الليلة الكبيرة.. في مولد الإمام الحسين: الكل هائم في حب آل البيت
احتفل المسلمون على مدار اليومين الماضيين بـ«الليلة الكبيرة» والليلة الختامية المعروفة بـ«الليلة اليتيمة» لمولد الإمام الحسين. ويأتي الاحتفال كعادته السنوية في الأسبوع الاخير من شهر ربيع الآخر وتُقام الليلة الكبيرة في يوم الثلاثاء الأخير من الشهر. يتوافد على المسجد والضريح المسلمين من مصر والعالم الإسلامي للاحتفال بذكرى وصول “الرأس الشريف” إلى مصر، في حرص على استمرار الطقوس منذ بناء المسجد في عهد الفاطميين عام 1154 ميلاديا.
إغلاق الضريح
تواجد «باب مصر» في الاحتفالية الشعبية لمولد الإمام الحسين، بعد إلغاءه العام الماضي بسبب تداعيات كورونا. إذ تزين المسجد بالأضواء خضراء اللون. وتم الاحتفال في ظل إغلاق الضريح للجمهور وعدم إتاحة الزيارة للمقتنيات الإسلامية الهامة بالمسجد ومنها قطعة من عصا وقميص الرسول، وشعرتين من لحيته، ومكحلته، ومصحفين بالخط الكوفي أحدهما كتبه الخليفة علي بن أبي طالب والآخر كتبه الخليفة عثمان بن عفان.
عدم استقرار الطقس والخوف من عدوى كورونا لم يمنع محبي الزوار من التوافد على زيارة المسجد والاحتفال في ساحة المسجد والمناطق المجاورة بحي الجمالية. ورغم الوجود الأمني الكثيف وسيارات الإسعاف إلا أن الاحتفال شهد أكبر تجمع لمحبي آل البيت ومريدي الطرق الصوفية.
لحمة وفتة وعدس
تقيم “العصبة الهاشمية” خيمة خصيصا لزوار آل البيت. كذلك تواجد حسن قناوي الذي لديه واحدة من أقدم الطرق الصوفية التي ورثها عن أجداده وهي “المحمدية الشاذلية” وحرص على الحضور رغم إجراءه جراحة قبل فترة قليلة. ويقول لـ«باب مصر»: “أنا هنا في خدمة آل البيت”. تتعدد الخدمات في ساحة المسجد ومنها توزيع اللحوم و”الفتة”، وطهي العدس لتدفئة الزوار، وبين كل مجموعة أشخاص والأخرى يقف شاب لتوزيع مشروب “التمر”.
وعلى جانبي الطريق المؤدي لمسجد الإمام الحسين، يصطف العشرات ممن أنهوا زيارة المسجد. إذ يتواجد زحام كثيف على الأبواب الرخامية الثلاثة للمسجد. وفي طريقي الذهاب والعودة للمسجد تتبدل المشاعر وكأن التبرك والصلاة بمسجد حفيد الرسول قد محت أحزانهم. ومنهم وفاء مصطفى التي حرصت على زيارة المسجد أثناء الاحتفال بالليلة الكبيرة للمولد.
تجلس وفاء على الرصيف مستندة إلى حقيبتها السمراء التي لا تتضمن إلا “ترمس شاي” وكسرات خبز. وتقول لـ«باب مصر»: “جاية أتبرك وأتشفع ربنا يحقق طلبي”، وعلى حد وصفها فإنها تلزم اتباع هذه العادة منذ ما يزيد عن عشرة سنوات بعد وفاة زوجها تاركا شابا وفتاة يعانيان من أمراض نفسية مزمنة. “لما باجي هنا قلبي بيرتاح كأني روحت الحج”.
الراحة النفسية التي تشعر بها خلال التواجد في مولد الإمام الحسين هي نفسها التي كانت سببا في مغادرة الحاجة شيماء قريتها في الشرقية على مدار عشرة أيام، ولحقت بها ابنتها “وردة” كما أشارت بيديها للتعريف بنفسها. إذ وجدت في يديها ولغة الإشارة غير المتقنة بديلا عن لسانها في الحديث. وتقول والدتها:”بنيجوا نتنفحوا في الحبايب نفسي أشوفها عروسة”.
الشيخ الفشني
تحولت المنطقة المحيطة بمسجد الحسين إلى ساحة سياحية بما تضمنها من محلات وباعة متجولين لأعمال يدوية وأخرى تراثية “سبح وبخور وفضة”. فضلا عن وجود مقهى “الفيشاوي” الشهير بمقهى الأدباء وعلى وجه الاخص الأديب الراحل نجيب محفوظ. ويقع في حارة ضيقة مجاورة للمسجد ويضم خلال الاحتفال بالمولد العديد من الزوار من مختلف الجنسيات.
بعض الباعة لا يسعون إلى كسب المال فقط، بل العمل والعبادة في آن واحد. وعلى الجانب الأيسر للمسجد يجلس مسن بملامح سمراء وشعر أبيض، يشدو في حب آل البيت مرتديا جلباب أنيقا “إحنا في حضرة السادة الأشراف”. وتصطف خلفه ملابس ومقتنيات يعرضها للبيع. وخلال الحديث معه أتضح أنه الشيخ عبدالناصر الفشني مداح ومنشد من عائلة الفشني الشهيرة بالصعيد.
يقيم الشيخ الفشني (63 عاما) أمام مسجد الإمام الحسين منذ عام 1976. إذ جاء للعمل وبيع منتجات في محل خاص وبمرور الوقت اقتصرت التجارة أمام المسجد. وحرص على السكن بجوار المسجد برفقة أسرته. ويقول لـ«باب مصر»: “الإنشاد والمدح بين حين لآخر في حفلات وموالد هو وسيلتي للاستمتاع بالحياة خاصة الاحتفال هنا بجوار ضريح الحسين الذي أحبه دون لقاء”.
كعب داير
أمنيات عديدة ودعوات يرغب أصحابها في أن تُستجاب. ومنها ما عاصره ممدوح الشيخ الذي أتى من محافظة سوهاج برفقة أبناء عمه بعدما رُدت لزوجته ضالتها بسبب حلم للسيدة زينب شقيقة الإمام الحسين رافقها زيارة للضريح. على حد وصفه.
الشيخ علي المراغي وأبناء عمه من زوار مولد الإمام الحسين
واستكمل ابن عمه الشيخ علي المراغي من مراغة بسوهاج قائلا إن ضالتها اهتدت إليها لاحقا. ويحرص المراغي على زيارة الموالد في مصر بأكملها “واخدها كعب داير”. إذ يمكث أسبوع خصيصا في كل مولد. منها مولد أبوالحجاج بالأقصر، ومولد سيدي مرسي أبوالعباس بالإسكندرية، ومولد سيدي عبدالرحيم القناوي في قنا وسيدي ابراهيم الدسوقي في دسوق والسيد البدوي في طنطا. “الاحتفال له روحانيات ومتعة لا أجدها في أي مكان آخر” كما قال.
اقرأ أيضا
بعد غناءه أنشودة آمون-رع.. عز الأسطول: جازفت للحفاظ على الأغاني التراثية