداد لأم كلثوم، وفيلم باب الحديد، وفيلم عنتر ابن شداد بطولة سراج منير، وفيلم رصيف نمره 5، بعد الإعلان عن الفيلم كنت أذهب الى السينما وأشاهده وكنا نجلس في الدور الأرضي، تربطني بها ذكريات جميلة جدا، كلما مررت من الشارع الذي توجد به السينما أتذكرها، وأتمنى عودتها مرة أخرى، فكانت بمثابة المتنفس لأبناء فرشوط.
وتحكى زينات هارون (70 عاما): كان منزلنا في الجهة المجاورة لها وكنت أشاهد العامل وهو يقوم بتركيب الفيلم، كنت أذهب مع والدي، كل أحد لأشاهد الفيلم، وكانت أحب الأفلام إلينا هي أفلام فريد شوقي، أتذكر فيلم سواق نص الليل، وكانت تذكرة الدخول بحوالي 3 قروش، ارتبطنا بالسينما وبذكرياتها معنا التي تعيش معي حتى الآن.
أما أم عرفات (75 عاما) فتصف يوم الذهاب إلى السينما بأنه يوم عيد: كنت أذهب مع أبي وأمي، وكان للسيدات مكان مخصص لها، وباب خلفي للدخول، شاهدت فيها أفلاما عديدة منها شاطئ الغرام بطولة ليلي مراد وحسين صدقي.
اقرأ أيضا
السينما في نجع حمادي: لا شىء يدوم
السينما في بني سويف: مقالب قمامة تسكنها الخفافيش
سينمات عروس البحر المتوسط: إسكندرية ليه؟
السينمات في الفيوم.. أطلال وأنقاض وذكريات
فيديو| سينما بورسعيد: وتحولت دور العرض إلى أبراج.. وجراجات
سينمات أسيوط.. التاريخ وحده لا يكفى
13 تعليقات