«اللى فتح باب خراب واجب عليه رده»: أغنية محمد منير بين الاستلهام والانتحال
فتحت أغنية “للي” التي غناها الفنان الكبير محمد منير عدة قضايا تتعلق بالاستلهام والتوظيف. أو التناص مع نصوص شعبية أو أشعار لشعراء أفراد. أو حتى غناء نصوص عرفت تاريخيا أنها ابنة للجماعة الشعبية وتم غناؤها على ألسنة كبار المطربين، بل ونسبت لكبار الشعراء وهو ما حدث لمربعات ابن عروس، فمعظم نصوصنا الشعبية صارت غنيمة لعدد من الشعراء وموسيقاها مطية لبعض الموسيقيين دون تمييز بين حدود الاستلهام والتوظيف والاقتباس والسرقة التى يصل فيها الجور السافر حينما نضع الحافر على الحافر.
***
يعد الشاعر عادل صابر أحد الورثة النجباء للشعراء الشعبيين. حيث برع في استعادة الأشكال التراثية التي عركتها الجماعة الشعبية، فلا يقتصر إبداعه على فن الموال الرباعي، لكنه يجرب في عدد من الأشكال الشعرية فيكتب الموال والمربع والواو والقصيدة التي تعتمد وحدة التفعيلة وديوانه “موال الليل والصبر”، يعتمد فن المربع ليبني عالمه من خلال هذا الشكل، ويضم عددا كبيرا قارب على ثلاثمائة مربع. وكما يبدأ الشاعر الشعبي “بالصلاة على النبي” فإن عادل صابر يتبع نفس الخطى، فلا بداية إلا بالتأصيل ومدح النبي، ووصف سماته:
أول ما ينطق لسانـــى
أوصف نبينا وسماتـــه
طه جميل المعانــــــى
زى القمر في سماتـه
***
كل الخلايق من الطـــــــــين
رب البرايـــــــــا خلقــــم
وأنزلهم من السما ديــــــــن
بس اللى يفرق خلقـــــهـــم
***
وتنفرد أشعار عادل صابر باستدعاء صياغة الموال خاصة الرباعي الأعرج الذي يسير على المخطط التالى: (أ- أ- ب- أ)، ويتنوع الموال عنده ليتشكل عبر آليتين. أولاهما الجناسات المفتوحة والجناسات المشفرة التي تعتمد على الارتطام الصوتي أو التزهير. ولنبدأ بالموال الرباعي الذي أثار قضية سرقة الموال أو جزء منه أو استلهام غطائه أو رباطه أو روحه:
صنف الطحين يتعرف ويبان من رده
و إن كان سؤالك قبيح حا يبان من رده
كل البلايا لابد يكون لها أسباب
واللى فتح باب خراب.. واجب عليه رده
فموال عادل صابر يتكون من ثلاث حركات بنائية كطبيعة كل موال، أيا كانت أغصانه وهذه الحركات هي: عتبة الموال – بدن الموال – غطاء أو رباط الموال. فالسطران (1+2) يمثلان عتبة الموال، بينما بدنه هو السطر الأعرج الذى يتحرر من القافية، بينما السطر الرابع هو غطاء الموال الذي يجمع بين موسيقى العتب والبدن.
ولو قارنا بين نص عادل صابر ونص أكرم حسني في أغنية محمد منير “للي”، سنجد مجموعة من الاختلافات وبعض التماثلات لعل أهم الاختلافات أن نص أكرم حسني في أغنية محمد منير، يسير وفق المخطط التالى (أ- أ- أ- أ) وهو يعتمد على جناسين هما: (صدّه، من الصد والصدود- وصدوا من الصدأ). والجناس الثانى يتشكل من (رده من الرد أى الإجابة والثاني من رد الباب أى مواربته). وطبعا لا تخفى على أي قارئ المشابهة في رباط الموالين. فالفرق بينهما استبدال مفردة واحدة وواضح التأثر بنص موال عادل صابر أو بالأحرى استثمار غطاء مواله وجملته اللامعة التي تستند على إرث تراثى لتكون هي الأخرى رباط للمربع الأول في أغنيته الموالية:
سألته هل داء الولع كان الجواب صدّه
ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدّوا
ومشيت أوشوش في الودع ولا جاني ليه ردّه
اللي فتح باب الوجع واجب عليه ردّه
***
ونصوص عادل صابر الموالية تستند على تاريخ عميق لمواويل الجماعة الشعبية. كما تستند على تجاربه الثرية في التعامل مع قوالب تراثية، لكنها يواصل سبكها برؤيته وبحرفية العارف بفن الموال وقوانينه الموسيقية وحركاته البنائية. ولعل بعض مواويله المشفرة تدعم ما يمتلكه عادل صابر من مهارة وتؤكد على براعة لا تركن للسائد. إنما تحاول أن تقدم فرادة الشعر وحكمته الخالدة عبر مواويله المحكمة التي نستدعى بعضها هنا لنؤكد على أن بعض جمله المفتاحية الجاذبة قد تأخذ بألباب البعض فيتناصون معها متناسين المعين الأصلى، وديوانه بحر الدميرة يقول لنا “اللى فتح باب الغنا واجب عليه رده”:
لمــَا مـال عليــه الزمان صبـَر الأصيــل مـمـاليـــش
وِن تســألـه الخــلق ياخـى مالك؟ يقول مــمـاليش
بــحـــــــر الحـــــــرام عـــــوْم وهــو للحـــلال عطـــشان
يقولولـه إمــــلا.. ويحـلف مِيِِـــِت يمـين مماليش
***
ســـور الجنـينـة عِـــلِي بـس الكلاب تـــرَبـــوُه
والـتـــبـــر مهمــا لمَــع لازم يكـــــون تربـــــوه
كان نفســـه يوم الوَلـــَد يفتـــح لحلمه البــاب
لكــــن الأمـل خـاب ومقـــدرشى يفوت ترَبــوه
***
كتـــروا الهفايــــا ولبـــسوا فى الرقــاب سِلسـال
والهلــس زاد فـــى البلــــد وطفَـــح كما سِلســال
إبعــــد عن الــــدون ولا تخـــطِّى لبيتـــه عتَب
وان كنت غـــاوى النسَب دوِّر عـــلى السِلســال
***
واقـــول كــــلامى ومن قلـــبى ماهـــوش ولِّيف
جــاى من بـلاد الصعيد أصل النخــيل والليـف
نـــاسى غلابــــة وزارعــين النجـــوع احـــلام
عايشيـــن كيف الحمـــام بالعشـــق والولِّيــف
***
إلحـــق حيـــاتك ياسايب الحبل على غربيِــــه
واللى غــوَى الشــر ســيَّب دنيتُــه وغربيِــــــه
يامــــا جبـــابــرة اتكفـــوا وكلِتْهم التــُربـــه
واللى انـدفــــن غَربـــــَة بكرة تنــدفن غربيــــِه
اقرأ أيضا
«عادل صابر» بين مطرقة مدحت العدل وسندان أكرم حسني