صور| الندّاهه ورنِّة نحاس.. حواديت “الشِّق الفوقاني” في دشنا
“الشِّق الفوقاني” أكثر الأماكن بدشنا ارتباطا بالحواديت التي غالبا ما تحكي عن الجن والعفاريت وكنوز القدماء والنداهة، فما هي هذه المنطقة وكيف يربط الأهالي بينها وبين النداهة؟
تقع منطقة الشق الفوقاني في مواجهة النيل وتتخذ شكل ربوة ترتفع بحوالي المترين عن مستوى سطح النيل، وعلى أطراف الربوة توجد أضرحة ومقامات الصالحين والتي تبقت من أطلال الجبانة القديمة، بحسب روايات الأهالي.
تاريخ “الشِّق الفوقاني”
يقول علي مبارك، في كتابه الخطط التوفيقية، الجزء الحادي عشر، في حديثه عن دشنا “ثم إن البحر قد مال على هذه البلدة فأذهب أكثرها وكثيرا ما أظهر فيها أبنية من الأجر الكبير وصخورا عليها نقوش هيروغليفية تدل على أنها كانت مدينة جليلة، ولم يبقى الآن من تلول البلد القديمة إلا قطعة عالية عليها بيوت فوق شاطئ البحر وعليها هذا الجامع العتيق، وقد انتقلت بيوتها في الجهة الشرقية حتى قيل أن هذا الجامع كان في طرفها الشرقي فصار في طرفها الغربي، ولها موردة عليها السفن دائما لشحن المتاجر من تلك البلاد إلى مصر وإلى أسوان وسوقها فوق البحر فيه ما يحتاجه المسافر وغيره من خبز ولحم وسمن وخضر وغلال وفواكه وعندها بساتين نضرة”، وطبقا لتوثيق مبارك فقد كانت دشنا تتبع مديرية جرجا في ذلك الوقت واشتهرت بتجارة وشحن الغلال .
أصل تسمية “الشِّق الفوقاني”
ويوضح معروف عبد الجليل، 82 سنة، موجه تاريخ بالمعاش، أن ارتفاع المكان كان سببا في أن يسميه الأجداد الشق الفوقاني بمعنى الناحية العالية، ومع الوقت كان الأهالي يهيلون التراب والحجارة على هذا المكان ليزداد ارتفاعه مع مر الزمن ويتخذ شكل الربوة الحالية، ومرجعا أسباب الربط بين المكان وقصص الكنوز والعفاريت لاقترابه الشديد من النيل واعتقاد الأهالي أن معابد القدماء كانت تحاذي نهر النيل.
حمدي عبد الهادي، موجه، 57 سنة، عاش وتربى في منطقة الشق الفوقاني، يقول: “الشِّق الفوقاني” كان عبارة عن منازل مبنية من الطوب اللبن على ضفاف نهر النيل فوق جرف عال يرتفع عن سطح المياه بحوالي أربعة أمتار، ملمحا إلى أن ذلك كان قبل بناء السد العالي.
ويتابع بأنه حدث أن في إحدى السنوات زاد الفيضان وابتلع نصف بيوت المنطقة وبعدها تجمع الأهالي مرة أخرى وبدؤوا في عملية الردم وإعادة بناء البيوت على الربوة، ولذلك سميت بالشق الفوقاني.
النداهه
أما عن ارتباط المنطقة بالنداهة، فيقول عبد الهادي، عن هذه الأسطورة “حكت لي جدتي عن جنية البحر أو النداهة والتي كانت تسكن أسفل منطقة “الشِّق الفوقاني” في مياه النيل، وكانت تخرج بعد منتصف الليل في وقت لم تكن فيه إنارة بالشوارع وكانت أغلب البلدة تنام بعد صلاة العشاء، وكانت تخرج في كامل زينتها بالحلي وتنادي على الشخص باسمه في صوت رقيق فإذا ما التفت إليها وتوقف سحبته إلى الماء لتطفو جثته في صباح اليوم التالي.
مخزن كنوز
ويروى إبراهيم جابر، 74 سنة بالمعاش، أن ما كان يتردد على لسان جده وأقاربه قديما أن منطقة الشق الفوقاني تحتضن في أسفلها مخازن كنوز الفراعنة، ويعتقد البعض أن أسفلها معبدا كبيرا، ويعلل جابر هذا كون منطقة “الشِّق الفوقاني” تعد من أعلى وأقدم المناطق بدشنا، كما أنها تقع على مقربة من النيل، ويلمح جابر إلى أن الأهالي يروون عشرات القصص عن الحفائر السرية التي كشفت عن ممرات وحجرات تحت الأرض .
الحجارة والمغاربة
ويسترجع محمد عبد الدايم ، 75 سنة بالمعاش ذكريات طفولته في منطقة الشق الفوقاني ويتذكر أنه كان هناك مجموعة من الحجارة الصفراء والضخمة جدا وكان عليها بعض النقوش الغريبة ، ويذكر أنه في فترة الخمسينات روى الأهالي قصة قدوم بعض السحرة المغاربة وقاموا بتلاوة تعاويذ معينة على الحجارة لتختفي بهم الحجارة .
رنة النحاس
ويلمح عبد الدايم إلى أن منطقة “الشِّق الفوقاني” كان بها لسان حجر بارز في النيل وكان حوله عدد من الحجارة الكبيرة والتي استخدمها الأهالي في فيضان الثلاثينات لمنع المياه من ابتلاع بيوتهم، لافتا إلى أن الأهالي اعتادوا أن يسمعوا صوتا يشبه رنة النحاس يصدر من ذلك اللسان في فترة الليل.
الجامع العمري
ويلفت عبد المنعم أبو الحسن، 82 سنة بالمعاش إلى أن الفيضان ابتلع أكثر من نصف مساكن وبيوت الشقيرات وبيت القاضي وبيت الحاج فاوى، كما ابتلع أيضا المسجد العمري، أقدم مساجد دشنا، ملمحا إلى أن ذلك كان في الثلاثينات، وكان وقتها النيل يتفرع في شكل ترعة بشارع المحطة، واعتبارا من الخمسينات تم تهذيب وتحديد مجرى نهر النيل وفصله عن الشبكة العمرانية، ويلفت أبو الحسن إلى أن منطقة “الشِّق الفوقاني”بحكم ارتفاعها وبروزها في النيل، كانت تعتبر المدخل النهري لدشنا وذلك بحكم انتشار المدشات ووكالات شحن وبيع الغلال عبر النيل، كما كان يوجد قديما في منطقة “الشِّق الفوقاني”، المحكمة القديمة والتي هي حاليا مسجد رشوان و نقطة البوليس والتي هي حاليا منزل آل فاوي .
تأصيل علمي
ويوضح محمد حامد، مدير الآثار الفرعونية بقنا، حقيقة وجود آثار فرعونية بمنطقة “الشِّق الفوقاني”، لافتا إلى أنه لم تظهر حتى الآن أي شواهد علمية رسمية في هذا الصدد، وكل ما يتداوله الأهالي مجرد روايات.
ويلفت حامد إلى أنه من الجائز أن تكون المنطقة موجودة على أنقاض مبان أثرية وهو ما يؤكده ارتفاع وتحدب المنطقة، استنادا إلى نظرية الكوم أو التل والتي تقول أن الأماكن المرتفعة المحدبة في مصر غالبا ما تكون مبنية على أنقاض مبان أثرية.
وينوه حامد إلى أن المنطقة لا تحتوي سوى على بعض المباني ذات الطابع المعماري الأثرى والتي تعود إلى القرنين الماضيين، مثل الوكالة وقصر الفوانيس، بالإضافة الى ضريح ومقام الشيخ جلال الكندي والذي يرجح أنه يعود الى فترة القرن الثامن الهجري.
18 تعليقات