بعد توقفها للأبد| دعوة فرح بتصميم العالمي "صاروخان".. أهم محطات مطبعة "فوسجيدار"
بعد مرور 104 أعوام على إنشاء مطبعة “فوسجيدار” الواقعة في شارع زكريا أحمد بوسط البلد، التي تمتاز بطباعة الـ”تيبو” وهي أقدم أنواع الطباعات، بالإضافة إلى تعامله مع أشهر سفارات بعدد من التعاملات التجارية، تُقرر جاسيا دوليتان، مالكة المطبعة إغلاق أبوابها وتوقف العمل بالمطبعة التي عاصرت تاريخا طويلا مع أصحابها.. “ولاد البلد” ترصد هذا التاريخ.
مرت المطبعة بتاريخ طويل منذ إنشاءها في 1914 هكذا تبدأ “جاسيا دولتيان” الحديث عن مطبعة والدها قائلة “أحببت العمل بالمطبعة وقررت أن أديرها بعد وفات والدي، على الرغم من أنه ليس بمجالي فأنا أعمل مدرسة بيانو، ولكن المطبعة تعتبر بيتا آخرا بالنسبة لي، خاصة وأن والدي قضي عمر كامل بها”.
مطبعة أرمينية
وتكمل مالكة المطبعة بأنها أنشأت عام 1914 علي يد كل من الأرميني “يرفانت موسيرليان” وشريكه “أرميناج مانجيان” لخدمة الجالية الأرمينية في مصر، إلا أنها أصبحت ملك لولدي “نوراير دولتيان” وشريكه “ترزليان” عام 1966، إلا أنهما انفصلا وأصبحت المطبعة لولدي فقط، مؤكدة أن والدها فضل الاحتفاظ باسم المطبعة الأول (فوسجيدار) دون تغيير.
أما عن محتويات المطبعة فتشرح “دولتيان” بأنه كان يوجد بالمطبعة حوالي 4 ماكينات يدوية هما: ماكينة “فوجي” نصف فرغ، مهمتها طباعة الملفات، وماكينتي مروحة “هايدل برج” ألماني تطبع الشغل التجاري من الدفاتر والفواتير والخطابات والإيصالات، وماكينة “بوسطن” لطباعة الكرت الشخصي وكرت الدعوة، وماكينة “مقص” x 70 100 متر، قسم جمع حروف تيبو.
تعاملات عالمية
“تمتاز المطبعة بطباعة قديمة من بدايات صناعات الطباعة وهي تيبو”، يكمل إيهاب شكري، مدير إداري بالمطبعة منذ عام 1997، حديث “جاسيا” عن المطبعة، التي تحمل بداخله ذكريات لا تنسي معاه، قائلًا إن المطبعة كانت تعمل في طباعة تجارية مثل فواتير وكروت الشركات والأظرف والمستندات وغيرها، ولم تعمل في طباعة الكتب، وكانت تتميز بطباعة نوع من أقدم أنواع الطباعة وهي “تيبو” التي تعني جمع الحروف بجوار بعضها لتكوين جملة مفيدة، فالمطبعة كان بها عدد كبير من الماكينات النادرة التي تستخدم في صناعة هذا النوع بالإضافة إلى مخزون من الحروف العربي والإنجليزي، لذلك فهو نوع نادر ولم تعمل به مطابع أخرى على مستوى الجمهورية.
“قديمًا قبل التطوير كانت الطباعة تتم عن طريق تصوير صورة بكاميرا الأبيض والأسود، ثم عمل “كلاشية” بالمطبعة للصورة ثم تُسلم للحفار أو الخطاط، الذي يقوم بحفر الصورة بدقها بطريقة بحيث تكون الصورة بارزة، وتوضع الصورة على خشب ويتم جمع كل حرف بجوار بعضهم مقلوبين على مصف واحد، وبعده توضع على الفورمة مع الصورة ويتم ربطهم وتحبيرهم وطبعتهم” هذه هي مراحل طباعة “تيبو” كما يشرحها “شكري”.
ويوضح “شكري” أن طباعة “تيبو” تتميز بإمكانية طباعة كميات قليلة، بالإضافة إلى إضافة الشغل البارز إليها بعد الطباعة بماكينة أخرى، وباستخدام “بودرة بارز”.
سفارات بمصر
ويشير “شكري” إلى أنه كما كان نوع العمل بالمطبعة نادرا، كان أيضًا تعاملها مع العملاء دقيقا ومتميزا، فكان يتعامل مع المطبعة عدد كبير من السفارات كالأرمينية والفرنسية والبرازيل وكينيا وبوروندي وبوركينا فاسو وغيرها من السفارات.
وبينما كان “شكري” يشرح المميزات العديدة للمطبعة، تتذكر “جاسيا” حدثا هاما يكاد يكون من المحطات الهامة في تاريخ المطبعة، حيث تقول إنها في الخمسينيات كان هناك موعد عقد قران أحد العاملين بالجالية الأرمينية، وكان الفنان صاروخان وهو رائد فن الكاريكاتير في مصر، والفنان “آرام خاتشاتوريان” مؤلف موسيقي أرماني مشهور، متواجدان بمصر، فمن حظ صاحب الفرح أنه تم تصميم دعوة فرحها علي يد “صاروخان” وكُتب بها بأن “خاتشاتوريان” سيحضر، وتم طباعة الدعوة بالمطبعة، وهنا كانت شهرة المطبعة عالميًا.
“ذكريات حلوة” هذا الموقف وغيره يسكن بذاكرة وقلب “جاسيا”، مؤكدة أنه لو لم تكن هناك العديد من الضغوطات عليها في الفترة الأخيرة لكان من الممكن أن تستمر المطبعة.
وهنا يفسر “شكري” الضغوطات، التي تمثلت في بعض الإداريات والتراخيص، مع ارتفاع سعر الخامات المتغير كل فترة، وعدم قدرتها على الإنفاق على سعر واحد سواء مع التاجر أو العملاء، فضلًا عن عدم توافر الخامات كالحبر والورق في السوق.
“كل حاجة ليها بداية ونهاية لو كنت في مكان آخر كنت حولتها إلى متحف” هكذا تنهي “جاسيا” كلامها عن المطبعة، مؤكدة أن قرارها نهائي في غلق المطبعة وأنها قامت ببيع الماكينات، مع مساعدتها للعمال لتوفير عمل آخر لهم.
3 تعليقات