«المدينة والميناء» في مهرجان «سرد البحر المتوسط»
اختتمت الدورة الثانية عشر لمهرجان «كتابة وسرد البحر المتوسط» فعالياتها هذا العام تحت عنوان «حوار المدينة والميناء»، والتي أقيمت في الفترة من 1إلى 3 ديسمبر في المركز الثقافي الفرنسي بالإسكندرية. جمع هذا الحدث كتابًا ومثقفين وصحفيين وفنانين من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، خاضوا نقاشات معمقة حول العلاقة بين المدينة والميناء. وتفاعل الثقافات والمجتمعات في هذه المدينة الساحلية.
التحولات العمرانية
وجاءت آخر حلقة نقاشية بعنوان «الإسكندرية – مارسيليا: التحولات العمرانية والأدبية»، وأدار الحوار عمرو علي، عضو الأكاديمية الألمانية العربية الشابة للعلوم والإنسانيات. شارك في الحوار كل من فيليب بوجول، صحفي وكاتب فرنسي، محمد عادل الدسوقي، أستاذ مساعد العمارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية، علاء خالد، شاعر وكاتب سكندري، وآني ميليه، مستشارة مستقلة في مجال التعاون الثقافي.
وأكد فيليب بوجول في حديثه على طبيعة ارتباط وجود الميناء في المدينة بفكرة الفساد، مشيرا إلى أن مدينة مارسيليا كان بها تهريب لمخدر الهيروين إلى أمريكا باستخدام الميناء، وهذا يحدث دائما من خلال الموانئ كما في المكسيك وأمريكا. اعتبر فيليب العلاقة بين مدينتي مارسيليا وباريس علاقة مراهقة تحمل صراعا اجتماعيا وسياسيا، وشبهها بعلاقة مدينتي القاهرة والإسكندرية في مصر. كما ذكر أن هناك قلعة في مارسيليا تمثل رمزا للدفاع عن السلطة في مواجهة الشعب، وليست لمواجهة العدو، ولكن لمواجهة الشعب.
وأضاف: “مدينة مارسيليا تستقبل كل فئات المجتمع، وتضم عددا كبيرا ممن هربوا من الحروب في دولهم مثل إفريقيا، وبالتالي أصبح هناك نوع من التساوي بينهم، مما خلق ثقافة جديدة في المدينة واللهجة أيضا التي تتميز بنبرة الصوت العالي. كما يوجد عدد من الأتراك والسوريين الباحثين عن عمل، لكن طبيعة المدينة لا توفر العمل بسهولة”.
التداخل الثقافي
وأوضح بوجول: بالنسبة لي أفضل استخدام لفظ “التداخل الثقافي” بدلا من “التعددية الثقافية”، لأن الأولى تعني الحراك الذي يقوم به الميناء في هذا السياق، وأصبحت مارسيليا مقصدا لأهالي جزر القمر الذين كانوا يعملون مع الفرنسيين في البحر. مما خلق تفاعلا ثقافيا بينهما. كما تحدث عن تأثير السينما والأدب على تصوير الفساد في مارسيليا، خاصة في القصص البوليسية في بداية القرن العشرين.
أكدت آني ميليه من خلال عملها في مارسيليا على وجود روابط قوية مع العرب، مشيرة إلى أن العديد من الرحالة والفلاسفة الذين دخلوا فرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين. كانوا قد مروا عبر ميناء مارسيليا. اعتبرت مارسيليا، في هذا السياق، الأخت الصغرى لمدينة باريس التي تشهد حالة نشاط وحراك ثقافي دائم. خاصة الأنشطة المرتبطة بالعالم العربي. كما أن مارسيليا أكثر انفتاحا وتشتهر بالأعمال التطوعية أكثر من باريس. ويقام فيها كل أسبوع حدث مختلف.
وقال محمد عادل الدسوقي: “الميناء جزء أساسي من تكوين مدينة الإسكندرية، وسبب أساسي في وجودها. فهي بوابة للشعوب التي تواردت على مصر سواء بشكل سلمي أو خلال الغزوات، ما جعلها تمثل احتكاكا ثقافيا ودينيا”. مشيرا إلى أن الهجرة غير الشرعية تحدث عبر البحر، كما كانت الموانئ سببا في نقل الأمراض والأوبئة. مما استدعى اتخاذ إجراءات وقائية مثل إغلاق بعض الأماكن.
جدار عازل
وأعرب الدسوقي عن استيائه من وجود جدار عازل بين المدينة والميناء، معتبرا أن هذا الجدار يمثل عائقا معنويا وماديا بين الشعب والميناء. وأشار إلى ضرورة البحث عن وسيلة لإزالة هذا الحائل ليزداد الدور السياحي للميناء. وأضاف أن البعد الإنساني مع الميناء بدأ يقل كثيرا، وأن عددا من المهن المرتبطة بالميناء قد اختفت مثل مهنة الترجمان. بالإضافة إلى اختفاء المحال المرتبطة بالأعمال اليدوية، وتحول الميناء إلى مجرد خروج الحاويات والبضائع.
وفيما يتعلق بتعرض الإسكندرية لخطر التسونامي، استعرض الدسوقي الحوادث السابقة التي تسببت في تدمير المدينة نتيجة للزلازل والتسونامي. مشيرا إلى أن التغير المناخي يشكل كارثة لم نستعد لها بالشكل الكافي، مثل ردم البحر في أماكن مثل أبو قير ورأس التين. منوها بالآثار السلبية لهذه الأنشطة على المدينة.
واستطرد قائلا إن الجميع يشعر بتغير في شدة النوات وحدتها، لذلك لابد من الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة هذا التغير المناخي. كما أبدى تخوفه من مشروع ربط ميناء الدخيلة بالميناء البحري مع وجود سور عملاق. بالإضافة إلى تهجير أهالي المكس وهدم طابية الدخيلة، مما يجعل الميناء في الإسكندرية مصدر تهديد وإثارة للعديد من المشكلات.
مصدر للرشاوي والفساد
من جانب آخر، قال علاء خالد إن الموانئ كانت في وقت ما سهلة الارتياد، وبالتالي كانت تسهل حركة التجارة والتصدير. في فترة أواخر السبعينيات، تحولت الموانئ إلى مكان للتهريب وغش البضائع، مما جعلها مصدرا للفساد والرشاوي. واعتبر الميناء مكانا ذا وجهين، من جهة مكان لنقل الثقافة، ومن جهة أخرى كان يستخدم في نقل الفساد.
كما أشار إلى أن الأدب لم يتأثر كثيرا بفساد الميناء، ولكن السينما تأثرت أكثر وأسرع من الأدب، كما يظهر في الأفلام مثل أفلام علي بدرخان وداود عبد السيد. مضيفا أن هناك نشاطا كبيرا في المدن الساحلية بالمقارنة مع المدن الأكبر أو العاصمة. وفيما يتعلق بالقاهرة والإسكندرية، أشار إلى أن المركز الحضاري انتقل من الإسكندرية إلى القاهرة بعد ثورة 1952، مؤكدا أن حضارة الإسكندرية أقدم من القاهرة. لكن في النهاية، الإنسان هو من يصنع إنجازاته الشخصية ويترك بصمته في المكان.
معرض بين شطين
على هامش فعاليات المهرجان، افتتح معرض «بين شطين» للفنان روچيه أنيس، الذي يعرض البحر المتوسط بين الفن والواقع. حيث تحكي كل صورة قصة متشابكة بين عالمين قريبين ومختلفين في الوقت ذاته، ويستمر المعرض حتى 30 يناير 2025.
وأُقيمت ورشة للخط العربي مع الدكتور محمد حسن، باحث أول بمكتبة الإسكندرية في مركز الكتابات والخطوط. تناولت الورشة عرض أنواع وتاريخ واتجاهات الخط العربي، ثم ممارسة الخط العربي بشكل عملي.
كما تناولت حلقة نقاشية موضوع “المدن المينائية في الأدب: بين الواقع والخيال”، بحضور كل من كاميل أمّون، وريم بسيوني وجورج كيبريوس، وأدارتها داليا شمس. حيث دار الحوار حول المدن وموانئها في الأدب المتوسطي، متسائلين عن معنى الميناء بالنسبة للمدينة وما يعكسه على النفس البشرية.
وأُقيم حفل موسيقي مصور بعنوان «إدموند، دوما، دانتيس: الحياة الاستثنائية للكونت دي مونت كريستو». قدّم فيه فريد نيفشي وألفريد تجربة فنية فريدة، تمزج بين الموسيقى والرسم المباشر، احتفاءً بالعمل الخالد لألكسندر دوما.
كما حضر الأديب إبراهيم عبد المجيد ملتقى المقهى الأدبي، الذي كان لحظة مميزة للتبادل حول الأدب وحكايات الإسكندرية. وتناولت حلقة نقاش في مؤسسة آنا ليند بعنوان “مدن شاملة، مجتمعات ديناميكية: إعادة تصميم المساحات العامة للجميع” بمشاركة نينا شاستيل، سامية شباني، وجوزيب فيري، وأدارها الدكتور أحمد عبد المنعم. هذا بالإضافة إلى حلقة نقاش بعنوان “البودكاست: وسيلة سردية جديدة”، قدمها ماتيوغوس وسونيا كرونلوند، وأدارها أحمد نبيل.