الكاريكاتير في مصر القديمة| الفأر يحكم المدينة والقط يعمل في خدمته
استخدم الفنان المصري القديم فنه في رسم صورة لمجتمعه بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحسب ما ذكر الدكتور عبدالعزيز صالح، في كتابه الفكاهة والكاريكاتير في الفن المصري القديم، مشيرا إلى أن فترات عصور الانتقال والتي صاحبها اضطراب اجتماعي انعكست بدورها على الفن المصري، لتظهر بعض الرسوم التي اعتبرها صالح رسومًا كاريكاتيرية تعتمد على أسلوب النقد الساخر من الأوضاع السياسية والاجتماعية.
ويعتبر صالح أن نهايات الدولة الحديثة (1100 ق.م) وحتى نهاية عصر الأسرات بدخول الإسكندر مصر (336 ق .م) شهدت اختلالا في النظام الاجتماعي المصري، يرجع إلى جنوح ملوك ذلك العصر إلى التظاهر والتزاوج من الأجانب، الذين نزحوا إلى مصر بقبائلهم وعشائرهم وازداد نفوذهم حتى أصبحوا أصحاب الكلمة العليا في البلاط، وصاروا أصحاب امتيازات تفوق بكثير أبناء الوطن، ليسخر الفنان من تلك الأوضاع من خلال رسوم رمزية، رمز فيها للإنسان بالحيوان كنوع من التورية وتمثل علاقات غريبة بين الحيوانات باختلاف طبائعها، فيضرب مثلا لبردية تصور ذئابا وهي ترعى أغناما، أو أن يجلس الأسد ليلعب الشطرنج مع تيس، وحسب ما أورد صالح وجدت برديات تصور علاقة القطط والفئران في صورة تنافي طبيعتها، في رمزية لانقلاب موازين المجتمع، وطبقا للدكتور عبدالعزيز صالح، تعد تلك الرسومات أولى محاولات فن الكاركتير بأياد مصرية.
الفئران تهزم القطط
يورد الدكتور صالح في كتابه في الصفحة رقم 4، رسما لشقفة فخار يرجع تاريخها إلى نهايات الدولة الحديثة، تصور فأرا يركب عجلة حربية يجرها كلبين بينما جنوده من الفئران يقومون باقتحام حصن لجيش القطط ويوقعون بهم الهزيمة، إذ نلاحظ كيف يستخدم الملك “الفأر” سهامه ويقتل القطط، بينما نرى أحدهم وقد سقط قتيلا، ويعلق صالح على هذا الكاريكاتير: أن “الناقد يتهكم على الطرفين فاعتبر أن الدخلاء بالرغم من موقعهم المرموق في الدولة إلا أنهم مجرد فئران، ومواطنيه الذين كان من المفترض أن يحموا حصونهم ومقدراتهم استكانوا وهانوا فصاروا هدفا سهلا للفئران، وبات حصنهم مهددا بالاقتحام”.
الفأر المدلل
يحتفظ المتحف المصري ببردية ممزقة مسجلة برقم (31199 سجل عام) وتعود لفترة الدولة الحديثة (1580 ق.م)، وتصور فأرة وقد جلست على كرسي العرش بكامل زينتها بينما يقوم على خدمتها أربع قطط مصرية، إحداهن تواجه الفأرة وترفه عنها، بينما وقفت الثلاث الأخريات خلفها، حيث تقوم الاثنتان من على الأجناب بحمل المراوح بينما القطة في المنتصف تحمل ابن الفأرة وتقوم بتدليله، ونلاحظ في الجزء الممزق من البردية بعض القطط يعملون في حقول الفأرة، فنرى قطا يحمل الماء بينما قط أخر يقوم على رعاية وإطعام أبقار الفأرة.
وقد أورد الدكتور صالح في كتابه صورة ضوئية للبردية في صفحة 5، معلقا على ذلك بأن الفنان المصري لم يستسغ زيادة نفوذ الأجانب في مصر وعبر عنه بتلك الطريقة اللاذعة، كنوع من التحذير من خطورة تفاقم الوضع.
الفأر يحكم المدينة
طبقا للدكتور عبدالعزيز صالح، فقد وصل الفنان الناقد قمة السخرية في تصوير الأوضاع السخيفة؛ حينما صمم رسما على إحدى اللوحات الحجرية يظهر فيه الفأر قاضيا أو أصبح القاضي فأرا، متصنعا الوقار والقوة، ومستندا على عصاه، بينما يستخدم القط ليوقع العذاب بفتى مصري أساء الأدب، بينما القط يرفع سوطه لضرب الفتى، يطلب الفتى الرحمة والعفو من الفأر.
هوامش
1- الفكاهة والكاريكاتير في الفن المصري القديم “بي دي أف” – تأليف أ.د عبدالعزيز صالح – إهداء من مكتبة الدكتور عبدالعزيز صالح – صفحات (من صفحة 2 حتى صفحة 7).
تعليق واحد