«المعرض العام»: انتقادات كثيرة.. والقوميسير يرد: «غوغائية لا لزوم لها»
تتواصل حتى الخامس من شهر أكتوبر، فعاليات المعرض العام للفنون التشكيلية في دورته الـ43، وذلك بقاعات قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية. «ذات مصر المعاصرة» هو عنوان دورة هذا العام. يضم المعرض ما يزيد عن 400 عمل فني في كافة مجالات الفن التشكيلي.
برغم من افتتاح المعرض يوم الإثنين الماضي، إلا أنه يواجه العديد من الانتقادات التي شملت طريقة العرض وتصميم بوستر المعرض نفسه، لكن كانت أثر الانتقادات حول “الشللية” التي تسيطر على سلوك القائمين على قطاع الفنون التشكيلية.
أنصاف المواهب
يقول الفنان التشكيلي أحمد سليم، رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا وأحد المشاركين في المعرض: “تحول المعرض إلى قاعة خاصة لحساب المقربين من أنصاف المواهب في الفن. حيث أصبح المعرض محسوبًا لصالح المقربين من قيادة بارزة في قطاع الفنون التشكيلية”.
وتابع: للأسف لم يقدر القائمين على تنظيم المعرض العام كبار الفنانين، خاصة المتخصصين والأكاديميين، كما أن المعرض اشتمل على أعمال لا ترتقي لتكون مشروعات لطلاب كليات الفنون. وهناك أعمال تشارك لأول مرة يتم عرضها في الصالة الرئيسية. إلى جانب بعض الأعمال التي يتم عرضها لأكثر من مرة في أكثر من قاعة، وهو ما يخالف شروط الاشتراك لكنهم مقربين لقيادات للقطاع، ما يؤكد وجود شللية مسيطرة على كل شيء – حسب قوله.
وأضاف سليم، المدهش في الأمر هو تصنيف الأعمال الفنية بالمعرض، لم يفرق بين التصوير والرسم والحفر. حيث صنفت جميع الأعمال على أنها تصوير. وهو ما يقلل من المساحة المخصصة لفرع التصوير بالمعرض، كما أنه يمنع فنانين آخرين من فرصة العرض.
أما عن سوء العرض، فيقول سليم: “حدث ولا حرج، ضعف الإضاءة على الأعمال التي تعرض في الأدوار العليا يسهم في عدم إظهار تفاصيل الأعمال الفنية المعروضة. كما أنه هناك فنانين كبار من كليات الفنون، تعرض أعمالهم في القاعات الخلفية وفي الممرات المظلمة بشكل مهمل وسيء. وكأن إدارة المعرض تنظر للأعمال الفنية من خلال أحجامها الكبيرة وليس قيمتها الفنية. هذا فضلا عن عدم طباعة كتالوج للمعرض للتوثيق الأعمال ومشاركة الفنانين ولتوزيعه على الزوار. إذ لم يتم طباعة كتالوج للدورة الحالية وهو ما حدث أيضا في العام الماضي. فهل يمكن إغفال هذا الأمر الذي يعد أحد أساسيات أي معرض؟”.
قاعات بالمحافظات
أما الفنان التشكيلي بدوي مبروك، فيقول: “شاركت بالمعرض العام عدة مرات، لكني توقفت عن المشاركة منذ خمس سنوات لانشغالي برسالة الدكتوراه. وتقدمت بأعمالي هذا العام للمشاركة. وأرى أن هذه الدورة مميزة جدا، بداية من اختيار القوميسير العام وهو الدكتور أحمد رجب صقر، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا، والذي تربطه علاقات جيدة بالوسط التشكيلي، وليس له أي حسابات أخرى”.
وتابع: تضم هذه الدورة أعمالا فنية لكثير من الفنانين التشكيليين من مختلف أنحاء مصر. وذلك وفق نتيجة لجنة الفرز والاختيار، وجميع الأعمال ذات قيمة فنية عالية ومعبرة جدا عن الواقع التشكيلي المصري.
أما من ناحية الإعداد والتجهيز والتنسيق، أوجه كل التحية والتقدير لقطاع الفنون التشكيلية والمتمثل في قصر الفنون، وفريق العمل المبدع مع قوميسير عام المعرض. حيث تم تنسيق وعرض كل الأعمال الفنية المشاركة في المعرض بحنكة تنظيمية وتشكيلية رائعة. أخذ كل عمل مساحة في العرض جعلته يُرى ويُشاهد دون أن يؤثر على عمل آخر، هذا بالإضافة إلى تكريم أسماء مهمة من الفنانين التشكيليين لدورة هذا العام.
ويتمنى مبروك، تعدد قاعات العرض حتى تستوعب أكبر عدد من الفنانين المشاركين حيث لا تقتصر على قصر الفنون فقط، أو يتم إضافة عدد من القاعات إلى قاعات قصر الفنون. ويمكن أن تكون هذه القاعات في المحافظات. ويكون المعرض العام عبارة عن مهرجان تشكيلي الكل يسعد بالمشاركة فيه. ويتم تغطيته إعلاميا بما يليق بمهرجان تشكيلي كبير. وأن يصاحب المعرض ورش عمل لعدد من رموز الفن التشكيلي في مصر لنقل الخبرات والأساليب والاتجاهات الفنية المعاصرة.
مخزن وليس قاعة عرض
يشارك الفنان التشكيلي إبراهيم شلبي، في المعرض للمرة الرابعة، ويقول: “قبل ثورة يناير كان المعرض العام مفتوح لجميع الفنانين بنفس القدر، كل المشاركات كانت عن طريق الاستمارات. وكانت الدعوات ترسل لأقل من عشر فنانين من أصحاب التجارب وكبار السن وكان هذا رائع جدا. كما كانت الأعمال تعرض في قاعات قصر الفنون، ومتحف مختار بقاعتيه الرائعتين. أما بعد الثورة تفاجئنا بنظام جديد. وهو نظام الدعوات وتم تقليص أعداد المشاركين إلى النصف تقريبا”.
وتابع: في المعرض الأول بعد الثورة كان عدد المشاركين من خلال الاستمارات 120 فنانًا و80 دعوة. وقد أثار هذا سخط كبير من الفنانين، وانعكس الأمر على الدورة التي تلتها. وأصبحت المشاركة لـ120فنانًا عن طريق الدعوات و80 فنانًا عن طريق الاستمارة، وظل هناك ارتفاعًا في أعداد الدعوات حتى وصل عددها إلى 180 دعوة وهذا يخالف كل الأعراف المعمول بها في أغلب المعارض في كل دول العالم. كما اقتصر العرض على قاعات قصر الفنون فقط، وفي هذه الدورة تم زيادة عدد المشاركين إلى 330 فنان تقريبا، بزيادة أكثر من 100 فنان عن الأعوام السابقة.
ويضيف، نظرًا لكثرة أعداد المشاركين جاء المعرض مزدحم للغاية، ولاستيعاب هذا العدد الكبير، قامت إدارة المعرض ببناء حوائط خشبية لعرض الأعمال الزائدة. مما جعل المعرض أقرب إلى مخزن منه إلى قاعة عرض. وهو ما أغضب الكثير من الفنانين، وخاصة أصحاب الأعمال الفنية كبيرة الحجم، التي تتطلب وجود مسافة بعيدة لرؤيتها. إضافة إلى ضعف الإضاءة بصفة عامة، وعدم وجودها من الأساس في أماكن أخرى كالمكان الذي عرضت فيه لوحتي. وهذا المكان على وجه التحديد لا يصلح لإقامة أي عروض فنية، وبسبب ازدحام الأعمال وتكدسها سقطت على الأرض في يوم الافتتاح بقاعة (9) إحدى القطع الفنية وكانت من الخزف وتحطمت.
تمييز واضح
واستطرد شلبي، تم وضع لوحات لمجموعة من الفنانين بعينهم في صدارة المعرض. وفي القاعات الرئيسية من أصحاب الدعوات، بالطبع هذا تمييز واضح بين الفنانين. ومن الأشياء التي لم تعد مثيرة للدهشة أن تلك الأسماء يتم عرض أعمالها في الأماكن المميزة كل دورة تقريبًا. وكأنهم “أخذوا القاعة إيجار قديم” ومن يريد التأكد يراجع خريطة العروض بالصفحة الرسمية لقصر الفنون، ومقارنة أسماء العارضين في قاعة (2) لهذا العام بالأعوام السابقة.
ويقول: هدف المعرض الأساسي في هذه الدورة هو رصد الوضع الفني في مصر خلال عام. ومن ضمن شروط الاشتراك هو أن يكون العمل حديث ومن إنتاج هذا العام أو العام الذي يسبقه. وألا يكون قد عرض من قبل، ولكني وجدت أعمال عرضت من قبل. فكيف لا يتم الالتفات لشروط ومعايير المعرض، وهذا ليس بجديد.
علامة استفهام
يقول الفنان التشكيلي والناقد الفني أيمن أبوزيد: “لا أعرف ما الحكمة في اختيار عنوان المعرض من الأساس، ولو تكلمنا بإنصاف عن عنوان هذه الدورة “ذات مصر المعاصرة”، سيكون العنوان عبئًا كبير علينا يضعنا جميعنا في وضع محرج للغاية. ولماذا لم يجرأ أحد مرة ويسمى عنوانًا باسم الفن والحرية”. الأغرب أنك بعد أن تدخل المعرض تجد أن جميع الأعمال الفنية المعروضة ليس لها أي علاقة بالعنوان إلا القليل جدا. فهل هذا العنوان يفيد المعرض أم يفيد القائمين عليه، أم يضر الجميع؟”.
ويضيف أبوزيد، بالنسبة إلى إعلان المعرض، جاء تصميم بوستر المعرض فقير فنيًا وإبداعيًا للغاية، ولا يليق بمعرض فنون تشكيلية سنوي على مستوى الدولة. وذلك لكون البوستر يعد عنوان الحدث، فأين الإبداع والجمال والجاذبية في هذا البوستر؟ وما هي الحكمة من اتخاذ الرقم 43 وحدة تصميمه الأساسي؟
ويرى أبوزيد أنه كان من الممكن أن يكتب في الديباجة في الأعلى أو على جانب مثل ما نراه في أغلب التصميمات. وكان من الممكن أن يصمم تصميمًا مبدعًا يشغل مساحة البوستر. وكان من الممكن أيضًا إعطاء تصميم البوستر لطلبة كليات الفنون كمشروع لهم، وقتها كنا سنحصل على تصميمات رائعة أفضل بكثير. أم أن طريقة اختيار التصميم تمت بنفس منهجية جداريات محطة المترو.
غوغائية لا لزوم لها
يقول الفنان أحمد رجب صقر، قوميسير المعرض، عن هذه الانتقادات: “المعرض هذا العام عمره الآن 53 عامًا. حيث كانت الدورة الأولى عام 1969، وهذه هي الدورة الـ43، وتم تنظيمه من قبل “إدارة الفنون والآداب” كما كان يطلق عليها في الستينات، والهدف منه اقتناء بعض من أعمال الفنانين تكون ملكًا للدولة وتعرض بالمتاحف والأماكن الهامة. وإلى الآن يتم الاقتناء من قبل الدولة”.
وتابع: بالرغم من أني أعلم مشقة أن أكون قوميسيرا للمعرض العام. لأنه من الصعب إرضاء جميع الفنانين، إلا أنني قبلت كنوع من رد الجميل، فأنا كنت من ضمن عارضيه لعدة سنوات. وجاء الوقت أن أشارك في هذا المجهود. وجاءت تلك الدورة بشهادة الكثير أقل الدورات إثارة للمشاكل. حيث إنه هناك حالة عامة من الرضا.
وأضاف صقر، تم اختيار الأعمال المقدمة من الفنانين من قبل لجنة مختصة تضم مجموعة مميزة من الفنانين في مختلف المجالات. وكانت برئاسة الدكتور مدحت ناصر، أستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية. وتقدم للجنة حوالي 480 فنانًا وتم اختيار 332 فنانًا. وكانت الدعوات لا تزيد عن مائة دعوة فقط، وللحيادية التامة لم يعرض أي من فناني لجنة التحكيم أعمال خاصة بهم في المعرض.
اعتراضات فنانين
يقول صقر عن مشكلات سوء العرض: “كنت أتمنى أن نعرض في أكثر من مكان وفي قاعات مختلفة، لكن الدورات السابقة كانت تواجه اعتراضات من الفنانين، فكانوا يختلفون على وضعهم في القاعات، مثل لماذا أنا في القاعة تلك وليست هذه، لذا فضلنا أن يكون العرض في مكان واحد”.
وتابع: أنا حزين أن هناك فنانين كبار وأساتذة لهم وضعهم في الجامعات المصرية، ليس لديهم الوعي الكافي، وينظرون لموضوع وضع لوحاتهم في أماكن داخلية وليست في المقدمة. وللتوضيح من نضع أعمالهم على سبيل المثال في قاعة (1)، ليس من باب تكريم أعمالهم أو أشخاصهم، ولكننا عندما نعرض الأعمال، نعرضها كمجموعات متجانسة مع بعضها وحسب مجموعاتها اللونية واتجاهاتها الفنية. وليس لدينا تحيز لأي شخص، وبطريقتهم في توجيه الانتقادات،” لماذا تريدون أنتم أن تميزوا أنفسكم عن الآخرين؟”. لافتًا أن العمل في تنسيق المعرض استمر لمدة تزيد عن الثلاثة أسابيع بشكل يومي.
وأوضح صقر أن العمل هو من يختاره مكانه ومن يجاوره وليس نحن. اللوحات هي من تأتي ببعضها حتى تنتهي القاعة، ولدينا ست قاعات والأمر ليس بالسهل مع هذا الكم الهائل من الأعمال. وأرى عدم موافقة الفنانين على طريقة العرض هو نتاج عدم الإدراك والأنانية منهم. والمعرض العام ليس معرضًا خاصًا لأحد، فهو معرض جماعي، وما تم إثارته من قبل بعض الفنانين ليس سوى غوغائية لا لزوم لها. ومن حق أي فنان سحب شغله من المعرض إذا كان غير راض عن مكان عرضه.
وحول ما أثير من سرقة أو اقتباس بعض العارضين من أعمال فنانين آخرين، يقول صقر: “هل من المعقول أن تكون لجنة التحكيم أو التقييم على دراية بكل أعمال الفنانين في العالم. بالطبع غير معقول. وما حدث أن أحد الفنانين رسم لوحة لفنان أجنبي. والحدث الثاني هو عرض تمثال لفنان من المشاركين، وتبين فيما بعد أنه مسروق من فنان آخر، وقامت اللجنة بسحب العملين ورفعهما من المعرض وأصدرنا بيانًا رسميًا بذلك”.
أسماء مكرمة
يكرم المعرض هذا العام أسماء ستة من الفنانين التشكيلين الراحلين ممن أثروا الحياة الفنية في مصر ولهم تاريخ مشرف وهم: ” جاذبية سري (1925 – 2021)، الفنان أحمد نبيل سليمان (1937 – 2022)، الفنان محمد سالم (1940 – 2022)، الفنان يحيى عبده (1950 – 2021)، الفنان محمد الطلاوي (1956 – 2022)، الفنان أشرف الحادي (1968 – 2020).
اقرأ أيضا
الفنان عمرو أمين: تجربة «يوميات عاشق» مختلفة وتعتمد على التعبير الحركي