المكاري.. مهنة قضت عليها الحداثة في الأقصر
عندما تقع على مسامعك كلمة “مكاري”، ربما ستتوقف عندها قليلًا متعجبًا اللفظ، وستحاول جاهدًا في البحث عن معنى الكلمة لدى أرشيف وذاكرة الأجداد في الصعيد، فالمهنة قد اندثرت وتلاشى معها الاسم لأنها لم تورث كمهن أخرى لم تزل باقية حتى وقتنا هذا، بينما ظل وجودها مقتصرًا على المناطق الريفية فقط.
المكاري، كلمة كانت تطلق قديمًا على من يمتلك “حمارًا” ويستخدمه كوسيلة للتنقل، وشهدت الأقصر خلال القرن الماضي انتشارًا لتلك المهنة، حتى كانت توجد في كل حي من أحيائها، وكالة للحمير، يترك فيها الحمار، ويُنهي المتنقل من الريف المجاور للأقصر مصلحته في سوق المدينة، أو زيارة دواوين حكومية، ليعود في المساء ويأخذ حماره، نظير قرشًا أو نصف قرش كأجر للوكالة.
يقول عبد الجواد عبد الفتاح، باحث في تاريخ الأقصر؛ كانت الحمير وسيلة المواصلات الرئيسية في بداية القرن الماضي، فحتى الملك فؤاد عند قدومه للأقصر عام 1923 لزيارة مقبرة توت عنخ آمون امتطى حمارًا في البر الغربي للمدينة، هو ورجال حاشيته، واستمرت الحمير هي وسيلة المواصلات لوقت طويل حتى للسياح.
اختفى المكاري، وزالت ملامح دوابه على الطرقات، بعدما كسا الزفت شوارعها، واحتلت السيارات والمركبات التي يشغلها الوقود أرصفتها، حتى بات وجود الحمير مقتصرًا في الوقت الحالي على المناطق الريفية، يستخدمها الفلاح لمساعدته في نقل محصوله من خلال ربط الحمار بالعربة الكارو وتحميل المحصول عليها.
مهنة المكاري رافقتها مهن أخرى ارتبطت بها، وانقرضت بانقراضها، كالبردعي وحلاق الحمير.
ويذكر عبد الفتاح؛ البرادعي هو من يقوم بصناعة السروج التي توضع أعلى ظهر الحمار، وكان يتم صناعتها من أصواف الغنم ويتم تنجيده ووضعه فوق خشب من نوع خاص، وكان لكل صانع مهارته حتى كانت السروج تدخل كفن من فنون القرن الماضي، لكنها انقرضت تلك المهنة مع تقدم وسائل النقل.
المهنة الأخرى التي لم يعد لها وجودًا في الوقت الحالي، هي مهنة “حلاق الحمير”، التي كان يمتهنها عدد كبير من أبناء المدن والقرى.
ويقول المؤرخ الأقصري؛ إن البعض ممن امتهنوا مهنة حلاق الحمير قديمًا، كانوا يبرعون في رسم زخرفيات على جسد الحمار وحلاقته بشكل يزينه، ليميز نفسه عن الآخرين، لكن اختفت تلك المهنة.