«القفاصين».. معاناة مستمرة والبديل «التوكتوك»!
معاناة مستمرة يعيشها القفاصون خلال الفترة الحالية. إذ سبق وفتح «باب مصر» هذا الملف بالتحديد داخل مدينة رشيد في أقصى شمال الدلتا، الذين تحدثوا عن مشكلات الحرفة وخفوت الصنعة وصولًا إلى اختفائها في نهاية الأمر.
وفي الفيوم يمتهن العديد من سكانها هذه الحرفة منذ ما يقرب النصف قرن من الزمان، متحدثين عن الصعوبات التي تواجههم وما يحتاجونه خلال الفترة المقبلة للاستمرار في الحرفة.
مهنة الأجداد
يقول محمد كمال محمد، الذي ولد وعاش داخل قرية العجمين بمحافظة الفيوم: “توارث الحرفة من والدي وأجدادي، ولدنا ورأينا أنفسنا نعمل في هذه الحرفة، فأنا امتهنت المهنة منذ 49 عاما، وتحديدا حين كنت في العاشرة من عمري، عندما تركت التعليم خلال مرحلة مبكرة من حياتي، وكرست حياتي في المهنة. وبدأت أتوسع فيها، فزرت الكثير من المحافظات للعمل داخلها، لكني توقفت عن الأمر تحديدا سنة 2007 ولم أعد أخرج خارج قريتي. إذ استقريت بنفسي وقررت أن أعمل في صناعة الكراسي المصنوعة من جريد النخل. وكذلك الترابيزات، وفوانيس رمضان.. وغيرها من الأمور. وقد قمنا بتصدير منتجاتنا لبعض الدول العربية في الخارج، لكن بشكل عام نبيع منتجاتنا محليا داخل مصر، فهناك من يشترون منتجاتنا ممن هم داخل البلد وهناك من يشترونها من خارجها”.
إصابات متعددة
ويضيف أنه لم يعلم أيًا من أبنائه المهنة نظرًا لصعوبتها؛ ولإصابتها المتعددة والتي تتسبب فيها. إذ تصيب العمود الفقري نتيجة انحناء الظهر بصورة مستمرة، ونتيجة الجلوس على هذه الوضعية لمدة قد تصل إلى 12 ساعة يوميا، ويقول: “أحيانا أعمل من السابعة صباحا حتى العاشرة مساء، ومثل هذه الأمور لم تشجعني على أن أعلم المهنة لأولادي، لكني بشكل شخصي أعمل يوميا على صناعة حوالي 3 كراسي، وما إن أنتهي من صناعتهم حتى أذهب وأحرك جسدي، نظرا للجلوس الطويل الذي يؤثر علينا بصورة كبيرة”.
وتابع: المهنة لا تجازينا ماليا، فنحن لم نكن نجني الكثير منها طوال حياتنا. وهنا يتدخل في الحديث شعبان وهو أحد حرفي قرية العجمين. إذ يشير بدوره إلى أن الحرفة خلال الفترة الحالية لا تجازي، نتيجة الضغوط الاقتصادية الكبرى التي تعاني منها الأسر خلال الوقت الراهن، ويضرب مثالا، ويقول: “لو أن الحرفي يعمل يوميا بما يعادل المائة جنيه أو المائة وعشرون جنيها، فهذا المبلغ لن يكفيه إذا ما قرر أن يذهب بأحد أبنائه للعلاج عند الطبيب، لكن في النهاية ما يبقينا هو الستر من عند ربنا”.
خصوبة الأرض
يذكر محمد أن عملية تحديد الأسعار تحددها خامة المنتج المستخدم، فكل حرفي يثمن شغله وفقا للجودة، فأنا أصنع الكرسي مثلا بمبلغ 120 حنيها، لكن غيري يصنعه بـ75 جنيها، وهناك شغل “سوقي” وشغل “متوسط” وشغل يتميز بحرفية كبيرة في الصنعة، وبالدقة، وهناك كرسي مثلا أصنعه وأبيعه بـ250 جنيها، وهذا لأنه يحتاج لكثير من المجهود والعمل المستمر.
وعن الجريد المستخدم في الصنعة يشير إلى أنهم يستقدمون الجريد من أقصى الصعيد بداية من الأقصر، وقنا، وبني سويف، وغيرها من الأماكن، لكن أسعار الجريد تختلف من موسم لآخر، ففي الشتاء من الممكن أن ينخفض سعر الجريد. لكن في فصل الصيف يرتفع سعره، فلو أخذته في الشتاء بمبلغ 1500 جنيه، من الممكن أن أأخذه في فصل الصيف بمبلغ 2500 جنيه، لكن بصورة عامة فنحن في صناعة الكراسي نفضل استخدام الجريد المستجلب من بني سويف، لأنها جريدة صميمة، ومتماسكة، وأرض بني سويف بشكل عام هي أرض خصبة، لكن كلما نزلنا إلى الجنوب الصعيد فنحن نقابل في هذه الحالة جريد رديء، مثل جريد “الموز” على سبيل المثال والذي يمتلئ بالمياه وبالتالي؛ عند العمل على تشكيل الجريد فإنه يؤدي إلى ظهور العديد من المشكلات، مثل “تفسيح” المنتج ووجود فراغات بعد الانتهاء منه.
عملية معقدة
يتطرق كمال بحديثه لمشكلة أخرى تعيشها الصناعة خلال الوقت الراهن. فهو يقول إنهم يعانون بسبب تفضيل الناس لاستخدام البلاستيك؛ سواء في صناعة الأقفاص أو حتى صناعة الكراسي. إذ أدت هذه الأمور لتراجع الصنعة بنسبة قد تصل إلى 50%؛ وذلك رغم أن المواد المصنعة من الجريد تكلفتها أٌقل من المواد المصنوعة من البلاستيك. فمثلا تجد أن الكرسي البلاستيك على سبيل المثال يباع بضعف ثمن الكرسي المصنوع من جريد النخل، لذلك أتمنى فتح الأسواق خارج مصر، وأن تساعدنا الدولة لتسويق منتجاتنا سواء في الداخل أو الخارج، أو حتى خارج المحافظة.
وتابع: كذلك نطالب بمعارض دائمة خارج نطاق محافظة الفيوم، فعندما عرضت علينا المحافظة، وتحديدا الصندوق الاجتماعي، فكرة المشاركة في معرض تراثنا الذي بات يقام سنويا؛ رفضت. إذ قلت لهم إن الحل هو إما أن يوفروا لي مكان بالمعرض ويأخذوا المنتجات الخاصة بي ليعرضوها هناك، وإما أن تبيعوا المنتجات لحسابي، فأنا رأيت أن فكرة سفري للقاهرة “مرمطة”. وذلك لأني مطلوب مني أن أوفر سيارة أذهب بها للقاهرة، وتعود بي مرة أخرى، ومطلوب مني كذلك توفير سكن لي داخل القاهرة طوال فترة المعرض، وهذه الأمور تكاد تكون مستحيلة، وعبء كبير لأن عملية النقل من الفيوم للقاهرة، هي عملية معقدة، ومكلفة للغاية.
حماية الحرفيين
وينهي الحاج محمد حديثه ويقول: “الجيل الحالي من شباب القرية، لم يعد أحد منهم يهتم بممارسة الحرفة. إذ أصبح التوكتوك هو البديل الذي يلجأ إليه شباب القرية، فهم يحبون الاستسهال، وكذلك الصنعة نفسها صعبة، نتيجة العوامل التي ذكرتها لك، فنحن غير مؤمن علينا، وبالتالي دائما عرضة لإصابات كثير في العمود الفقري، وإذا مرض أحدنا فلن تجد أي وسيلة دعم أو علاج في نهاية الأمر، فمثل هذه الأمور أثرت علينا بالسلب وعلى الحرفة. بالإضافة إلى أنه لا توجد جمعيات أو نقابات يمكنها أن تحمي الحرفيين؛ ونحن نحتاج لجهة ما كي تحكم العملية.