حكايات من دفتر المقاومة في السويس.. هكذا عاش الأهالي تحت قصف الطائرات
“أصعب لحظة لم تكن لحظة الحرب، أو مواجهة العدو، ولكن لحظة سؤال طب وبعدين؟”، كان هذا السؤال هو الأبرز في حكايات كابتن غزالي، وفرقة أولاد الأرض، حول المقاومة في السويس، هذه اللحظة التي يكون فيها الفرد في خندق برميل (حفرة في الأرض تتسع لفرد واحد)، وينتظر طول الليل في حالة ترقب، ويسأل نفسه (طب وبعدين؟).
عن حكايات المُهجّرين، والمستبقين (من فضّلوا البقاء) في حرب 1967، وفي عرض نقاشي بمركز الصورة المعاصرة قدمت علياء مسلم، الباحثة في التاريخ الاجتماعي، جانبًا من حياة المصريين في مدينة السويس، تحت قصف طيران العدو الإسرائيلي، استنادً إلى حكايات المستبقين في مدينة السويس أثناء حرب 67 وما بعدها.
المقاومة في السويس
تحدثت علياء عن رسالتها للدكتوراة المقدمة لجامعة لندن حول التاريخ الاجتماعي الشفاهي في القناة، خلال سنوات الحرب، وجمعت حكايات ممن عاصروا هذه الفترة العصيبة، وبدأت هذا التجميع منذ عام 2008 وحتى عام 2011م، وعرضت صورًا للمستبقين (الذين رفضوا التهجير وبقوا في السويس)، وما قدموه من أغاني، خاصة فرقة أولاد الأرض والبَطّنْية.
وعرضت أغاني الفرقة مسجلة، وقدمت قراءات بمساعدة الجمهور لأغاني المقاومة، من ملف أغاني الفرقة للكابتن غزالي، ودار نقاش مع الجمهور حول ذكرياتهم عن تلك الفترة الزمنية، أو ما قد سمعوه من أهاليهم عنها.
كابتن غزالي وفرقة أولاد الأرض
أثناء حرب 67 تم تهجير ما يقرب من 750 ألف مواطن، في سبتمبر 1967، من أصل 800 ألف مواطن في المنطقة، وهو تقريبًا نفس عدد المهجرين، في فلسطين 48، ولكن استمر بعض الناس مستبقين من 1967 حتى 1974 ليالي طويلة في الانتظار.
فرقة أولاد الأرض فرقة سمسمية كانت تعزف وتغني في هذه الفترة الزمنية، لرفع الروح المعنوية للفدائيين، وقامت بجولات في المحافظات، وفي معسكرات الجيش لإشعال حماس الجنود والفدائيين، بأغانيها، كانت الفرقة من المستبقين وكان من بين أعضائها من شكلوا منظمة سينا العربية، التى كانت في مواجهة شعبية مع العدو بأسلحة حصلوا عليها من مخزن المشرحة (أسلحة الموتى في الحرب)، وكان كل أعضاء الفرقة في المقاومة الشعبية.
انتظروا فرعنا الجديد في تل أبيب
يحكي كابتن غزالي عن حلاق في حارته كان يعلق لافتة مكتوب عليها (انتظروا فرعنا الجديد في تل أبيب).. في إشارة منه إلى قدرة المصريين على تحويل الهزيمة إلى انتصار، كان يوجد يقين بالانتصار في الحرب.
كان المستبقون في المدينة الباسلة مؤمنون بأهمية البقاء، وعدم مغادرتها للدفاع عنها في وجه العدو.. ولتقديم المساعدة للجيش إن تطلب الأمر.
الفاتحة للعسكرى
مشكلة الهزيمة أنه على الرغم من أن مسؤوليتها تقع على عاتق القيادات العسكرية.. إلا أن الأكثر تأثرًا كانوا العساكر، فكانت الفرقة تسعى إلى الاحتفال بالرتب الصغيرة وبالعساكر العائدين من الجبهة.. فكانوا يغنون لهم:
الفاتحة.. للعسكري /سبع السباع.. الفللي /واقف وحاضن.. مدفعه /بطل وحارس موقعه /والفاتحة.. لكل ملازم.. بيحب جنوده وملازم..
وكانوا أثناء الغناء يدبدبون بأرجلهم على الأرض حتى يشعرون العدو على الجبهة الثانية بكثرتهم.
ويقولون:
برهوم يا برهوم ويشيلها في عينه / أي والله يا بوزيد هلال
قوم صحي الناس دي بلدنا يا شطار/ برهوم كان حشاش صمم ياخد التار
عنده جوزة نحاس أيوه الله بعها وجاب رصاص / أي والله
غرق بيها إيلات / أي والله
أغانٍ مرتجلة
وهي من الأغاني المرتجلة من التراث.. فكانوا يختارون أحد أغاني التراث ويرتجلون جماعيًا عليها.. فأغلب الأغاني التى قيلت على الجبهة بهذه الطريقة.. ولا تزال من هذه الأغاني ما هو باق ويتردد حتى الآن مثل أغنية فات الكتير.. والتي استخدم منها بعض المقاطع في هتاف ثورة 25 يناير.
فات الكتير يا بلدنا فات الكتير يا بلدنا ما بقاش إلا القليل/
وعضم اخواتنا نلمه نلمه/نسنه نسنه نعمل منه مدافع وندافع/
ونجيب النصر هدية لمصر/ وتحكي الدنيا علينا / بكرة يا بلدنا هنعوض اللي فاتنا.
البطاقة الحمراء:
أثناء وقف إطلاق النار، تم سحب السلاح، فكان أعضاء الدفاع الشعبي يحملون بطاقات حمراء لدخول السويس، والغرباء يدخلون بكارنيهات أو تصاريح خاصة مثل العاملين بشركات البترول، وهاجر الكثير منهم، ولكن بقي القليل، وكان دور فرق السمسمية الأساسي هو تحفيز الناس على الحرب.
معركة الـ100 يوم
التاريخ لدى الرواة في السويس مرتبط بأحداث بقيت بذاكرتهم فمثلًا، يحتفل الناس بيوم 6 أكتوبر، لكن أهل السويس يحتفلون بـ 24 أكتوبر، وأحداث معركة المائة يوم ويوم أثناء حرب أكتوبر.
“وخلديهم يا بلدنا لما نصرك يبقى عيد، على محرم بن قلبك مصطفى وأخوه سعيد.. خلديهم يابلدنا وأيدى منهم نور صباحك، خلدوكي هم قبلا لأجل ما تعود لبراحك، إبراهيم سليمان وأشرف أحمد أبو هاشم فى أشرف، ملحمة والمولى حافظ، ندهتك فايز يا حافظ، والسويس أدان ومدنى”.
تحكي هانيا حمدي، عن والدها الذي كان قبطانًا في القناة، كان في طريقه إلى مدينة الإسماعلية، رأي الطائرات، وعلم ببداية الحرب، فعاد مرة أخرى إلى السويس، ولم يكمل طريقه، وكان أول يوم في الحرب مليئ بالإثارة، ونقلت الأسرة منقولاتها إلى البدروم، وسمعوا الراديوا، وبيانته عن إسقاط طائرات العدو، ولكن في اليوم الثالث، أدركوا الفارق بين ما تبثه الإذاعة من بيانات وما هوز يجري على أرض الواقع.
وعند سماعهم لأصوات الانفجارات أخبرهم والدهم أن صوت المدفعية تغطي الانسحاب، ورأوا بالنظارة المعظمة اليهود على الضفة الثانية للقناة، ولم تنسى أبدًا الليلة الرابعة وهذا الصوت.
ورجوع العساكر بحالتهم السيئة شبه عراة وجوعى، ولم يأكلوا منذ أيام، وكيف أنهم لم يكن يعطوهم المياه مباشرة، بل يعطونهم عصائر مثل اليمون والبرتقال، وأفكار الناس عن مساعدة العساكر للوصول إلى القاهرة.
بالشاش والدوبارة “لما البلد قفلت”
وغادرت أسرة هانيا بالقطار إلى القاهرة، حملوا أمتعتهم بالشاش والدوبارة حول أجسادهم، وكيف كان العساكر يطلبون منهم مساعدتهم في الاختفاء بالجلوس أسفل الكراسي بسبب بحث الجيش عنهم لإعادتهم مباشرة لجبهة القتال، ووصل القطار في 24 ساعة بسبب كثرة التفتيش.
حكاية بيت الحاجة
كانت سيدة تدعى الحاجة تعمل غسالة في أحد بيوت السويس.. وهو بيت مملوك لقبطان هاجر للقاهرة، عبارة عن فيلا دوريين، بالإضافة إلى البدروم.
استمرت الحاجة بالعمل لدى أسرة القبطان بالرغم من شرائهم غسالة كهربائية.. وعند التهجير استبقت الحاجة وهاجرت الأسرة إلى القاهرة.. ففتحت الحاجة في البداية الجزء الخاص بالخدم للفدائيين، والمقاومة الشعبية.. ثم فتحت البدروم كله، ثم البيت كله للمقاومة الشعبية.
وكانت تطبخ لأعضاء المقاومة، وتوفر مكان لهم للمبيت، والتدفئة.. حتى عندما تم تهجيرها بحثت عن أصحاب البيت.. وسلمتهم مفتاحه، وعند عودة أصحاب البيت إلى السويس اكتشفوا أن الناس يطلقون على منزلهم اسم بيت الحاجة.. تخليدًا للدور الذي قامت به الحاجة أثناء الحرب، وتوجد قصة شبيهة بذلك في حكايات الغريب لجمال الغيطاني.
حكاية الغريب والغربان
السويس بلد الغريب، غالبية أهلها من مدن بعيدة في مصر.. وطائر الغراب انتشر في المدينة في إشارة إلى الخراب الذي حل بها نتيجة القصف الجوي والغارات الكثيفة التي تعرضت لها المدينة.
لمزيد من حكايات السمسمية
يمكنكم مطالعة هذا الموضوع
“غني يا سمسمية لرصاص البندقية”.. أغان من “القناة” قاومت مع الشعب